لبنان.. مرحلةً مفتوحةً على شتّى الاحتمالات وتوعّد نصرالله بالتصعيد عسكرياً ضدّ إسرائيل
بيروت ـ ليال خروبي ـ NPA
تصاعدت في الأربع والعشرين ساعةً الماضية حدّةُ الاشتباك بين إسرائيل وحزب الله بشكلٍ موضعيٍّ على مستوى الميدان، وشاملٍ على المستوى الإعلاميّ، فالحادثتان اللتانِ استفاقَ حزب الله عليهما يومَ أمس وهما استهدافُ مركزٍ له في منطقة عقربا بريفِ دمشق ومقتلُ اثنين من عناصره على إثرها، و"غزوةُ" طائرتا "درون" لمنطقة معوّض في ضاحية بيروت الجنوبيّة المعقل الأساس للحزب في المدينة، أرستا مرحلةً جديدةً لما كانَ قائماً منذ آب/أغسطس عام 2006 تاريخ انتهاء آخر نزاع مسلّح بين الطرفين، حيثُ انهارت قواعد الاشتباك السابقة وانفتحت شهيتهما على خرق القرار /1701/ الدّولي الذي أنهى العمليات الحربيّة في حرب عام 2006.
وتوعّد أمين عام حزب الله حسن نصرالله خلال كلمته التي كانت مقررة مسبقاً في حفلٍ جماهيريّ إسرائيل بالردّ "من لبنان وليسَ من مزارع شبعا" على القصف الذي استهدفَ مراكز الحزب جنوبَ دمشق، وعلى مستوى الطائرتين المسيّرتين لفت نصرالله إلى أنّ الهجوم "هو أول عمل عدوانيّ منذ الـ/14/ من آب/أغسطس 2006، وهو خرق كبير وخطير، وأيّ سكوت عنه سيؤدي إلى تكرار السيناريو العراقي في لبنان"، وقال: "من الآن وصاعداً سنواجه المسيّرات الإسرائيلية في سماء لبنان، وعندما تدخل سنعمل على إسقاطها وليعلم الإسرائيلي بذلك من الآن، ولن ننتظر أحداً في الكون، وإذا كان أحد في لبنان حريصاً على عدم حصول مشكلة ليتحدث مع الأمريكان لكي يطلبوا من الإسرائيليين أن ينضَبّوا".
تطمينٌ أمريكي وصمت إسرائيلي
في الوقتِ الذي رفع نصرالله سقف تهديداته للإسرائيليين ، تلقّى رئيس الحكومة اللبنانيّة سعد الحريري اتصالاً من وزيرِ الخارجيّة الأمريكيّ مايك بومبيو شدّد فيه على "ضرورة تجنب أي تصعيد، والعمل مع كافة الأطراف المعنية لمنع أي شكلٍ من أشكال التدهور"، ونقلَ بومبيو عن رئيس الحكومة الاسرائيليّة بنيامين نتنياهو "أنّ إسرائيل ليست في صدد التصعيد مع لبنان"، فيما أكد الحريري بدوره تمسّك لبنان بالقرار /1701/ وضبط النّفس.
وكما على المستوى السياسيّ الذي برز فيه لبنان كصندوقِ بريد، فعلى المستوى الأمني أيضاً احتكرَ حزب الله روايةَ ما جرى في الضاحية الجنوبية لبيروت حيثُ لم تستلم الأجهزة القضائية والأمنية اللبنانية الطائرة الأولى التي قال حزب الله إنها سقطت، كما لم تحصل على جزيئيات الطائرة الثانية التي انفجرت فوق مبنى المركز الإعلامي للحزب بحسب ما يفيد الخبير العسكري والعميد المتقاعد خليل الحلو لـ"نورث برس".
كما أنَّ تل أبيب لم تقدّم أي معلومات حولَ الطائرتين المسيّرتين والتزمت الصمت حيال مسؤوليتها، وهو ما يفسّره الحلو "بعدم رغبة إسرائيل بجرّ الحزب إلى ردّ انتقاميّ يدفعها إلى الردّ المضادّ كحالِ مئاتِ الغارات التي نفذتها إسرائيل على مواقع إيرانية في سوريا من دون ضجيج إعلامي لا إيراني ولا إسرائيلي" لكنّ الحلو يضيف "حزب الله استبق الموقف الإسرائيلي وأعلن أنه لن يردّ في مزارع شبعا لأنها غير مشمولة بالقرار 1701".
ذروة الصراع أم تمهيدٌ للأخطر؟
يصفُ الخبير العسكري خليل الحلو لـ"نورث برس" الواقع الحالي بـ"الصراع العسكري ذي الوتيرة الخفيفة" مستبعداً "أن تملك كل من إسرائيل وإيران الرغبة بالتصعيد لأن الأخيرة لا تخضع لضغوطات عسكرية كبيرة قد تدفع بالحزب إلى تصعيدِ يستجلبُ حرب".
وفي تعليقهِ على الضربات الجوية الإسرائيلية فجرَ اليوم التي استهدفت سلسلة جبال لبنان الشرقية المقابلة لجرود بلدة قوسايا، غربي زحلة حيث مواقع عسكرية للجبهة الشعبية الفلسطينية- القيادة العامة التي يتزعمها أحمد جبريل، يقول الحلو "التنظيم الفلسطيني الذي استهدف في الغارات صغير نسبيا حيث يضم من /1000/ إلى /1500/ مقاتل وهو متحالف مع إيران والحكومة السوريّة، والغارات الإسرائيلية التي استهدفته غير منفصلة عن سياق اليومين الماضيين فنتنياهو هدد سابقا باستهداف إيران وحلفائها أينما وجدوا".
أمّا حول مآل الاشتباك الحاليّ يعرب الحلو عن اعتقاده بأنّ "ما يجري لا يؤدي بالضرورة إلى حرب كما أنه لا يؤدي بالضرورة إلى مفاوضات، فنحنُ الآنّ أمام مرحلة ضبابية منعدمة الأفق".
من جانبه يؤكد الكاتب السياسي توفيق شومان لـ"نورث برس" أنَّ "قرار الحرب الشاملة أبعد من دول الشرق الأوسط، فهي بحاجة لغطائين أساسيين من روسيا والولايات المتحدة الأمريكيّة والأخيرة أعطت حتى الساعة الضوء الأخضر لعمليات إسرائيلية موضعيّة في كلّ من العراق وسوريا ولبنان لا أكثر".
لكنّ شومان يلفتُ إلى أنَّ "حروباً شاملة أو محدودة قد تحدث بفعلِ حسابات خاطئة بحسب ما يروي لنا التاريخ، واليوم يقف الجميع على حافة الهاوية ما يجعلُ فرضية الانزلاقِ إلى تصعيد واردة".
وحولَ توقيت التصعيدِ الميدانيّ يوضح شومان: "نتنياهو يريد أن يظهر بصورة البطل على أعتاب الانتخابات التشريعية حيثُ يقول من خلال ذلك إنه مستعدّ للحرب على ثلاث جبهات، كما أن نتنياهو يختبر جاهزيّة وقابليّة حزب الله لتسديد ضرباتٍ انتقاميّة".
ورداً على سؤالٍ إذا كان حزب الله سيلزم نفسهُ بتهديد الردّ يقول شومان: "الحزب لا يستطيع إلا أن يرد فإذا لم يرد ستتكرر العملية وتصبح الضاحية الجنوبية لبيروت مثل سوريا والعراق الآن، وبرأيي حزب الله سيعمل على تكريس معادلة الطائرات المسيرة أي إرسال طائرات إلى سماء إسرائيل".