بعد الباغوز.. دير الزور تعاني من تردي الأمن وضعف الخدمات

دير الزور – جيندار عبدالقادر – NPA
دخلت محافظة دير الزور شرقي البلاد، في آذار/مارس الماضي مرحلة جديدة، من تردي الأمن وضعف الخدمات، بعد إعلان قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من قبل التحالف الدولي في الثالث والعشرين من الشهر ذاته عن بسط سيطرتها الكاملة على مناطق ريف دير الزور الواقعة شرق الفرات، بعد انتهاء معارك الباغوز ضد تنظيم "الدولة الإسلامية".
المرحلة التي بدأت بالقضاء العسكري على التنظيم، لاقت رفضاً سياسياً من أطراف معادية لمشاريع قوات سوريا الديمقراطية، فيما قوبلت بترحيب شعبي ودولي من قبل العديد من الأطراف المشاركة في التحالف الدولي لمحاربة التنظيم.
فالتنظيم الذي سيطر لأكثر من خمسة أعوام على كامل مناطق دير الزور ضمن "خلافته" المزعومة، تمكن من زرع الرعب في نفوس أهالي المنطقة إلى جانب قدرته على تجنيد أعداد كبيرة من أبناء العشائر في بيئة عُرفت بأنها "متشددة دينياً".
وتبسط قوات سوريا الديمقراطية سيطرتها على مساحة/16/ ألف كم2 من مساحة دير الزور، والتي يقطن فيها ما يقارب مليون ونصف المليون نسمة، بينهم أكثر من /300/ ألف نازح.
تردي الأوضاع الأمنية

ويشهد الريف الشرقي لدير الزور الواقع تحت سيطرة مجلس دير الزور العسكري، التابع لقوات سوريا الديمقراطية أوضاعاً أمنية متردية؛ لكثرة التفجيرات والاغتيالات التي تتبناها خلايا تنظيم "الدولة الإسلامية"، الأمر الذي يحد من قدرة المنظمات الدولية والمجالس المحلية في العمل على إعادة الحياة لتلك المناطق.
وتساعد الخلافات العشائرية الداخلية إلى جانب تداخل مصالح الحكومة السورية في المنطقة، وسيطرة القوات المدعومة إيرانياً في الجزء المقابل لمناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، على تسهيل عمل الخلايا.
وتستهدف العمليات التي توصف من قبل الأهالي بـ"الانتقامية" بالدرجة الأولى، مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية وشيوخ العشائر المرتبطين بالمجالس المحلية للإدارة الذاتية الديمقراطية، إلى جانب مقتل العشرات من المدنيين.
وتعتبر مناطق دير الزور الواقعة شرق الفرات ذات بيئة جيدة لنشاط خلايا تنظيم "الدولة الإسلامية"، نظراً لتباعد التجمعات السكنية الكبيرة عن بعضها وكثرة القرى الصغيرة في البادية الواسعة إلى جانب قدرة التنظيم على التغلغل بين الفئات الشعبية، ونشر أفكاره "المتشددة" مما خلق واقعاً مغايراً في المنطقة.
وازداد الاحتقان الشعبي تجاه الإدارة الذاتية، بسبب قلة الخدمات المقدمة لهم، نتيجة ضعف المجالس على تغطية المساحة الواسعة، إلى جانب تضرر البنية التحتية بنسب كبيرة، بالإضافة لخلق حالة دمار بالعديد من المدن والبلدات بعد المعارك العنيفة بين مجلس دير الزور العسكري وتنظيم "الدولة".
يقول عبود خلف الطعمة من أهالي قرية الصبحة القريبة لمدينة البصيرة لـ"نورث برس" بأنه كان يتفاءل بالأمان بعد سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على المنطقة قبل عامين، ولكنه لم يحصل على مبتغاه، ويضيف بأن "الوضع الأمني سيء، رغم تواجد أعداد كبيرة من القوات الأمنية في المنطقة، حيث هناك عمليات سرقة وتشليح إلى جانب الاغتيالات".
ويشير الطعمة إلى أنهم لا يستطيعون الخروج من منازلهم إذ حل الظلام؛ وذلك لتخوفهم من الخروقات الأمنية.
فيما صنف خالد خليل الموزر (46 عاماً) شيخ عشيرة المناصرة الوضع الأمني في دير الزور بـ"الغير مكتمل"، منوهاً لوجود خلايا فعالة لتنظيم "الدولة الإسلامية".
