إعادة إعمار الرقة… واقعٌ صعبٌ وانتظارٌ لحل السياسي

الرقة- مصطفى الخليل-NPA
ألحقت العمليات العسكرية بين قوات سوريا الديمقراطية ومسلحي تنظيم "الدولة الإسلامية"(داعش) والضربات الجوية لطائرات التحالف في الرقة عام 2017 أضراراً بالغة بالبنى التحتية, فخرجت أغلب الجسور والطرقات والمباني والمستشفيات والمدارس وشبكات مياه الشرب والصرف الصحي عن الخدمة, بالإضافة إلى تدمير شبه كامل للأبنية السكنية
وبحسب تقرير لمنظمة العفو الدولية، فإن طيران التحالف الدولي دمر أكثر من /11/ ألف مبنى سكني في الرقة، وتشير إحصائيات أن نسبة الدمار الكلي في الرقة تصل لحوالي /95/ بالمئة.
إعادة الإعمار
 بعد طرد مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية"(داعش) من الرقة في العام نفسه بدأت مسألة إعادة إعمار الرقة وتعويض الأهالي الذين تضررت ممتلكاتهم ومنازلهم تتداول في وسائل الإعلام العربية والغربية, إلا أن المسألة أخذت اتجاه آخر, فالدول المانحة التي كان من المفترض أن تبدأ بتمويل مجلس الرقة المدني, أوضحت أن الانتقال إلى هذه المرحلة لن يتم إلا بعد حل سياسي جذري ينهي الصراع في كافة الأراضي السورية.
وتقدم بعض الدول المانحة  دعماً لمجلس الرقة المدني ومنظمات المجتمع المدني ولكنه  كان "دعماً خجولاً ولايرتقي لحجم الدمار الهائل الذي حلَّ بالمدينة", بحسب رئيس لجنة التخطيط والدراسات التابعة لمجلس الرقة المدني إبراهيم الحسن.
 وبناءً على هذا الواقع يقوم بعض أهالي الرقة المتضررين من العمليات العسكرية الطاحنة التي شهدتها مدينتهم، بإعادة إعمار ممتلكاتهم وبيوتهم، ولكن هذه النسبة قليلة جداً قياساً بفئة السكان الذين خسروا كل شيء، والبعض منهم هاجر خارج الرقة، لتطوى عندهم صفحة إعادة إعمار ممتلكاتهم، وتصبح في هامش الأحلام الصعبة المنال.
في حي العُجيلي، من أقدم أحياء مدينة الرقة القديمة، يقوم مهلب العُجيلي (40 عاماً) من أبناء الحي بترميم منزله المتضرر من قصف طائرات التحالف.
ويمتلك مهلب بناء طابقي يتألف من أربعة أدوار، تضرر نتيجة ضربات طائرات التحالف الدولي بشكل كبير ولم يعد صالحاً للسكن, حيث قام مسلحي تنظيم "الدولة الإسلامية"(داعش) بتحويل مدخل البناية إلى مصنع لتجهيز وتصنيع العبوات الناسفة والمفخخات, لتقوم الطائرات أثناء المعارك في المدينة بقصف المبنى.
يقول مهلب لـ"نورث برس" "عرفت ذلك أثناء عودتنا إلى الرقة بعد تحريرها، وقمت بإبلاغ الجهات المختصة في قوات سوريا الديمقراطية، حيث استجابوا لي وكشفوا على الموقع وقاموا بفحصه وتنظيفه من بقايا الأدوات التي تم تصنيع المفخخات والعبوات الناسفة منها."
ويتساءل مهلب "هل هذا هو السبب وراء تدمير منزلي من قبل طائرات التحالف الدولي؟! ويضيف" انتظرنا كثيراً إعادة الإعمار ولكن يبدو أن هذا الانتظار سيطول وربما لا فائدة تُرجى منه".
