جامعة روجافا في القامشلي قبلة للبعض ومحط عزوف للآخرين

الحسكة – إبراهيم إبراهيمي/عباس علي موسى – NPA
حقّقت جامعة “روجافا” التي افتتحت عام 2016 ما حلم به الكثيرون، فأهل مدينة القامشلي شهدوا لأول مرة جامعة بينهم، والتي بدأت أولى سنواتها بتدريس الأدب الكردي، والذي عدّ ممنوعا كلغة وممارسة ثقافية لعقود في سوريا.
وقد استطاعت الجامعة استقطاب 252// طالبا في أولى سنوات افتتاحها، ليرتفع إلى /720/ طالبا في العام الدراسي 2018-2017، لتشهد الجامعة /831/ طالبا بواقع /272/ طالبة في العام الدراسي 2019-2018، كما استقطبت مجموعة مدرّسين ومحاضرين بلغ عددهم /150/.
تضم الجامعة سبع كليات، كلية الهندسة الزراعية والفنون الجميلة والأدب الكردي، وعلم المرأة “جنولوجيا” وهندسة البترول وهندسة البتروكيميا والعلوم التربوية، وتشمل سبعة أقسام: (تاريخ – جغرافيا – معلم صف – رياضيات – فيزياء – كيمياء – علوم طبيعية)، يُضاف إليها المعهد الإداري والمالي.
وبينما تتركز الجامعة بجلّ أقسامها في مدينة القامشلي فإن كليتي هندسة البتروكيميا وهندسة البترول تقعان في مدينة رميلان.
تُتخذ القرارات المتعلّقة بالجامعة والطلبة بشكل جماعي من خلال مجلس الإدارة ومجلس الجامعة ومجلس الطلبة ومجلس المرأة، ويخضع الطلاب لنظام التقييم كبديل عن الامتحان الكتابي الذي يحدّد في نهاية كلّ فصل.
وتعتمد الجامعة على اللغتين العربية والكردية، كلغة إدارية في القرارات والتعميمات مع تغليب اللغة العربية في الكثير من التفاصيل، أما المناهج فهي كردية صرفة في كلية الأدب الكردي، وعربية لباقي الكليات، وتعتمد على نظام المحاضرات، بالاستفادة من كتب ومناهج جامعية مختلفة.
أما بالنسبة لكلية الجنولوجيا يقول القائمون عليها بأنّها أول كلية بهذا الاسم على مستوى العالم، والدراسة فيها مخصصة “للإناث فقط” حسب المفاضلة المعلنة من قبل الجامعة. تقول ليلى أحمي وهي إدارية في كلية الجنولوجيا لـ “نورث برس” بأن الجنولوجيا علم جديد سيعملون في المستقبل على إعداد منهاج مناسب له “ونحن الآن نستمد المحاضرات من عدة مصادر, وسيكون المنهاج من مصادر متعددة أيضا”.
والجامعة تقوم بالتدريس في نظام ثلاثة فصول في السنة لتعادل سنتان منها أربعة سنوات، على أن يتم تعديلها لتصبح بنظام فصلين اعتبارا من السنة الدراسية 2019-2020، حيث يقول محمد سليم حسن الرئيس المشارك لكلية العلوم التربوية لـ “نورث برس” بأنه في البداية كان نظام التعليم في جامعة روج افا سنتين, ومقسّمة على ستة فصول, وبعد عقد مؤتمرهم تم الاتفاق على نظام جديد يكون التدريس فيه اربعة سنوات, وكل سنة مقسمة الى فصلين.
وللجامعة وحدة سكنية للطلاب من المدن الأخرى، وتجري عمليات شرح المحاضرات والدروس باللغتين العربية والكردية.
كما افتتح مرحلة التأهيل للدراسات العليا عام 2018، مع تخريج أولى دفعات الأدب الكردي والتي تسبق بدء الدراسة في مرحلة الماجستير والدكتوراه.
صعوبات ومعوّقات
وتواجه جامعة “روجافا” مجموعة صعوبات ومعوّقات، أهمها أنها غير معترف بها في أي دولة أو جامعة أخرى، سواءا في الداخل السوري أو خارجها، إضافة لقلة عدد الكوادر من حملة الشهادات العليا، خاصة شهادات الدكتوراه، يُضاف إليها مستلزمات الجامعة من أداوت ومواد مخبرية ومناهج خاصة بالجامعة.
تقول روهان مصطفى، الرئيسة المشاركة لجامعة روجافا لـ”نورث برس” بأنه على الرغم من قدرتهم على تأمين الكادر لدرجة ما، إلا أنهم يجدون صعوبة في تأمين المدرسين والمحاضرين المختصّين، وتعزو مصطفى السبب الأبرز في هذا النقص لحالة الحرب وخروج الأكاديميين إلى خارج البلاد.
