انعقاد أول مؤتمر طبي تخصّصي في القامشلي وسط بنية صحية هشّة

القامشلي – إبراهيم إبراهيمي/عباس علي موسى – NPA
يعدّ القطاع الصحي من أهم القطاعات وأكثرها عرضة للإهمال طيلة عقود، فالبنية التحتية للقطاع يمكن أن يقال عنها انّها هشّة في ظلّ غياب مراكز تخصّصية، وأجهزة متطورة ومشافي ذات تجهيزات طبية متطورة في الشمال السوري.
وما لجوء المرضى صوب دمشق وحلب للاستطباب إلا نتيجة لهذا القصور، ومع أنّ مدن الجزيرة (محافظة الحسكة) شهدت معدلات جامعيين عالية وبخاصة في القطاع الطبي والصحي إلا أنّها في المقابل لم تشهد حركة ونهوضا في مجال المنشآت الصحية.
ويخدّم المحافظة خمسة مشافي عامة أكبرها في مدينة القامشلي بمئتي سرير، وتقدم جلّ خدماتها بشكل مجاني وترعاه وزارة الصحة في الحكومة السورية، إضافة إلى مجموعة مشافي خاصة أكثرها في القامشلي، وتقدر بـ /10/ مشافي خاصة، يُضاف إليها مشفى عسكري يتبع للإدارة الذاتية ومشفى تخصّصي للعين والقلب افتتح مؤخراً.
بنية صحية هشّة
وتفتقد المشافي العامة في منطقة الجزيرة إلى الأجهزة الطبية المتطوّرة الخاصة ببعض الأمراض، فليست هناك مراكز خاصة بالسرطانات مع أنّ المنطقة تشهد ولسنوات عدة أعلى معدّلات إصابة بهذا المرض يُرجعها أخصائيون إلى الحالة البيئية والصحية المتردّية والناتجة عن انتشار النفط في المنطقة، وطرق استخراجه البدائية وشبه البدائية في السنوات الأخيرة والتي تخلّف نفايات وبقايا خطرة على الصحة وبخاصة للسكان المجاورين.
كما أنّ المنطقة تشهد حالات جلطات قلبية عالية، فنسبة الوفيات نتيجة أمراض القلب والجلطات تعد مرتفعة إذا ما قيست بالأمراض الأخرى المميتة فيما عدا حوادث السير وغيرها من الأسباب الخارجية.
ولا يزال المرضى يقصدون مشافي دمشق بقصد الاستطباب بسبب التجهيزات الطبية المتطورة لمشافيها وتواجد مشافي تخصّصية لمختلف الأمراض كمشفى الأطفال ومشفى البيروني وغيرها.
وتضم محافظة دمشق (دون ريفها) /15/  مشفى عاما تتبع لوزارة الصحة ووزارة التعليم العالي وتتسع لحوالي /3613/ سرير، بتعداد سكان يبلغ /1754000/ نسمة حسب إحصائية 2011.
بينما تضمّ محافظة حمص 16// مشفى عاما، ويبلغ تعداد سكانها حسب آخر الإحصائيات /1803000/، إلا أنّ محافظة الحسكة لا تمتلك سوى خمسة مشافي عامة مع أنّ تعداد سكانها يبلغ حوالي /1512000/.
يقول الطبيب حسن أمين الأخصائي بأمراض القلب لـ “نورث برس” إنّ المنطقة ومنذ تأسيس الجمهورية السورية كانت تسمى بالمناطق النائية لذلك كانت مهملة في جميع المجالات ومنها المجال الصحي.
لذا يرى الطبيب أمين أنّ المرضى كانوا يقصدون مشافي دمشق، ليس لقلة أو نقص الخبرة لدى الكادر الطبي “فمعظم أطبائنا من خريجي الجامعات السورية وهم من الأوائل في دراستهم” إلا أنّ الأمر متعلّق بـ”البنية الصحية الهشّة في المنطقة، ويمكن القول بأنّها غير موجودة أصلا”.
ويصف رمضان مجيد أخصائي قثطرة قلبية لـ “نورث برس” القطاع الصحي بـ “الضعيف، فنحن نتحدّث عن مركز تخصّصي وحيد لأمراض وجراحة القلب في كامل منطقة شرق الفرات”.
هيئة الصحة ومديرية الصحة 
وتشهد منطقة الجزيرة منذ سنوات ازدواجية إدارية في مراكز المدن كمدينتي القامشلي والحسكة، التي تنشط فيها مؤسّسات الإدارة الذاتية المعلنة منذ 2014، إضافة إلى مؤسسات الحكومة السورية.
وبالنسبة للقطاع الصحي فإنّ الإدارة الذاتية تدير معظمه في المنطقة، حتى المشفى الوطني في الحسكة تديره هيئة الصحة في الإدارة الذاتية، وإذا ما استثنينا المشفى العام  بالقامشلي الذي لا تزال مديرية الصحة في الحكومة السورية تديره فإنّ المشافي العامة تديرها الإدارة الذاتية.
وليس هناك تنسيق بين المؤسستين إلا في نطاق ضيّق وغير رسمي، وهذا ما ينعكس على القطاع الصحي، وتسعى هيئة الصحة والبيئة إلى ضبطه وذلك بافتتاح عشرات المرافق الصحية وأكاديمية طبية ، إضافة إلى بعض المشافي، ومؤخرا افتتاح مشفى تخصّصي للعين والقلب بالقامشلي.
وشدّدت هيئة الصحة مؤخرا على الأطباء والعاملين في القطاع من مخابر وصيدليات على القيام بالتسجيل لئلا يتعرّضوا للمنع من مزاولة العمل ضمن مناطق الإدارة الذاتية، حيث يقول الطبيب منال محمد الرئيس المشارك لهيئة الصحة والبيئة في الإدارة الذاتية لـ “نورث برس” بأنهم يسعون من خلال إلى إعداد قاعدة بيانات للقيام بخطط مدروسة في القطاع.
وسجّلت الإدارة الذاتية حتى الآن بعد حملة التشديد الأخيرة التي تضمنت إنذارات ومخالفات في حال التخلّف /63/ عيادة طبية و//46 مخبر و26// عيادة سنية و/697/ صيدلية منذ 2017، والتسجيل لا يزال جاريا.
إلا أنّ هذا العدد هو قليل بالنسبة لما هو موجود وخاصة أنّ الإحصائية تشمل محافظة الحسكة بشكل كامل، ويعود الأمر إلى مجموعة أسباب منها الخوف من تبعات قانونية بالنسبة للأطباء المسجلين في نقابة الأطباء أو الصيادلة السورية.
 
