تجربة التعليم في الإدارة الذاتية .. تقييم بديل للامتحان يحدد مصير آلاف الطلاب
القامشلي/ إبراهيم إبراهيمي – عباس علي موسى NPA
منذ بداية العام الدراسي 2015- 2016 بدأت الإدارة الذاتية الديمقراطية بفرض مناهجها التعليمية، حيث طبقتها بداية على الصفوف الدراسية من الاول وحتى الثالث، لتقوم بعد ذلك تباعا بتطبيق مناهجها على صفوف دراسية أخرى وصلت مع العام الدراسي 2018 – 2019 إلى الصف الحادي عشر، ويتم التحضير لإدخالها على الثالث الثانوي في العام 2020-2021، وهذه المناهج لا تقتصر على التعليم باللغة الكردية فقط، وإنما أعدت مناهج في السريانية والعربية أيضاً.
وتعتمد المناهج أسلوباً مختلفاً عما هو متبع في النظام التعليمي الحكومي في سوريا في تقويم التلاميذ، ففي حين يجري تقويم التلاميذ والطلاب ومنذ عقود في النظام التعليمي بسوريا على أساس امتحانات نصفية ونهائية، يمنح بعدها شهادة تخوّله للانتقال من صف لآخر أو الرسوب والبقاء في صفّه، عمدت هيئة التربية والتعليم في الإدارة الذاتية الديمقراطية (وهي الهيئة المخوّلة بتنظيم أمور التعليم والمدارس، وتتبع لها عشرات المديريات الإدارية والتعليمية) إلى تطبيق نظام تقويمي جديد، يعتمد على التقييم بديلا عن الامتحانات.
تقويم التلاميذ والطلاب
يعتمد نظام تقويم التلاميذ والطلاب في العملية التعليمية في مدارس الإدارة الذاتية على التقييم بدلاً عن الامتحان، فينتقل التلميذ من صف إلى آخر دون أن يخضع لامتحانات نصفية أو نهائية، وهذا التقييم يعتمد على جملة من الأمور، يتم تدوينها في دفتر تقييم الطالب من قبل المدرّسين، فهناك مذاكرات كتابية وشفهية، إضافة إلى عملية تقييم سلوكية صارمة مكوّنة من /13/ نقطة تلخّص سلوك التلميذ في المدرسة.
تقول سميرة حاج علي (الرئيسة المشاركة للتربية والتعليم في إقليم الجزيرة) لـ”نورث برس” بأن نظام التقييم هو نموذج جديد للطلاّب وهو أفضل من الامتحانات وحفظ الدروس، حيث ترى حاج علي أنّ تقييم التلميذ منذ بداية دخوله في الصف الدراسي أكثر جدوى، بحيث لا يظلم في نظام امتحانيّ قد لا تتجاوز أسبوعين على الأكثر.
وفي الجلاء المدرسيّ للمرحلة الابتدائية تقسّم السنة الدراسية بحسب نظام التقييم إلى فصلين، وكلّ فصل يقسّم إلى تقييم درجات المواد المدرسية المختلفة، تزداد في كلّ سنة دراسية عن سابقتها، وإلى تقييم سلوك التلميذ، والمكوّن من /13/ نقطة، تركز على سلوك التلميذ في المدرسة وفي الصف وتعامله مع المحيط.
يقسّم الفصل الدراسي إلى ثلاث مراحل، يجري في كلّ منها تقويم أداء التلميذ في المواد الدراسية بثلاث نقاط، تتمثّل في المذاكرات الشفهية والكتابية ومشاركته في الحصة الدراسية.
ويتم تجميع النتائج في المراحل الثلاث بالنسبة العشرية، ليتم تقسيمها على /30/ ليخرج الناتج العشري.
وأما بالنسبة لتقويم السلوك فهي مكوّنة من /13/ نقطة، ونتائجها أيضا عشرية ومن ثلاث مراحل تمثل كلّ مرحلة شهرا، ويجري تقسيمها أيضا على /3/ لتخرج النسبة العشرية، وفي النهاية يتم تقسيم ناتج العلامات الدراسيّة وعلامات السلوك على اثنين ليخرج الناتج النهائي للتلميذ.
وتقول مروة عثمان لـ”نورث برس” وهي معلّمة في إحدى مدارس الإدارة الذاتية “صحيح أنّه لا يوجد لدينا امتحانات إلا أننا نتابع التلميذ ودراسته بحالة تشبه الاستنفار” حيث المذاكرات الشفهية والكتابية وإشراك التلميذ في القاعة الصفية.