خدمات متواضعة
وقدم مجلس دير الزور المدني المشكل في أيلول/سبتمبر 2017 خدمات متعددة للأهالي، في ظل مطالبتهم بالمزيد لتدارك وضع المدنيين المتدهور بعد خروج تنظيم "الدولة" وانتهاء المعارك التي دامت لعامين.
واتهم العديد من النشطاء المعارضين لقوات سوريا الديمقراطية المجلس المدني بـ"الانحياز" لجهة عشائرية وسياسية معينة دون الالتفات للمطالب الشعبية
فيما قامت اللجان المختصة بالمجلس بإصلاح /40/ محطة مياه على نهر الفرات وافتتاح /25/ بلدية عبر مجالسها الـ/42/  المنتشرة في دير الزور، إلى جانب تصليح العديد من الجسور الزراعية وتعبيد بعض الطرق الرئيسية
ويتلقى المجلس المدني لدير الزور دعماً مباشر من التحالف الدولي، وذلك عبر توفير الأخير الكثير من احتياجات المجلس لإعادة تأهيل المرافق الحيوية في المنطقة، حيث استطاع  تفعيل /475/ مدرسة لأكثر من /185/ ألف تلميذ يدرسهم /5500/ مدرس، حسبما أفاد إداريو المجلس.
انتقادات شعبية
بينما انتقد عبود الطعمة عمل مجلس دير الزور المدني لافتاً إلى أن "الخدمات المقدمة قليلة جداً، وبعض المنظمات تقوم بعمليات توزيع سلال غذائية، لكن كل ذلك لا يتم بالشكل النظامي".
واعتمد الطعمة في انتقاده على مقارنة أجراها بين مناطقهم ومدينة الرقة، معتبراً بأنه هناك فرقاً "شاسعاً"، فحسب قوله يتم توصيل شبكة الكهرباء للمنازل وتعبد الطرقات في الرقة على عكس مناطق دير الزور، التي وصفها بـ"المتضررة" قائلاً "لا تستطيع السيارة السير أكثر 40 كم بالساعة؛ لتردي الطرقات إلى جانب أن محطة المياه الموجودة في الصبحة كان من المقرر أن تزودنا بالمياه بعد وضع آلات جديدة فيها ولكنها توقفت بعد فترة".
وقال الطعمة بأن المنظمات المدنية لم تقدم خدمات جيدة للنازحين والفقراء المتواجدين في المنطقة، مطالباً بتوفير الأمان بالدرجة الأولى وتعبيد الطرقات وتأهيل المدارس ومحطات المياه، مثلما تقوم به في باقي مناطق سيطرتها بشرقي الفرات.
فيما أوضح غسان اليوسف الرئيس المشارك لمجلس دير الزور المدني أنهم يحتاجون لمزيد من الوقت للعمل على ما تم تدميره خلال /8/ سنوات بإمكانياتهم القليلة، على حد وصفه، مشيراً إلى أنهم عملوا على توفير الاحتياجات الأساسية لأهالي الدير.
من جانبه أثنى حمد الشيخ شحادة شيخ عشيرة النعيم في شمال وشرقي سوريا على الخدمات المقدمة من قبل مجلس دير الزور المدني بالريف الغربي لدير الزور، في حين برر سوء الخدمات في الريف الشرقي بمرور /8/ أعوام من المعارك المستمرة فيها، واصفاً تقديم الخدمات لأكثر من مليون ونصف المليون نسمة بالأمر "الصعب".
التظاهرات
وشهدت بلدتي الشحيل والبصيرة في الأشهر الماضية تظاهرات شعبية طالبت بتحسين الأوضاع الخدمية؛ لتتطور المظاهرات عقب تحريض الخلايا النائمة لتنظيم "الدولة الإسلامية" إلى هجمات على المقرات الأمنية في كلتا البلدتين.
وشدد الشيخ حمد شحادة على إن التظاهرات كانت بتوجيه من أجندات خارجية، وروّج لها إعلامياً لتضخيمها، قائلاً بأنها كانت تطالب في نفس الحين بجزء من الحقوق.
ووصف غسان اليوسف مطالب المتظاهرين حينها بالـ"محقة"، كونها كانت تتمثل في منح أبناء دير الزور فرصة للمشاركة بالقرار السياسي في سوريا، وقال "ناقشنا مع المتظاهرين مطالبهم لتحسين الوضع الاقتصادي وتوفير فرص العمل".