“جلاد داعش” البلجيكي يبرئ نفسه من التهم ويطالب بمحاكمةٍ ببلاده

الحسكة – روج موسى/جيندار عبد القادر – NPA
من أحد أحياء برمنغهام وسط المملكة المتحدة إلى حي الحرامية بمدينة الرقة شمال سوريا، فالباغوز المحطة الأخيرة لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، تنقّل البلجيكي ذو الأصول المغربية مع زوجته جولي مايس (32 عاماً) وأطفالهم الأربعة الذين لا يعرفُ عنهم أي شيء منذ أن سلّم نفسه في الدفعة الثانية مع "جهاديي" التنظيم بالباغوز أذار/مارس الماضي.
أنور حدوشي (35 عاماً) والمعروف بأبو سليمان البلجيكي، الذي يبتسم حين تذكر له بأنّه يُعرف في وسائل الإعلام بـ"جلاد داعش"، هو أحد آلاف المعتقلين الأجانب في سجون قوات سوريا الديمقراطية التي سمح مركزها الإعلامي لـ"نورث برس" باللقاء به في أحد السجون بمنطقة الحسكة.
ودرس الجهادي المحاسبة وعمل سائق تاكسي في برمنغهام التي قدم إليها عام 2009 بعدما ترك موطنه بلجيكيا وعائلته المنقسمة بسبب طلاق والديه، وكان راقصاً لـ"البريك دانس" قبل التزامه بتعاليم الإسلام.
ولم يكن الحدوشي جلاداً هذه المرة، بل كان كأي معتقلٍ مصابٍ بشظايا في السجون، يسرد قصصاً عن جهاده مع التنظيم، كان شخصاً عادياً بأزياءٍ عاديةٍ وملامح طبيعيةٍ، كان "الجلاد" هذه المرة مجرد معتقل.
الجلاد المُتخيَّل
"ماكنت شيئاً بصراحة" يقولها الحدوشي وهو يبتسم حينما يُذكرُ أمامه بأنّه "جلاد داعش" في إشارة استهزاءٍ منه حيال ذلك معتبراً كل التهم التي وجّهت له هي "محض خيالٍ وعاريةٌ عن  الصحة".
ويرفض اتهامات الصحافة البلجيكية حيال قطعه لرؤوس مئة شخص في الرقة بالقول "أتفهم الحكومة البلجيكية ومن حقها أن تسأل وتستقصي وهذا حقها، ولكن أن يتهموني بهذه الطريقة؟ لا، لا بد من عدلٍ وإنصاف".
ويكمل الحدوشي حديثه وهو ممتعضٌ من قولنا بأنّه جلاد التنظيم، قائلاً "لا أرضى أن يُقال عني أني قاتل نساءٍ وأطفال" مشيراً في نفس الحين إلى راحته حيال هذا الأمر كونه "ليس له علاقة بالموضوع" وبأنّه لو كان لديه الرغبة في القيام بهذه الأعمال الشنيعة "لكان قام بها في أوروبا".
"هذا الجلاد كيف عرفوه، شافوه بالفيديو؟ إذا رأسي خالص" بهذه الكلمات يستفسر الحدوشي عن كيفية معرفة الجهات الحكومية له، مطالباً بالكشف عن الأدلة التي تثبت بأنّه "الجلاد" مشيراً إلى أنّ كل التهم وجّهت له بعد تحويل النقود له.
ويُتهم الحدوشي بتمويل الاعتداءين الانتحاريين الذين حدثا في كل من باريس في (الثالث عشر من تشرين الثاني/نوفمبر 2015) وبروكسل في (الثاني والعشرين من آذار/مارس 2016) واللذان راح ضحيتهما أكثر من /160/ شخصاً.
يستفسر عن ذنبه في حال كان اسمه بالتنظيم "أبو سليمان البلجيكي" والذي هو اسم جلاد التنظيم، ويكمل حديثه باستهزاءٍ قائلاً "فلنأخذ كل البلجيكيين أو كل من اسمه أبو سليمان وكل من حوَّل له نقود ونحقّق معهم".
ويربط الحدوشي الذي يظهر لأول مرةٍ في لقاءٍ مصورٍ بعد سبعة أشهر من حياة السجون، توجيه تهمة "الجلاد" بحادثة تحويل الأموال له من بريطانيا التي اعتبرها السبب الرئيسي لتفرُّع وكثرة التهم اتجاهه.
ويقر الحدوشي بأنه استلم مبلغ /3,000/ يورو ما يقارب المليوني ليرة سورية، عبر مركز للحوالات قرب دوار الدلة في مدينة الرقة، عقب طلبه المساعدة من صديقه "محمد" في بريطانيا لإرسال جزءٍ من أمواله في حسابه البنكي لكي يستطيع أن يُعين عائلته، على حدّ وصفه.
فيما يحاول الجهادي تبسيط الأمر بالقول بأنّ "كل ما حدث هو نتيجة المبالغ المالية التي طلبتها للعيش في مناطق التنظيم، سمعت بأنّ هذا المال اُستخدم في أعمالٍ ارهابيةٍ"، نافياً معرفته بمحمد عبريني أحد مدبري تفجيرات بروكسل وباريس أو حتى كيف وصلت الأموال إليه.
وكان مركز الحوالات الذي تسلم الحدوشي المال منه، هو على حد وصفه تعود ملكيته لـ"العوام" أي المدنيين، ظاناً بأنّه سيستلم الأموال مثل الجميع بشكلٍ طبيعي كغيره من الأجانب.
"قد أكون البغدادي"
"قد أكون البغدادي" قالها وهو يشدّ على يديه بغضبٍ حينما كشف بأنّ كل التهم التي وجهت له جاءت من طلبه للأموال، قائلاً بأنّ "من غير المنطقي أن يحتاج تنظيمٌ مثل (داعش) لأمواله لكي يمول الأعمال الإرهابية".