يعترف كوران شاكر الرئيس المشارك لإدارة المدارس في مقاطعة قامشلو (تقسيم إداري يضم مدينة القامشلي وصولاً للمالكية) أنّهم وجدوا صعوبة بالغة في البداية من جهة التلاميذ والطلاّب وذويهم بفكرة التقييم بديلاً عن الامتحان، وكتدبير لهذه الصعوبة يقول شاكر لـ”نورث برس” في “البداية قمنا بشرح عملية التقييم للطلاب، وفي المستوى الثاني كان علينا إجراء اجتماعات لذويهم في المدارس، ومن ثم زيارات الأهالي، عبر اجتماعات لجان الأحياء/الكومينات”.
ومع أنّ أسلوب التقييم متبع في الكثير من دول العالم المتقدّم، ويجدونها طريقة ناجحة في العملية التعليمية، إلا أنّ تجربة الإدارة الذاتية في عملية التقييم تبدو مرهونة بأسئلة واستفسارات حول قدرة مدارسها وكوادرها على تنفيذ هذا الأسلوب بالجودة ذاتها.
وعن تجربة الإدارة الذاتية في تبنّي التقييم أسلوباً وطريقة في المدارس يقول إبراهيم خليل (كاتب وباحث) لـ “نورث برس” إن الاستغناء عن عملية الامتحانات هي عملية مبكرة، ومع أنّ خليل يرى عملية التقييم إيجابية و”رائعة” إلا أنّه يستطرد ويقول “الرائع يأتي في وقته” ويعزو الأمر إلى أسباب عدة من أبرزها “أنّ التطور العام في المنطقة غير متناسب ولا مشابه للتطور الذي حدث في أوربا من ناحية الانفجار العلمي والثورة المعلوماتية”.
تقويم السلوك
ويعتمد تقييم السلوك على متابعة ومراقبة سلوك وأداء التلاميذ والطلاب في نقاط عدة تمثّل ثلاثة عشرة نقطة، وتأخذ موقعا مهما في الجلاء المدرسي حيث تتقاسم العلامات مع المواد الدراسية.
تقول مروة عثمان إننا “نهتم لأمر الأخلاق حتى أكثر من التعليم لأنّها الأساس، فمتى ما كانت الأخلاق جيدة، كان الأداء في الدراسة أيضا أفضل”.
ويقوم المعلمون والمدرسون بشكل رئيسي بتقييم أداء طلاّبهم من خلال ملئ دفتر التقييم لتنقل بعدها إلى الجلاء المدرسي، وفي أحيان استثنائية يلجأ المدرسون إلى الإدارة حين يعترض ذوو الطلاب.
وكإجراء احترازي لعدم ظلم الطالب في عمليات التقييم من قبل المدرّسين تقوم المدارس بإجراء اجتماعات نصف شهرية إلى شهرية للطلاّب ولذويهم، وأيضاً بزيارات متقطّعة لذويهم بحسب مديرة مدرسة اللواء بالقامشلي غادة عبد القادر.
وتتضمن اجتماعات الطلبة بحسب عبد القادر على مناقشتهم لكيفية تعامل المدرّسين معهم، وعادة ما يصرحون بمشكلات حصلت بينهم وبين الكادر التدريسي.
لكنّ عملية التقييم كما يبدو لا تتناول تقييم الطالب في المدرسة فقط، بل تتجاوزها إلى خارجها أيضا، ففي النقطة الأولى، يتم تقييم الطالب على أساس تعلّمهم لحماية الطبيعة والاهتمام بنظافة البيئة، وهو تقييم لا يمكن ملاحظته داخل الصفّ الدراسي، ولا حتى في باحة المدرسة على فرض تطبيق الملاحظة على تعامل الطالب مع البيئة داخل الباحة، وذلك أنّ عملية رصد الأخطاء من الممكن رصدها أكثر وذلك من خلال الأفعال الواضحة كأن يتم ملاحظة كسر أحدهم لشجرة، فبالإمكان حينها اعتبار هذا التلميذ أو الطالب غير مهتم بالطبيعة، لكن ملاحظة الصيغة الإيجابية للأمر تبدو صعبة وخاصة في ظلّ تواجد عشرات التلاميذ أو الطلاب سوية في الباحة.
