الضفة الغربية ـ NPA
يبدو أن السلطة الفلسطينية التي شعرت بحرج شديد أمام شعبها بسبب هدم إسرائيل لمساكن فلسطينية واقعة لأول مرة في منطقة مصنفة "أ" في صور باهر جنوب القدس باعتبارها تحت سيطرة السلطة وفق اتفاق أوسلو، قد ألزمها بردة فعل تحفظ ماء وجهها بعض الشيء داخليا، وتحاول بها أن تنتفض على الواقع في آن واحد.
ردة الفعل تمثلت بإعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس، مساء الخميس، أن القيادة قررت وقف العمل بالاتفاقيات الموقعة مع الجانب الإسرائيلي، وتشكيل لجنة لتنفيذ ذلك.
التطبيق صعب لكن الحقيقة، أن وقف العمل بالاتفاقيات مع إسرائيل، على رأسها اتفاق "أوسلو"، يدفع للسؤال حول مكانة السلطة وديمومتها؛ ذلك أنها تم إنشاؤها وموجودة أصلا منذ ربع قرن بناء على اتفاق "أوسلو" المبرم بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل عام ١٩٩٣.
كما أن الاستيراد والتصدير ومفاصل الحياة الفلسطينية مرتبطة بهذه الاتفاقيات، فكيف يمكن الانفكاك منها والعمل وفق ما يريده الفلسطينيون فقط، فيما إسرائيل هي الطرف الذي يفرض القوة العسكرية على الأرض ويتحكم بكل شيء.. فالسلطة لا تمتلك القوة والسيطرة على الأرض بما يكفل لها أن تعمل منفردة بعيدا عن إسرائيل، مثال آخر يعطينا فكرة ومجالا لتخيل وتقدير إمكانية التطبيق العملي للأمر، هو أن مجرد وقوع شجار عائلي بمنطقة مصنفة "ج"، تضطر السلطة للتنسيق مع الجيش الإسرائيلي للسماح بدخول قوة أمنية فلسطينية إلى المنطقة لفض الشجار.. ناهيك أن سفر رئيس السلطة سواء خارج المدن الفلسطينية أو إلى العالم لا يحدث إلا بتنسيق مسبق مع إسرائيل.
الأمثلة سالفة الذكر تقودنا إلى طرح السؤال الكبير الذي يفتقر للإجابة الحاسمة: كيف يمكن وقف العمل بالاتفاقيات مع إسرائيل، وهل لدى السلطة القدرة الجيو-سياسية والعسكرية لتفعل ذلك؟.
مبررات القرار قوية
القيادي في حركة "فتح" وسفير فلسطين الأسبق لدى مصر نبيل عمرو قال لـ"نورث برس" إن مبررات اتخاذ القيادة الفلسطينية هذا القرار، هي كبيرة وقوية، بالنظر إلى كيفية تعامل إسرائيل مع الاتفاقيات المبرمة؛ إذ أنه يعكس إشكالية بآلية وطريقة التطبيق الإسرائيلي وليس الفلسطيني؛ لأن الأخير ليس له خيارات بل هو ملزم بها في ظل سيطرة إسرائيل على الحدود والمعابر ومفاصل الحياة الفلسطينية الحيوية.
ويضيف عمرو "عندما شعر الفلسطيني أنه يدفع ثمنا كبيرا من هذه الاتفاقيات، التي تختار إسرائيل تطبيق ما يحلو لها من بنودها، والتملص من أخرى؛ كان لا بد من اتخاذ هكذا قرار، تعبيرا عن عدم مقدرة السلطة الفلسطينية التي لن تقبل باستمرار الوضع الراهن وهذه التصرفات الإسرائيلية".
قرار بلا آليات
بيد أن نبيل عمرو يتساءل: كيف ستستجيب إسرائيل لهذا القرار الفلسطيني، فيما العلاقات بين الطرفين متورطة بتفصيلات إدارية واقتصادية وحياتية؟.. لدرجة أن أي شخصية رسمية فلسطينية بما فيها رئيس السلطة (أبو مازن)، لا يمكن انتقالهم وحركتهم دونما الحاجة إلى نوع من التنسيق مع إسرائيل.
وأضاف عمرو أنه كان يتوقع عند اتخاذ قرار وقف العمل بالاتفاقيات أن يُرفق بآليات توضح كيفية التنفيذ، لكن هذا لم يحصل، ما دفع عمرو لاعتباره "قرارا سياسيا" حتى اللحظة. وربما يحمل في طياته "نداء حارا للعالم بأن الوضع بيننا وبين إسرائيل لم يعد بالإمكان الاستمرار له على هذا النحو".
ردود الفعل
ولكن.. تبقى ردة الفعل الإسرائيلية هي ما يتم مراقبته الآن، فكيف ستتصرف تل أبيب، وهل وصلتها صيغة رسمية من السلطة الفلسطينية حول قرارها الأخير؟.. وماذا سيفعل المجتمع الدولي بعد القرار الفلسطيني، لا سيما وأنه قدم الكثير من الدعم المالي والسياسي لتطبيق الاتفاقيات بين الجانبين الفلسطيني-الإسرائيلي على مر السنوات الفائتة.
غير أن عمرو يرى أن العالم ليس باستطاعته أن يفعل شيئا؛ لأنه لم يقدر على إلزام إسرائيل بكامل الاتفاقية.
بجميع الأحوال، أراد رئيس السلطة الفلسطينية أن ينتفض على الواقع ويحذر المجتمع الدولي، عبر اتخاذ قرار يبدو سياسيا حتى الآن.. لكن عباس حاول أن يكون واقعيا عندما اقترن القرار بتشكيل لجنة فنية وسياسية تشرف على التطبيق، ما يعني أنها ستراعي مسألة "فعل ما نقدر عليه ولو تدريجياً"، تماما كما هو حال قرارات الانفكاك السياسي والاقتصادي والأمني عن إسرائيل التي تراوح مكانها منذ عام ٢٠١٥. ويعني هذا أن قرار عباس يبدو دراماتيكيا، لكن الأيام والأشهر القادمة ستخبرنا ما إذا كان قادرا على التطبيق أم لا.