ويستخدم مهلب في أعمال ترميم بنائه مادة الجص بدلاً عن الإسمنت بسبب "توافره وانخفاض أسعاره قياساً بمادة الإسمنت" الذي يبلغ سعر الطن الواحد منه حوالي /80/ ألف ليرة سورية (حوالي 131 دولار).
ووصلت كلفة إعادة تأهيل وترميم الطابق الأرضي لمبنى مهلب إلى أكثر من /630/ ألف ليرة سورية (حوالي ألف دولار), حيث قام باستدانة المبلغ من بعض الأصدقاء, حسب قوله.
ويضيف مهلب "بالرغم من ارتفاع أسعار مواد البناء وخاصة مادتي الإسمنت والحديد، أقوم الأن بترميم منزلي وعلى نفقتي الخاصة كي أتمكن من العودة إليه أنا وعائلتي".
ويطالب مهلب الدول المانحة أن تقوم بالتعويض "ولو جزئياً عن الأضرار التي لحقت بنا وببيوتنا"، منوهاً أن يكون الدعم "موجهاً ومتوازناً وألا يكون للريف فقط؛ فالريف في مدينة الرقة لم يتضرر كثيراً قياساً بالأضرار الجسيمة التي لحقت بمدينة الرقة".
في شارع سيف الدولة الواقع في وسط مدينة الرقة تقطن غفران المطر(27 عاماً) هي وزوجها وأطفالها في منزل أهلها بعد تدمير منزلها هي الأخرى من قبل طائرات التحالف الدولي.
تقول غفران لـ"نورث برس عن إمكانية إعادة ترميم منزلها قائلة" إمكانياتنا المادية ضعيفة جداً، فزوجي عامل بسيط يذهب كل صباح إلى نزلة المتحف(مكان تجمع العمال في الرقة) يبحث عن عمل ليقوم بتأمين معيشتنا أنا وأطفالي", منوهة  أن هناك قلة فرص عمل في المدينة "فزوجي يعمل يوماً ويعطل عشرة أيام".
تتابع غفران حديثها ولم تستطع ابتسامتها المتصنعة(تعالياً على وضعها) إخفاء دموعها التي بدأت تنهمر "اتخذ مجموعة من عناصر التنظيم من المنزل المجاور لمنزلنا نقطة عسكرية، وجلبوا معهم مدفعاً حربياً، حينها قررنا أنا وزوجي الخروج من المنزل والذهاب إلى أحد اقاربنا، لأن هذا المكان أصبح مستهدفاً من قبل الطائرات الحربية", لتقوم الطائرات بعدها بقصف منزلها والمنزل المجاور والذي كان عبارة عن نقطة عسكرية.
وتستفسر غفران "هل ستقوم الدول المانحة في يوم ما بتعويضنا، ما ذنبنا إن تحول منزل جيراننا إلى نقطة عسكرية لداعش؟!"
الريف
ويختلف الحال في ريف الرقة عن المدينة, فنسبة الدمار الذي ألحق بالمنازل قليلة بالمقارنة مع المدينة, إلا أن كل الأماكن التي جرت فيها معارك تضررت، وتبقى النسب متفاوتة ومتباينة كثيراَ.
أحمد العيسى الفرج /49/ عاماً من أهالي قرية رطلة 10// كم جنوبي الرقة متضرر منزله هو الآخر من العمليات الطاحنة التي دارت بين تنظيم الدولة وقوات سوريا الديمقراطية, حيث تحول منزله إلى خط جبهة قتال ما بين الطرفين.
يقول الفرج" مجموعة من عناصر تنظيم الدولة هربوا من قرية (كسرة محمد علي) وقاموا بالاختباء في منزلي، وقامت الطائرات باستهداف المنزل بثلاثة صواريخ فتحول المنزل الريفي المكون من ثلاثة غرف مع منافع متواضعة إلى ركام".
يتابع الفرج قائلاً" بعد استقرار الأوضاع في المنطقة راجعت بعض الجهات المختصة في الرقة وتم تدوين الحادثة لدى بلدية الكسرات كي يتم تعويضي عما جرى، ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن نسمع عن إعادة الإعمار وتعويض المتضررين، ولم نرى شيئاً".