وينطبق الأمر ذاته على النقطة الرابعة في احترام المرأة والكبار واحترام حقوقهم، فهي قيم إيجابية لا يمكن رصدها داخل المدرسة، وذلك أنّ المرأة في المدرسة هي إمّا معلّمة ومدرّسة أو مديرة أو موجّهة، وهي تحمل صفة إدارية والعلاقة بين التلميذ وبينها لا تدخل في إطار احترام الجنس فيها، وكذلك الأمر في احترام الكبار، فالتلميذ أو الطالب من الممكن أن يحترم زميله لكونه زميلا في المدرسة وليس الأمر متعلّقا باحترام الكبار. وينسحب الامر كذلك على نقاط أخرى، وهي قابلية قياسها ومتابعتها أو رصدها لدى التلاميذ والطلاب، داخل الصف أو المدرسة.
جدول يوضح نقاط تقييم السلوك، في دفتر تقييم الطالب
م
|
تقييم سلوك الطالب |
1 | تعلّم حماية الطبيعة والاهتمام بنظافة البيئة |
2 | تعلّم النظافة الشخصية |
3 | تعلّم اللهو مع الأصدقاء وحب المساعدة |
4 | احترام المرأة والكبار والمحيط واحترام حقوقهم |
5 | احترام القواعد التنظيمية في المدرسة والمجتمع وقواعد السير والمرور |
6 | تعلّم
العمل الذاتي واتخاذ القرارات الفردية |
7 | تعلّم العمل بشكل منتظم ومخطط |
8 | تعلّم العمل مع الآخرين |
9
|
تعلّم وطلب العمل ضمن الجماعة بشكل مسؤول |
10 | التنفيذ الناجح للوظيفة الموكلة |
11 | تعلّم الاستغلال الجيد لأوقات الفراغ وتعلم قوة الحل |
12 | تعلّم أسس البحث الذي يعتمد على الفكر الخلّاق |
13 | الاستخدام الدقيق والمنتظم للأشياء والآلات والأدوات وتعلّم حمايتها |
أهلية الكادر
حين فرضت الإدارة الذاتية مناهجها وطريقتها الخاصة في المدارس في المناطق الخاضعة لسيطرتها، لجأت إلى مدرّسي اللغة الكردية ممن تعلّموا في مؤسسات لغوية كردية، حيث كان معظمهم قد تجاوز مرحلتين أو ثلاث في اللغة الكردية، دون أن يتعمّقوا في مسائل اللغة، خاصة أنّ اللغة الكردية تعدّ لغة غير ذات تجربة في التدريس العملي، والتي كانت مقموعة لعقود طويلة.
تم الاعتماد بداية على كادر متعلّم بالطرق التقليدية، حيث أنّهم تجاوزوا مراحل في اللغة، وهي مراحل تعكس تعلّم الأبجدية في المستوى الأول، وتعلّم الأفعال والأزمنة في المستوى الثاني وموضوعات مختلفة في المرحلة الثالثة، ولم تكن تشتمل على طرائق التدريس كما أنّها لم تستطع الوقوف على النقاط الإشكالية في اللغة الكردية والبت فيها، كما أنّ هذه المؤسسات ومعاهد اللغة كانت تقبل الراغبين في تعلّم الكردية دون شروط مسبقة، وهذا الأمر أدى إلى تخرّج طلاب منها دون أن تكون لديهم خلفية أكاديمية تعزّز من معارفهم اللغوية.
تبنّت الإدارة الذاتية قرار إلزامية تعليم اللغة الكردية وفيما بعد مناهجها في المدارس الخاضعة لسلطتها دفعة واحدة، وهو قرار أعقبه قرار من وزارة التربية في الحكومة السورية تقضي بسحب جميع كادرها التدريسي في المدارس التي بدأت الإدارة الذاتية بإدارتها.
المناطق الواسعة التي تسيطر عليها الإدارة الذاتية كانت أوسع من قدرتها على تأمين كادر تدريسي بمستوى مقبول، وخاصة أنّها بدأت بثلاثة صفوف وهي الأول والثاني والثالث دفعة واحدة في العام الدراسي 2015-2016.
وبادرت الإدارة الذاتية إلى افتتاح معاهد لتعليم اللغة الكردية، ومحاولة سدّ الفراغ في الكادر التدريسي، ولكنّها اعتمدت خاصة في البداية على الراغبين في تدريس اللغة الكردية دون شروط صارمة كالحصول على شهادات أكاديمية أو حتى شهادة الثانوية العامة.
