محصول مزارعي الجزيرة السورية بين ناري تسعيرتين
القامشلي – إبراهيم إبراهيمي/عباس علي موسى – NPA
يتوقّع أن يصل إنتاج محافظة الحسكة من الشعير لهذا الموسم حوالي //1250000 طن من الشعير، وكمية أقل من القمح قد تصل إلى /800/ ألف طن، وذلك في المساحات المزروعة المروية والبعلية، وذلك بحسب تقارير زراعية صادرة عن الإدارة الذاتية، ويتأمل الفلاحون إنتاجا جيّدا من محصولاتهم بعد هطولات مطرية غزيرة قياسية منذ أكثر من عقدين.
إلا أنّ الأمر لم ينته بعد، فهناك صعوبات كثيرة تعترض المزارعين، عدا التخوّف من الجفاف كما في السنوات الماضية، فالمزارعون يتخوّفون من عمليات الشراء التي أعلنت فيها الحكومة السورية والإدارة الذاتية عن نيتهما شراء المحاصيل بأسعار متفاوتة، فبينما تم تحديد سعر الشراء لدى الحكومة للقمح بـ/185/ ل.س، والشعير بـ/135/ ل.س، حدّدت الإدارة الذاتية تسعيرة أقل منها بخمسة وثلاثين ليرة سورية لكلا المحصولين.
استياء وحيرة
ينتظر المزارعون بفارغ الصبر محاصيلهم التي انتظروها طيلة أشهر، وسط مخاوف من حدوث ما ينغّص عليهم فرحتهم بموسم يأملون أن يكون جيّدا، ليعوّضوا خسائر سنوات جفاف متكرّرة، وبعد أن تجاوزوا عتبة الخوف من الأحوال الجوية، أصبحوا يخافون من أمور أخرى متعلّقة ببيع محاصيلهم بالسرعة المطلوبة.
وأثار قرار الإدارة الذاتية بتحديد أسعار شراء القمح والشعير بمبلغ أقلّ من السعر الذي حددته الحكومة السورية استياءا شعبيا واسعا، ومع أنّ هذا الاستياء يعني فيما يعنيه أنّ الكثير من الفلاحين كانوا ينوون بيع محاصيلهم إلى الإدارة الذاتية إلا أنّها تعني في اتجاه آخر، أنّ فيه إجحافا بحقّ المزارعين.
يقول أحمد (40عاما) من ريف القامشلي لـ “نورث برس” وعلامات اليأس تبدو في وجهه “تسعيرة الإدارة الذاتية غير مقبولة، وسيئة لأنّ الفرق بينها وبين تسعيرة الدولة 35 ل.س”.
ويرغب الكثير من المزارعين ممن يدينون للمصرف الزراعي بأثمان قروض وما شابه أن يتجنّبوا توريدها للحكومة السورية، لئلا يضطروا إلى اقتطاع هذه الديون من أثمان محاصيلهم، وبالتالي فهم يودون توريدها عبر الإدارة الذاتية.
يؤكد أحمد أنّهم مضطرون لبيعها فور الحصاد؛ لأنّهم يدينون بمبالغ لتسهيل معيشتهم، حيث يقول “إذا قمنا بتوريد محاصيلنا للدولة لا نستفيد منها، وذلك لأننا مدينون للدولة بثمن البذار وما شابه”.
ويشكو بعض المزارعين من غلاء سعر التكلفة التي تكبدوها في محاصيلهم حتى اللحظة، وبعملية حسابية يجدون أنّهم مغبونون، وبخاصة إذا ما كانت الأسعار المعلنة من قبل الإدارة الذاتية نهائية وغير قابلة للتعديل، ويُجري عبد المجيد (50 عاما) من ريف القامشلي عملية حسابية لمحصوله، ويقول لـ “نورث برس” “أنا أملك /16/ هكتارا، تكلّفت بمبلغ 650// ألف للبذار، و/15/ ألفا للسيّارة والعمال، ودفعت مبلغ /120/ ألفا للجرارة، ومبلغ /48/ ألفا للديسك”، هذه المصاريف هي ما قبل الحصاد، يُضاف إليها مصاريف أخرى أثناء وبعد الحصاد تتمثّل بثمن الأكياس والحصادة، يقول عبد المجيد “يلزمني حوالي 350// كيس خيش بقصد التوريد إلى الحكومة بقيمة /800/ ل.س(دولار وعشرين سنت) للكيس الواحد، وثمن الحصاد هو 6% من المحصول”.