أوّل مؤتمر تخصّصي
عقدت هيئة الصحة أمس الجمعة أول مؤتمر تخصّصي على مستوى شمال وشرقي سوريا، ويسجّل هذا المؤتمر التخصّصي ليس كأول مؤتمر على مستوى الإدارة الذاتية وإنما على مستوى محافظة الحسكة ككلّ، حيث لم يعقد فيها هكذا مؤتمر من قبل.
وتسجّل محافظة الحسكة إضافة لدير الزور والرقة حتى اللحظة كمناطق نائية في الحكومة السورية، وتغيب عنها المؤتمرات العلمية وكذلك الأنشطة الثقافية وغيرها لصالح المركز.
وقامت هيئة الصحة والبيئة في الإدارة الذاتية بتنظيم مؤتمر طبي تخصّصي لأمراض وجراحة القلب بمدينة القامشلي بإدارة وإشراف أطباء واختصاصيين محلّيين، إضافة إلى بعض الضيوف من الخارج.
وأوضح الطبيب أحمد يوسف من اللجنة التحضيرية للمؤتمر لـ”نورث برس” بأن أهمية المؤتمر تأتي بعد افتتاح المركز التخصّصي لأمراض وجراحة القلب والعين، مشيراً إلى إنه يهدف للاطلاع العلمي على آخر الإنجازات الطبية في العالم، وكذلك على الصعيد الداخلي المحلّي عبر الإمكانات الموجودة في المنطقة على حد تعبيره.
ويؤكّد الطبيب منال محمد الرئيس المشارك لهيئة الصحة والبيئة لـ”نورث برس” أنّ هذا المؤتمر “هو باكورة الأعمال من الناحية العلمية، وحين نسمّيه بالمؤتمر الأول فهذا يعني حتما أنّه سيعقبه مؤتمرات أخرى”.
وضم المؤتمر مجموعة أطباء أخصائيين في القلب وجراحته، وألقيت بعض المحاضرات العلمية عبر أجهزة الإسقاط، كما ناقشوا المستجدات الطبية في الساحة العلمية.
 
ويرى الطبيب إبراهيم فرحان أخصّائي أمراض القلب أنّ المؤتمر كان ناجحا، ولكونه يعقد للمرة الأولى، يمكن غضّ النظر عن بعض النواقص، ويقول “أنا كطبيب استفدت كثيرا لأنّ المحاضرين أخصائيين ومشهود لهم بالخبرة”.
بينما يعزو الطبيب رمضان مجيد أخصائي أحد المحاضرين في المؤتمر امتناع البعض عن الحضور إلى حالة “التخوّف من حضور مؤتمرات وأنشطة في مناطق الإدارة الذاتية”، بينما وصف المؤتمر بـ”الجيّد” ضمن الإمكانات المتوفرة والمتاحة.
ويشهد القطاع الصحيّ في محافظة الحسكة مجموعة أزمات تتعلّق بمختلف مفاصل القطاع، فالمنشآت والمرافق الصحية لا تزال تحتاج إلى الأجهزة الحديثة والمتطوّرة، يُضاف إليها أنّ الأجهزة العاملة في الأساس تحتاج إلى صيانة وتبديل.
وفي حين تشهد المنطقة معدلات مرتفعة في الجلطات القلبية والسرطانات وأوبئة كالليشمانيا فإنّ عمل القطاع الصحي لا يزال قاصرا عن حجم الحالات التي تعترض المواطنين في المنطقة، إضافة إلى إهمال وانتهاكات جسيمة في البيئة والتي تنعكس بشكل مباشر وكبير على الصحة.
وأخطر تلك الملفات النفايات الطبية التي تتراكم بالأطنان في المكبات، فـ 10% من النفايات الطبية من مجموع النفايات العام يلوّث ما تبقى منها، فتنشر الأمراض، وكأنه قاتل صامت.
وفي التقسيمات الإدارية الجديدة للإدارة الذاتية لشمال وشرقي سورية تم تسمية المؤسسة المعنية بالقطاع الصحي بمسمّى “هيئة الصحة والبيئة” وهي تسمية من شأنها حمل ما لا يحمل.
فالبيئة المتعرّضة لأشد الانتهاكات هي من أهم العوامل في زيادات الأمراض أو تفاقم الموجود منها والتي يُساهم إهمال الإدارة في زيادتها، في مقابل البنية الصحية الهشة التي تحتاج إلى خطوات جبّارة، تحتاج إلى عمل ضخم وميزانيات أضخم وجدول زمني ليس بالقصير.