لكنّها استطاعت مع مرور الوقت افتتاح معاهد تعليم اللغة إلى افتتاح /10/ معاهد في مختلف مدن الجزيرة (محافظة الحسكة)، فكان الكادر التدريسي يدرّس ويخضع لدورات صيفية في المعاهد اللغوية.
تقول سميرة حاج علي لـ”نورث برس” إنهم “خرجوا آخر دفعة في الدورات الصيفية بالنسبة لكادر تعليم المدارس الابتدائية”، مضيفة إن الأمر لم ينته بعد “فلجاننا تتابع المدارس والكادر التدريسي وتُخضِع المعلمين الضعفاء لدورات إضافية”.
وبحسب هيئة التعليم والتربية في الإدارة الذاتية فإنّ المدارس التي تتبع إليها في “إقليم الجزيرة” محافظة الحسكة هي 3116// مدرسة، يدرّس فيها /22/ ألف مدرّس، وبنسبة طلاب تتجاوز/306/ ألف تلميذ وطالب.
وينعكس موضوع أهلية الكادر التدريسي وخبرته في المجال العملي على العملية التعليمية نفسها وبإجراء تقييمات للطلّاب، وخاصة في ظلّ الخبرة الأكاديمية المتواضعة للكثير منهم.
يعتقد عبد الله شيخو وهو كاتب ومترجم أنّ أسلوب التقييم المتبع يجب أن يكون موازيا لتطوير الكادر التعليمي والتدريسي في مدارس الإدارة الذاتية كي يكون مجديا، ويذكر شيخو بانّ أي نظام تدريسي لن ينجح دون جودة الكادر التعليمي.
ومع أنّ الإدارة الذاتية تسابق الوقت في فرض مناهجها حيث وصلت حتى الآن لتشمل المرحلتين الابتدائية والإعدادية والصف الحادي عشر من المرحلة الثانوية منذ فرضها المناهج للعام التدريسي 2015-2016، إلا أنّها تحتاج في كلّ مرة إلى تطوير كادرها التعليمي وتوسيع المنتسبين إلى معاهدها لتغطية المدارس.
وافتتحت هيئة التعليم والتربية مؤسسة من شأنها تطوير العملية التعليمية في الأقسام العلمية والأدبية، والمؤسسة المسماة بـ (أكاديمية الشهيد عكيد للاختصاصات الكردية)، وتعتمد المؤسسة بحسب القائمين عليها على الأساليب الحديثة من استخدام الانترنت وأجهزة الإسقاط الحديثة، والمختبرات الحديثة للاختصاصات العلمية.
يشرح آراس شاكر الإداري بأكاديمية الاختصاصات الكردية لـ”نورث برس” آلية العمل في هذه المؤسسة، بأنّها تستقبل المدرسين السابقين في المدارس التابعة لهيئة التربية، وكل دورة تستمر لشهرين، يخضع خلالها الطلبة لنظام تدريسي مكثّف حوالي ثماني ساعات، والوقت الباقي لإنجاز مشاريع تخرّج وحلقات بحث يقدمونها في نهاية الدورة.
والمؤسسة التي تم افتتاحها منذ آذار/مارس 2019 تستوعب في كلّ دورة / 70/ شخصا، وتعتمد على الأسلوب الحديث في توزيع المنتسبين حيث أن كل قاعة تضم /12/ شخصا.
بين الامتحان والتقييم
وتخضع محافظة الحسكة لنظام تعليمي مزدوج، فلا تزال المدارس التي تتبع لوزارة التربية السورية تتبع نظام الامتحانات المتبع منذ عقود في المدارس والجامعات، ومع أنّ المناهج تعرضت للتغيير لمرات عدة في العقدين الأخيرين إلا أنّها احتفظت بأسلوب الامتحانات، فيما تتبع هيئة التربية والتعليم التابع للإدارة الذاتية نظام التقييم للطلاب منذ السنة الدراسية 2016-2015 في المدارس التي تتبع لها مباشرة.
يقول إبراهيم خليل (كاتب وباحث) لـ”نورث برس” في تعليقه على نظام التقييم في مدارس الإدارة الذاتية “الكادر التعليمي الذي يقيّم التلاميذ والطلاب، هو نفسه نشأ في مدارس تعتمد الامتحانات، فبأي طريقة سوف يقيّم التلميذ أو الطالب على أساس الامتحانات أم التقييم”، ويختتم بقوله “الكادر المسؤول عن التقييم قد مر بمراحل امتحانية ولا يعرف طريقة أخرى للتقييم”.