محمد، الذي أرسل المال للحدوشي، كان عامل حديقةٍ بمنزله برمنغهام، ولبى طلب مساعدته، يقبع الآن في أحد السجون البلجيكية بتهمة إرساله المال للحدوشي الذي اعترف بتوريطه لصديقه.
بين "داعش" وتركيا
وقدم الحدوشي من مطار أمستردام الهولندي إلى مطار آضنة مع زوجته وصديقاه عام 2014، ليتوجها فيما بعد لمدينة غازي عنتاب بعد اتصاله بأحد المهربين الذي عبر بهم الحدود مباشرةً في نفس اليوم لكي يبدأ دورته الشرعية التي دامت ثلاثة أسابيع وفق قوله.
ويدعي الحدوشي بأنّه عمل في مكتب لتسجيل المدنيين السوريين الذي يعبرون الحدود التركية السورية في مدينة تل أبيض، عقب قيام التنظيم بتوظيف مهربين تابعين له لضبط عمليات تهريب "الثروات" على حد تعبيره حينما كان التنظيم يتقدم في قرى كوباني الشرقية والجنوبية.
وكان يُطلب من المدنيين السوريين إشهار أوراقهم الثبوتية لكي يُعطى لهم رقم ويتم فرزهم لأحد المهربين الذين يخرجون الأطفال والنساء المسجلين لدى الحدوشي إلى تركيا، حيث أن هذا الطريق كان ممنوعاً على "المهاجرين" (المقاتلين الأجانب)، وذلك مخافة من أن يكونوا جواسيس لأجهزة استخباراتٍ.
فيما لم يكن الهروب من "أراضي الخلافة" حسب ما يسميها التنظيم, بالأمر الصعب وفق ما قاله الحدوشي، فالتنظيم كان يسيطر على مناطق حدودية شاسعة، العامل الذي كان مسهلاً للتهريب إلى الخارج, مستشهداً بمثالٍ حول هُرب صديقيه وعودتهما لبلجيكا, وعدم سَجنهما, رافضاً الإفصاح عن اسميهما.
حياته داخل أراضي التنظيم
لم يدم وجود الحدوشي في تل أبيض طويلاً، حتى توجه للرقة، بعد إفراغ التنظيم للمقرات بعد بدء التحالف الدولي بالحرب ضدّهم بشكلٍ رسمي، فعمل في الرقة – حسب زعمه – منقِّحاً ومصلحاً للأخطاء الموجودة في التلاوات المسجلة للقرآن، واصفاً نفسه بأنّه جاء لسوريا كـ"زيارة" وليس كـ"جهاد" ولم يكن التنظيم يتدخل في شؤونه لينسحب معهم شيئاً فشيئاً حتى الباغوز.
ويمثل وصفه للحياة "العادية" في أراضي التنظيم، بخروجه مع عائلته لشراء حاجيات المنزل، قائلاً إنه لم يرى عمليات للإعدام سوى مرةٍ واحدة لأحد عناصر الشرطة العراقيين في دوار الدلة بمدينة الرقة.
وفي سياق جوابه على أسئلة "نورث برس" كان الحدوشي يظهر عليه التردد الذي استشفَّ من قوله "ماكنت أريد الجهاد، كنت أريد الهجرة فقط"، مشيراً إلى أنه لن يعود للتنظيم مرة أخرى مهما كانت الأسباب، "لأن وجودي بالتنظيم كان
كالسجن".
ويتوقع بأن التنظيم لن يستطيع النهوض مجدداً كونه فقد شعبيته بسبب "الظلم ورغبة جميع الناس بالعودة لمنازلهم".
سلفي علمي
يعزي الحدوشي الدور الأكبر لإقناعه على القدوم إلى سوريا بسبب الضخ الإعلامي الذي كان يجري في بدايات الأزمة السورية، وظهور التنظيم الذي أجرى الحدوشي بحوثاً عنه قبل الانضمام ليكتشف وجود مدارس وشرطة متوقعاً بأن يكون الوضع جيداً.
صنف الجلاد نفسه ضمن فئة أسماها بـ"السلفية العلمية" والتي تتمثل حسب قوله، بالتقيد باللباس الإسلامي واللحية دون التواصل مع الفئة الأخرى وهي فئة "السلفية الجهادية"، مؤكداً بأن ما دفعه للانضمام للتنظيم ليس المنهج أو العقيدة حتى، بل الحماس لرؤية أراضي الخلافة التي ندم على استعجاله بالقدوم إليها.
يكرر الجلاد ندمه مرة أخرى بالقول بأنه "عندما تصل لأراضي الخلافة تكون مخدوعاً بالدعايات الجميلة".
"لم تكن الخلافة جيدةً، ولا تحتاج لوقت طويل لتكتشف ذلك" في إشارة منه لاختلاف التوجهات الايدلوجية في التنظيم، مكملاً القول بأنّ "التنظيم في بعض الجوانب كان يطبق الشريعة الإسلامية وبعض النقاط الأخرى لا يطبقها".
لم تظهر لحدوشي أية ردة فعلٍ، حين أريناه صوراً لمنزله لبرمنغهام وصورة له ولطفلته، كان فقط يشرح متى التُقطت هذه الصورة قائلاً "هل هذا المنزل أيضاً بات إرهابياً".
ويختتم "أبو سليمان البلجيكي" حديثه المطول والمناقض تماماً لكل الاتهامات التي وجّهت ضدّه، بمطالبة بمحاكمة في بلجيكيا التي اعتبرها بلاداً لحقوق الإنسان.