وتكمن الصعوبة الأهم في قضية الاعتراف بجامعة “روجافا” كمؤسسة أكاديمية، ومع أنّ روهان مصطفى تؤكد أنّهم بحاجة إلى الاعتراف الذاتي لتجاوز العقبات، ونسيان أمر الخارج وقضية الاعتراف، إلا أنّها تستدرك قائلة: “نحن بحاجة إلى الاعترافات، وإلا فإننا سنكذب على أنفسنا، فالجامعة التي لا تستطيع إقامة علاقات مع جامعات أخرى لا تستطيع تطوير نفسها”، ويعود السبب الأساسي بحسب مصطفى إلى الاعتراف السياسي ككلّ بالإدارة الذاتية.
ومع أنّ الجامعة قد حاولت عقد مذكرات تفاهم مع جامعات أخرى، إلا أنّها لم تنجح في ذلك، حتى الآن، ومع أنّه يجري الحديث حول زيارة متبادلة لجامعات في إقليم كردستان العراق، وجامعات أوربية تم المراسلة معها، إلا أنّه لا شيء يلوح في الأفق، وخاصة على المستوى الرسمي.
الاختيار الصعب
يُعدّ اختيار الدراسة في الجامعة الجديدة ضربا من المغامرة لكثير من الطلاب، إلا أنّها تمثّل فرصة أخرى لآخرين لا يستطيعون إيجاد بديل أفضل في الجامعات الأخرى.
وهناك في منطقة الجزيرة (محافظة الحسكة) جامعتان خاصة وعامة، والجامعة العامة هي جامعة الفرات الثانية والتي تتبع للتعليم العالي للحكومة السورية، وجامعة قرطبة الخاصة، والتي تعتمد على نظام الرسوم الباهظة نسبيا.
ويرى البعض فيها حلما تحقّق في أن يدرس في جامعة “كردية”، تقول ميديا زيدان من مدينة المالكية/ ديرك لـ”نورث برس”: “أهلتني علاماتي لأدرس كلية التجارة والاقتصاد في جامعات الحسكة، لكنّني سجلت كلية الزراعة هنا، لأنني أفضل أن أدرس في جامعة كردية”.
لكن الاختيار يكون ضمن حسابات أخرى أيضا، فهناك من لا يستطيع الدراسة في الجامعات الأخرى سواءاً تلك التي في مدينة الحسكة، أو الجامعة الخاصة الوحيدة في القامشلي، أو في جامعات الحكومة السورية في المحافظات الأخرى، وترتبط الصعوبات بحالة عدم الاستقرار والأوضاع الأمنية التي تمرّ بها سوريا بشكل عام، إضافة إلى التكاليف الباهظة للسفر والإقامة في المحافظات الأخرى، أو حتى الإقامة في مدينة كالحسكة والتي تستدعي مصاريف إضافية.
تقول نورمان فصيح حسو طالبة من مدينة عامودا في كلية الفنون الجميلة بجامعة روجافا، لـ”نورث برس”: “سجلت في كلية الفنون الجميلة لأنّها رغبتي، ولأنّها قريبة من بيتي” على أن علاماتها كانت قد أهّلتها لتدرس كلية الحقوق في جامعة تشرين بمدينة اللاذقية، إلا أنّها لم تذهب لبعدها عن مدينتها.
إلا أنّ التكلّف بأعباء مادية إضافية بغرض إتمام الدراسة في الجامعات الأخرى لا يزال خياراً لشريحة من الطلاب، الذين يرون أنّ قضية الاعتراف بالجامعة أساسية بالنسبة إليهم.
يقول شفان إبراهيم، كاتب وحاصل على ماجستير في الفلسفة السياسية، لـ”نورث برس”: “هناك من يتكلف أكثر من/3/ آلاف دولار ما بين رسوم ومصاريف جامعة قرطبة الخاصة, ويسجل بإقليم كردستان أو الفرات، ولا يسجل بجامعة تبعد عن منزله بضع خطوات”، والسبب الأبرز بحسب إبراهيم يعود إلى عدم الاعتراف بالجامعة.
 
ونظام التقييم بديلا عن الامتحان يمنح المدرّسين والمحاضرين سلطات أوسع على الطلاب، حيث يكون تقييم الطالب رهن رؤية الكادر التدريسي، دون أن يكون هناك امتحان فاصل يقلّل من حدة هذه الرؤية.
