الدراما السورية 2019 .. من النخبوية إلى التكرار والإبهار

اللاذقية – عليسة أحمد – NPA
حاولت الدراما السورية هذا العام الصعود إلى الصدارة في العالم العربي، إلا أن بعض النقاد يرون أن ذلك لم يعطها صك التفوق ولم يبشّر بإعادة اعتبارها وتألقها كما تأمل البعض، كما وصفها البعض الآخر بأنها خرجت عن مضمونها في معالجة المشاكل المجتمعية وأصبحت مادة ترفيهية مستهلكة تهدف إلى “الإبهار” فقط.
حرب
“إنها حرب إبهار ..حرب الوصول للنجومية ولو على حساب المضمون وساحة حرب جدارة المخرجين .. هي حرب على كافة الأصعدة” يقولها الناقد السوري محمد عيسى (اسم مستعار)، ويضيف: “ثلاثون يوما من المنافسة والعرض تفتقد فيها القيمة الفنية، تبحث خلالها عن الإنسان فلا تجده”.
ويرى الناقد السوري أن الدراما أصبحت “تكرر نفسها وكأنها لا تريد التجدد ولا حتى الإقرار بعدم القدرة على الإمساك بالمشاهد النخبوي الذي لا يرضيه أي طرح”.
فقد “غاب المواطن بكل أوجاعه وآلامه عن الشاشة كما غابت الأسرة،أعمال تغلب عليها اللغة الشارعية غير المضبوطة ولا المسؤولة”.
ويضيف محمد عيسى: “الأعمال الجيدة قليلة وأضعف حضورها أكثر الترويج المحدود، ومهارة وبراعة الفنان السوري وظفت بغير مكانها وعلى ما يبدو أنه أذعن ورضخ لسطوة ودور رؤوس الأموال والشركات المنتجة”.
ترفيه واستعراض
وانقسمت الآراء في الشارع السوري حول المهمة الوظيفية للدراما، فقد وصفها البعض بأنها أصبحت “فن الترفيه فقط”، فمسلسلات 2019 لم تسلم من آراء النقاد ولا حتى المشاهد العادي .
تقول عبير أحمد، مرشدة الاجتماعية في إحدى المدارس الإعدادية باللاذقية، إن عملها أصبح أكثر صعوبة “بسبب الأنماط السلوكية التي يلتقطها طلابها من شخصيات المسلسلات ويحاكونها بتصرفاتهم  وأحيانا يتماهون معها”. 
أما منى رزق، وهي ربة منزل (36 عاما من اللاذقية)، تقول إنه “على الرغم من كثرتها فأغلبها لم تلب الطلب في معالجة المشاكل الموجودة، واستسهالها كان العنصر المشترك” بين جميع المسلسلات.
محمد عليوي، (28 عام خريج كلية الحقوق من جامعة تشرين)، يشير إلى أن “هموم الشاب السوري غابت تماما عن القصص الدرامية وأن هناك تحريض مبطن نوعا ما على حذو ما تحذوه بعض الشخصيات  لحل مشكلاتنا” ويرى أن “المبالغة بكل شيء بدءا بالديكور وانتهاء بمكياج الممثلين هو دعوة للتقليد نحن غير قادرون على مجاراتها”.
المواطن
الدراما السورية سجلت حضورها لدى المشاهد العربي على مدى سنوات كونها اقتربت ولامست هموم المواطن ومارست دورها بجرأة في تصوير الواقع من جميع الجوانب الحياتية، إلا أنها “غابت هذا العام كمشروع ثقافي فني وغاب عنها المواطن المكلوم من أوجاع الحرب التي تدار في البلاد” حسبما يقول الناقد الفني رضى الأشقر.
ويضيف “ما نراه هو مواطن متخيل يمتلك كل إبهارات الحياة من الأزياء المترفة والديكورات والبيوت الباهظة الترف التي تعكس عقلية مموليها فقط التي هي المشكلة الكبرى والأساسية”.
رأس المال
جولة بسيطة أيضا على وسائل التواصل الاجتماعي وقراءة ما كتبه المشاهد قبل النقاد حول ما عرضته الدراما السوري في رمضان 2019  يؤكد ما يتباحثه النقاد.
يقول أحد النقاد إن “دراما هذا العام تفتقد كتابها وأن معظم الأعمال لهذا العام تطلب منا التعاطف مع المجرم ورجل العصابات”. 
ويتساءل آخر: “هل الإسهاب في التصوير عبر طائرات بدون طيارهو حاجة درامية في تكوين لقطات وزوايا الكاميرا أم مجرد موضة وانعكاس لحال الحرب وأدواتها؟!”.
مفارقات ونقد بالجملة نالتها الدراما هذا العام، فــ”موسم بعد آخر ينكشف النقص المتربع داخل منظومة العمل الفني التي لم تستطع الصمود أمام سطوة رأس المال الذي سبب كارثة تدمير الذائقة وتزوير النجاح واستسهال الكتابة للجمهور الدرامي” حسب الناقد رضى الأشقر. 
سوق محلية
هذا العام شهد أفول كتاب يعتد بهم وبقدرتهم على إنجاح وإنجاز معالجة منطقية بين دفتي الحدث وإنقاذ شخصية متأزمة ضمن العمل بطريقة أخرى غير قتلها و نفتقد حتى الكاتب المخبّئ لرسالة بناءة هادفة بقصته والتي عودتنا عليها درامتنا”.
فــ”كتاب هذا الموسم يفتقرون لمقاييس فهم طبيعة المتلقي وضعف عام في صياغة سيناريو معقول وبناء قصة منطقية والسبب هو استسهال الكتابة واعتبارها صنعة” بحسب النقّاد.
ويؤكد النقّاد أنه “على الرغم من كل ما حصدناه هذا العام من خيبة غير متوقعة لا يجب أن نخسر الأمل لكن يجب البحث بالحلول للخروج بدراما تحترم على الأقل شعار الواقعية الذي رفعته ورفعها والنظر بالتحديات والنهوض لعلاجها”.
ويقول الناقد الفني السوري محمد عيسى “يجب تحرير الدراما السورية من الشركات والمحطات وتوفير سوق محلية قادرة على استيعاب أعمالها، فنسب المشاهدة وأرقامها لم تعد مؤشراً للنجاح والعمل المتكامل”.
(ملاحظة: الأسماء المستخدمة في هذه القصة مستعارة، ولكنها موثقة لدى “نورث برس” في الأرشيف، لم نقم بنشرها الأسماء الحقيقية رغبة من أصحاب تلك الأسماء لأسبابهم الخاصة).