مزارعون في شمالي سوريا يتخوفون من امتناع الإدارة الذاتية شراء محصولهم وتركهم تحت رحمة التجار
الحسكة – حسن عبدالله – NPA
يستقبل المزارعون في منطقة سري كانيه/رأس العين موسم حصاد المحاصيل الشتوية لهذا العام بلهفة، كون الهطولات المطرية كانت غزيرة وغير مسبوقة الأمر الذي أدى لموسم حصاد وفير هذا العام، حسبما يقولون، في وقت يتخوف المزارعون ذاتهم من امتناع الإدارة الذاتية شراء محصولهم ما يتركهم تحت رحمة التجار وعرضة للاستغلال، إذ أن الإدارة الذاتية في المنطقة لم تصدر بعد قرارا تؤكد فيه شراء كامل محصول الشعير من المزارعين.
وفرة الانتاج
على مد البصر، تتوزع مساحات شاسعة من حقول القمح والشعير، بعد سنوات من الجفاف، فبالكاد كان الإنتاج يكفي لتغطية التكاليف المرتفعة للزراعة بالأعوام الماضية.
حيث يُعتبر القمح والشعير محصولين شتويين رئيسيين يعتمد عليهما المزارعون في معيشتهم، ويعد محصولهما المورد الرئيسي لدخل معظم سكان المنطقة بالإضافة إلى البقول والتوابل.
ويصل معدل إنتاج محافظة الحسكة من القمح إلى واحد مليون طن، بينما يزيد إنتاجها من الشعير عن ذلك .
حسين محمد خله، مزارع وصاحب حصادة من قرية تل دياب التابعة لمدينة سري كانيه/رأس العين، يقول أنهم بدأوا بحصاد الشعير، حيث ينتج الهكتار الواحد ما بين /25/ إلى /45/ كيس، وأحيانا إلى أكثر من /50/ كيس، وهو ضعف معدل إنتاج المحصول البعلي في السنوات الماضية.

حسين محمد خله مزارع و صاحب حصادة من قرية تل دياب التابعة لمدينة سري كانيه
ويعبر علي عواد مطر من أهالي قرية خربة السودا، عن تفاؤله بموسم الحصاد لهذا العام قائلاً “منذ أكثر من 15 عاماً لم نحصل على إنتاج محصول شتوي بهذا الكم، فينتج الهكتار الواحد ما أنتجته كامل قطعة ارضي البالغ مساحتها /10/ هكتار في السنوات الماضية .”

علي عواد مطر من سكان قرية خربة السودا
انخفاض سعر المحصول
بيد أن وفرة الإنتاج تؤثر على سعر المحصول بشكل سلبي إذ أن ظهور بوادر وفرة الإنتاج، خفّض سعر كيس الشعير الواحد من /25/ ألف ليرة سورية (50 دولار)، خلال فترة البزار في السوق المحلي إلى/8/ آلاف ليرة سورية (16 دولار) وهو ثلث السعر السابق، الأمر الذي يسبب خسارة فادحة للفلاحين بالرغم من أن استلام المحصول سيتم من قبل الإدارة الذاتية والحكومة السورية على حد سواء.
فقد اصدرت الحكومة السورية تسعيرة استلامه لكمية محدودة من المحاصيل بسعر /130/ ليرة سورية للكيلوغرام الواحد من الشعير، و/185/ ليرة للقمح، ويتم استلامها في مراكز محددة في مناطق خاضعة لسيطرتها، بينما لم تعلن الإدارة الذاتية حتى الآن عن تسعيرة المحصول ولا عن الكمية التي ستسلمها من الفلاحين، على الرغم من أن اغلب مراكز الحبوب هي تحت سيطرتها.
ويتوقع الرئيس المشارك للجنة الزراعة في مدينة سري كانيه/رأس العين سوزدار برو، أن تصدر التسعيرة النهائية للقمح خلال أيام قليلة، بينما يؤكد على أنهم قد لا يكونون قادرين على استلام كامل محصول الشعير من الفلاحين حتى الآن.