يؤكّد عبد المجيد أخيرا أنّه بالطبع سيختار التوريد إلى الحكومة، لأنّها ستقدّم سعرا أفضل، وأنا مثلي مثل غيري أحسب الربح والخسارة، فلست مضطرا لخسارة /35/ ألف ليرة سورية على الطن الواحد.
تحت رحمة التجّار
بينما تنتاب الحيرة واليأس معظم المزارعين، فإنّ البعض الآخر يرى نفسه بين فكّي التجار الذين يراقبون عن بعد مشهد المزارعين بعد صدور التسعيرة من جهة الحكومة ومن جهة الإدارة الذاتية، وذلك أنّهم سيتحرّكون بهامش ربح عال، فبعد تحديد تسعيرة الإدارة الذاتية للشعير بمبلغ /100/ ل.س للكيلوغرام الواحد، ينتهز التجّار الفرصة لشراء محصول الشعير بمبلغ 70// إلى /80/ ليرة سورية.
ويضطر بعض الفلاحين الذين لا يستطيعون الانتظار لشهر على الأقل للحصول على أثمان محاصيلهم، حيث يطلب منهم التزامات مادية عاجلة، لبيعه للتجّار، بسعر يتراوح بين /70/ إلى /80/ ليرة سورية.
يقول محمد عبد الله (40 عاما) من ريف القامشلي لـ “نورث برس” بأن لديه التزامات مادية كثيرة، ولا يستطيع بيعه للحكومة لوجود ديون عليه للمصرف، قائلاً: “لن أبيع للإدارة الذاتية لأنّني لا أستطيع الانتظار حتى يتم صرف مستحقات المحصول، لذا سأضطر للبيع إلى التجّار بالسعر الذي يرغبونه”.
ويأسى عبد الله لهذا الوضع، فيؤكّد بقوله “إننا خاسرون بكافة الأحوال” حيث وضع عبد الله حوالي //300 ألف ليرة سورية(525 دولار) مصاريفا للهكتار الواحد.
والتاجر هو الرابح بكافة التقلّبات والأحوال، فيقول قصي أبو محمد تاجر من ريف القامشلي “التاجر رابح بكافة الأحوال” ويستطرد “إنّ حركة شراء محصول الشعير توقّف بعد تحديد التسعيرة من قبل الإدارة الذاتية” حيث يتوقّع التجّار أن يدفعوا سعرا أقلّ من //70 ليرة سورية أيضاً.
ويأمل التجار أن يشتروا كميات كبيرة من المحاصيل ليوردوها فيما بعد إلى الحكومة، ما يجعل هامش الربح عاليا يصل إلى /60/ ليرة سورية.
قرار صائب
ارتفعت حدة الانتقادات والاستياء من قبل المزارعين ومواطني مناطق الإدارة الذاتية، بعد تحديد التسعيرة النهائية لشراء المحاصيل، ويحاول المسؤولون في الإدارة الذاتية التخفيف من حدة الشارع.
والتقت “نورث برس” بأحمد سليمان (الإدارة المشتركة للزراعة والثروة الحيوانية) في الإدارة الذاتية، متحدثاً عن تحديد التسعيرة بأنّ “القرار تم اتخاذه بعد المناقشة مع الإدارة الذاتية والجهات المعنية واتحاد الفلاحين”. وتوقّع سليمان بأن لا تلتزم الحكومة بالتسعيرة المعلنة، وخاصة أنّ القمح لم يتم حصاده بعد.

أحمد سليمان الإدارة المشتركة للزراعة والثروة الحيوانية
ويؤكّد أحمد سليمان أنّهم قاموا بشراء محصول القمح في الموسم الماضي بـ /170/ ل.س وبلغت تكلفة غربلته وتعقيمه /190/ ل.س ليبيعوه للمزارعين بسعر /160/ بخسارة بلغت /30/ ل.س للكيلو الواحد.
ولا تشترط الإدارة الذاتية على المزارعين الكثير من الشروط لتوريد محاصيلهم، ويكتفون بزيارة اللجنة الزراعية التي قدم إليها المزارع طلبه، وحتى غير المرخّص يحصل على منشأ زراعي من اللجان الزراعية من أقرب مركز شراء قمح إليه.
ويبدو أنّه لا الإدارة الذاتية قادرة أو راغبة على شراء كامل الإنتاج العالي لموسم العام ولا الحكومة السورية كذلك أيضاً.
وتبدو ملامح الاستياء بادية على المزارعين من تفاوت تسعيرة شراء المحاصيل بمبلغ كبير، هو /35/ ألف ليرة سورية للطن الواحد، فيما التجّار يأملون في الحصول على أرباح إضافية مستغلين الفارق الكبير بين الحكومة والإدارة الذاتية.