ويطالب الفرج المعيل لستة أفراد ويمتلك أرض قام ببيع قسم منها, ليستطيع أن يبني منزلاً مكون من غرفتين, أن يتم تعويضه عن الأضرار والتدمير الذي حل به.
مجلس الرقة المدني
وتحدث لـ"نورث برس" رئيس لجنة التخطيط والدراسات التابعة لمجلس الرقة المدني المحامي إبراهيم الحسن، عن مسألة إعادة الإعمار قائلاً" موضوع إعادة الإعمار بمفهومه الحقيقي مرهون بعملية سياسية شاملة، تُنتج حلاً دائماً للصراع في بلادنا" مبيناً أنه" لايمكن إعادة إعمار حقيقية إلا إذا بدأنا بإعادة إعمار بيوت الأهالي المدمرة نتيجة القصف وتعويض المتضررين".
وأضاف الحسن " قمنا بالاعتماد على امكانياتنا المتواضعة بإعادة تأهيل العديد من الجسور الحيوية في الرقة وبدون أي دعم من أي جهة أو دولة داعمة", منوهاً أنهم قاموا بتأهيل جسر الرقة القديم وجسر (رقة سمرا) وجسر الخاتونية وجسر شنينة وجسر خس عجيل وجسر الرياش, مبيناً أنه تم ايصال التيار الكهربائي إلى حيي المشلب والصناعة وإصلاح إنارة العديد من الشوارع في الرقة.
وأشار الحسن أنهم يعملون حالياً على تعبيد الطرقات والشوارع داخل مدينة الرقة بمادة الإسفلت وهي "استكمالاً لخطة العام الماضي بتعبيد الطرق على المداخل وفي المتحلقات المحيطة بالمدينة".
وتختص لجنة الدراسات والتخطيط المُحدثة منذ أشهر قليلة بدراسة المشاريع الإنشائية وإعادة الإعمار ووضع الخطط المستعجلة لتطوير العمل.
منظمة صناع المستقبل
من جهته يقول مدير منظمة صناع المستقبل (إحدى منظمات المجتمع المدني العاملة في الرقة) نزار العيسى" كل مانقوم به نحن كمنظمة صناع المستقبل وغيرنا من منظمات المجتمع المدني العاملة في الرقة، يندرج تحت مسمى الحالة الإسعافية، وهي حالة "دعم استقرار"، وهي بعيدة كل البعد عن إعادة الإعمار المرهونة بعملية سياسية ضخمة وشاملة ومرتبطة بمصالح الدول الفاعلة في العملية السياسية بسوريا، وتسمى تلك المرحلة مرحلة إعادة الإعمار الثقيلة".
ويضيف نزار "من ضمن تلك المرحلة إعادة بناء وليس إعادة تأهيل"، منوهاً أنهم كمنظمة مجتمع مدني "عندما نقوم بتقديم دراسة للدول المانحة يُشترط علينا أن تكون تحت بند إعادة تأهيل وفي حال كانت تحت مسمى إعادة إنشاء لن يتم الموافقة من قبل تلك الجهات المانحة على المشروع".
ويشير نزرا إلى أن كل ما قاموا به من مشاريع تعليمية وتربوية ودعم نفسي للأطفال ومن تأهيل طرقات ومن مشاريع ري وزراعة هي "حالات إسعافية ليس إلا".
لطالما أصبحت إعادة الإعمار في الرقة سواء أكانت إسعافية أو ثقيلة أو دون ذلك، مرهونة بعملية سياسية شاملة، خاصة؛ في ظل هذه الظروف في المنطقة عموماً وشمال شرقي سوريا خاصة، ومع تزايد حدة تهديدات أنقرة لهذه المناطق فسينتظر الأهالي المتضررين بسبب الحرب كثيراً حل ملف إعادة الإعمار.