سوزدار برو الرئيس المشترك للجنة الزراع في سري كانيه
ويتوقع برو أن يصل إنتاج القمح إلى أكثر من واحد مليون طن في كامل محافظة الحسكة، وقد قررت الإدارة الذاتية شراء نصف الكمية حتى الآن، بينما يزيد إنتاج الشعير على واحد ونصف مليون طن، ولم يحدد كمية الشعير الذي ينوون شراءه بعد.
وبحسب برو أنهم سيستقبلون محصول القمح في مركزي السفح، ومبروكة بينما العمل جار على تجهيز مركز العالية.
معوقات الزراعة
ويشتكي المزارعون في سري كانيه/رأس العين منذ بداية الأزمة السورية من صعوبات عدة تواجههم في الزراعة، بدءً من صعوبة توفير مستلزمات الزراعة من أسمدة وبذار، وقطع التبديل، والوقود إلى غلاء أسعار هذه المواد، وقلة معدلات الأمطار في السنوات الماضية، بالإضافة إلى قلة الدعم، وصعوبة تصريف المحصول، وانخفاض سعره مقارنة بالتكاليف العالية للزراعة.
ويشير بدر الدين حاج رشيد، مزارع وتاجر محاصيل زراعية من سكان المدينة إلى أن “السعر المنخفض للمحصول مقابل التكلفة العالية للزراعة والتي تتراوح ما بين/10/ إلى /20/ ألف ليرة سورية (35-18 دولار) للدونم الواحد، قد تدفع المزارعين إلى الكف عن زراعة المحصولين الاستراتيجيين والبحث عن محاصيل بديلة .”
على الرغم من اشتراط كلا الجهتين الحاكمتين في المنطقة الإدارة الذاتية والحكومة السورية في استلام المحصول من المزارعين، أن يكون معبأ في أكياس خيش، ولن يستلموا المحصول المعبأ في أكياس نايلون، إلا أنه لم يوفروا الأكياس بالكمية والسعر المطلوبين حتى الآن.
و يتراوح سعر كيس الخيش الواحد ما بين /300/ إلى /550/ ليرة سورية للكيس الواحد، بينما سعر كيس النايلون ما بين /100/ إلى /120/ ليرة سورية للكيس الواحد وحسب الجودة.
استلام المحصول
كما يتخوف المزارعون من أن تمتنع الإدارة الذاتية عن استلام محصول الشعير منهم، حيث يحتل الشعير المساحة الأكبر من الأرض بحسب لجنة الزراعة في مدينة سري كانيه/رأس العين ، اذ دفعت المعدلات المنخفضة للأمطار خلال السنوات الماضية بالمزارعين الى توسيع مساحة زراعة الشعير على حساب القمح الذي يتطلب مياه، وأسمدة، ومكافحة أعشاب أكثر من الشعير، الأمر الذي يعني تكاليف أكثر لزراعة القمح وخسائر اكبر في حال فشل الموسم الزراعي.
ويعتقد المزارعون أن المحصول سيزيد عن حاجة السوق المحلية هذا العام، لكن وعدم وجود طرق أخرى لصرف المحصول أو تصديره قد يُتركهم تحت رحمة التجار.
ويشتكي المزارع صالح البلو من قلة الدعم المقدم للمزارعين والقطاع الزراعي من قبل الإدارة الذاتية، ويؤكد بلو بأنه لن يبيع محصول الشعير الخاص به بالأسعار المعروضة حاليا في الأسواق، والتي تقدر ما بين /80/ إلى /100/ ليرة سورية للكيس الواحد، وسينتظر إلى أن تستلمه الإدارة الذاتية أو الحكومة السورية، إذ أن مردود بيع المحصول هو مورده الوحيد ليعيل أسرته المكونة من خمسة أشخاص.

صالح البلو مزارع من
ولم تصدر الإدارة الذاتية بعد قراراً باستعدادها لاستقبال كامل محصول الشعير حتى الآن، بينما يوجد مركزين خاصين بالحكومة السورية لشراء المحاصيل في مدينتي القامشلي والحسكة فقط، ولا وجود لمراكز شراء المحصول خاصة بالحكومة السورية في منطقة سري كانيه/رأس العين.
وقد سعرت الإدارة الذاتية المقابل النقدي لتكلفة عملية الحصاد بـ 1500// ليرة سورية للدونم البعلي أو4% من الإنتاج، وألفي ليرة سورية للدونم المروي أو 5% من الإنتاج، تُدفع مقابل عملية الحصاد، على أن يتم إعطاء أصحاب الحصادات قسائم للتزويد بمادة المازوت بمعدل /15/ طن للحصادة الواحدة على مدار موسم الحصاد يستلمونها على دفعات وذلك تسهيلا لعملية الحصاد.
وعلى الرغم من المعدلات المرتفعة للأمطار التي أدت إلى نجاح زراعة محصولي القمح والشعير هذا العام إلا أن الموسم الزراعي لم يمضِ دون مشاكل، حيث أصيب الكثير من حقول بمرضي الصدأ الأصفر والتبقع السبتوري، وهما شكلين من أشكال التعفن تصيب المحاصيل نتيجة الرطوبة الزائدة.
كما إن عدم صدور قرار باستلام كامل محصول الشعير من الفلاحين من قبل الإدارة الذاتية قد يخيب آمال الكثير منهم بعد أن تجاوز محصولهم مراحل الزراعة الأكثر صعوبة، وقد لا يحصل معظمهم على سعر عادل لإنتاجهم الثانوي هذا العام ويبقون عرضة لانتهاز التجار.