لوند يوسف، أحد الطلاب الذين درسوا في كلية الهندسة التقنية في حلب ولم يستطع إكمال الدراسة بسبب الأوضاع الأمنية، ولعدم وجود بديل لهذه الكلية في المحافظات الأخرى، لم يكمل دراسته، وحين افتتحت جامعة روجافا سجل في كلية الأدب الكردي في الدفعة الأولى، ودرس لمدة سنتين، وقبل أن ينهي دراسته بفصل واحد ترك الدراسة، يقول لـ”نورث برس”: “تعامل المدرّسين أحيانا كان على أساس شخصي؛ وبالتالي كان هذا مؤثرا في منح العلامات”.
 
ويرى لوند أنّ أحد مساوئ الجامعة كانت في تحقيق نسبة الدوام العالية، والتي يُطالب بتحقيقها فحتى “لو حقّقت في مادة من المواد درجات عالية، وكان لديك تغيّب فإنك لن تستطيع رفع المادة، وهذه تعتبر كارثة وليس مجرّد عائق.”
من جهتها ترى زوزان بركو، إحدى خريجات الدفعة الأولى لجامعة روجافا في كلية الأدب الكردي، أنّها غُبنت في دراستها، فعلى الرغم من اختيارها ضمن العشرة الأوائل في قسمها، إلا أنّها لم تُقبل لإكمال الدراسات العليا، فتقول لـ”نورث برس”: “لم يختاروا العشر الأوائل لإكمال الدراسات العليا مع أن المعتمد في كلّ الجامعات اختيارهم”.
عزوف الأكاديميين والطلاب
في السنوات التي سبقت العام 2011 كانت نسبة الطلبة الجامعيين من الجزيرة (محافظة الحسكة) عالية، وتقدّر بالألوف، ومع افتتاح جامعة الفرات فرعا لها بمدينة الحسكة أيضا أمّها آلاف الطلاب، ومع أنّها كانت تفتقد إلى بنية تحتية قوية إلا أنّ الإقبال كان كبيرا عليها.
وبسبب الظروف الأمنية والصراع في سوريا اضطر الكثيرون إلى ترك مقاعد الدراسة الجامعية، إلا أنّ مؤشر أعداد الطلاب بجامعة روجافا يُظهر أنّ عددا قليلا قد اختار الدراسة فيها، فإذا علمنا أنّ جامعة روجافا تقدّم الدراسة بشكل مجاني، ولا تشترط شرط العمر في قبول الطلاب، وتؤمن السكن للطلاب من خارج المدينة، فإنّ العدد الذي اختارها كبديل أو كخيار بعد الحصول على الثانوية يعدّ قليلا جدا.
ويعدّ عدم الاعتراف الرسمي بجامعة روجافا من أي حكومة أو جامعة دولية أو إقليمية أحد الأسباب الرئيسة للجوء الطلاب إما إلى التسجيل في جامعة الفرات أو جامعة قرطبة الخاصة، أو الجلوس في المنزل.
يقول لوند يوسف لـ “نورث برس”: “إضافة إلى قضية عدم الاعتراف بالجامعة، أيضا هناك عدم وجود كادر تدريسي مختصّ في كلّ مجال”، ويضرب مثالا حول حاملي شهادات معاهد لا تخوّلهم للقيام بالتدريس بالجامعة، إلا أنّهم يدرسون في الجامعة.
بينما ينتقد شفان إبراهيم جامعة روجافا واكتفائها بالاسم فقط، قائلاً: “الاكتفاء بوجود هيكل فقط وعدم وجود مضمون هذه إشكالية كبيرة، فهذه الجامعة تفتقر إلى الكادر التدريسي، إذ ليس من المنطقي أن يكون هناك شخص حاصل على درجة علمية أقل من الماجستير ويقوم بالتدريس”.
يُضيف إبراهيم أنّه وكشرط لافتتاح أي قسم أكاديمي ينبغي أن يكون في كادره التدريسي على الأقل “اثنان من حملة شهادات الدكتوراه وثلاثة من حملة شهادات الماجستير، ليكون الفرع نظاميا” ويعقب إبراهيم “ما نشاهده في جامعة روجافا ليس بهذا الشكل”.
ويرى شفان إبراهيم أنّ هناك عددا من حملة شهادات الدكتوراه والماجستير يعزفون عن التدريس في جامعة روجافا لأسباب عديدة، يعزيها إلى نظام الجامعة والتي تحمل طابعا أيديولوجيا، مؤكداً أنّ هذا (واضح ولا يحتاج لأمثلة كثيرة).
وفي حين يرى الكثيرون في جامعة روجافا نواقص عدة تخوّلها أن تكون بعيدة عن المضمار الأكاديمي، يرى القائمون عليها بأنها خطوة جبّارة، مراهنين على الوقت في إثبات عكس توقّعات المتشائمين والمنتقدين.