ألمانيا – فرهاد حمي – NPA
حظيّ لقاء المحاميين الذي سمحت به السلطات التركية مع الزعيم السياسي الكردي عبد الله أوجلان في سجن جزيرة “إيمرالي” في تركيا بعد عزلة طويلة منذ عام 2011 اهتماماً كبيراً بين الأوساط المحلية والإقليمية. وذلك سواء من جهة توقيت الزيارة وأهميتها على مستوى المشهد السياسي المتوتر في تركيا، أو عبر تطرق أوجلان إلى الملف السوري، ودور قوات سوريا الديمقراطية ” قسد” عقب هزيمة “تنظيم الدولة الإسلامية” في سوريا والعراق عسكرياً.
انسجام
وأعلن محامو أوجلان بعد زيارته في السجن عبر مؤتمر صحفي الذي انعقد في إسطنبول يوم الاثنين الماضي، عن محتوى البيان الذي نشر باسم أوجلان. حيث سلطت الفقرة الأولى من البيان الضوء على قوات سوريا الديمقراطية، وضرورة تفادي النزاعات العسكرية لتجاوز معضلة التناحر الطائفي والعرقي في سوريا بعد هزيمة “داعش”. في حين أشارت الفقرة الثانية بأهمية النضال السلمي من خلال الاضراب عن الطعام من قبل انصار حزب الشعوب الديمقراطي، لكن على أن لا يتحول هذا الاحتجاج السياسي إلى عمليات تقضي على حياة المضربين . فيما شدد أوجلان في الفقرة الثالثة على أهمية العودة إلى مفاوضات السلام، وتجنب العنف في حل القضايا العالقة في المنطقة.
من المؤكد أنّ الفقرة الأولى جاءت انسجاماً مع خطاب قوات سوريا الديمقراطية في سوريا، وهي تحاكي أهمية التفاهم الثقافي والديني وفق النظام الحقوقي المدني الذي يحتوي التناقضات الطائفية والعرقية، ويضمن الهويات المحلية عبر النظام السياسي اللامركزي أو “الديمقراطية المحلية” وفق تعبير أوجلان. هذه الرؤية لقيت ترحيبا من مجلس سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا، فضلاً على أن قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم كوباني أشار في لقاءاته الصحفية السابقة بعد هزيمة داعش، إلى أهمية نقطتين مفصليتين غير قابلة لأية مساومة في أي من حوار سياسي مع النظام السوري، وهما: أولاً ضمانة حماية قوات سوريا الديمقراطية كجسم عسكري في مناطق شرقي الفرات، وثانياً تحقيق نوع من اللامركزية السياسية المحلية للمناطق التي خرجت من تحت نفوذ الإرهاب، وبضمانات دستورية ضمن وحدة البلاد.
لغط
بيد أنه تفرعت من هذه الفقرة جملة أخرى، التي شكلت لغط بين الرأي العام مفادها “يجدر الأخذ بعين الاعتبار حساسية الوضع التركي” بدون إرفاق التفاصيل المطلوبة، نظراً أنّ البيان كان مقتضباً في فقراته ولم يفسح على كامل مضمونه لاعتبارات غير معلنة. غير أن السياق الذي أدرج فيه هذه الجملة على لسان أوجلان كان معنياً بالانفتاح على الحوار السياسي المرن مع الخصوم، ومن بينها بالتأكيد الحكومة التركية. من الواضح أن مظلوم كوباني في كلمته التي ألقاها أمام ملتقى العشائر في الأسبوع الماضي، الذي انعقد في بلدة عين عيسى في ريف الرقة ، لم يخرج عن هذا السياق. حيث أكد فيها بأنهم على الاستعداد لتفاهم وجهة النظر الحكومة التركية شريطة أن تستجيب تركيا بالانسحاب من عفرين، والتخلي عن التهديدات العسكرية حيال شرقي الفرات.
دعوة أوجلان للسلام والحوار العقلاني مع الحكومة التركية في الفقرة المذكورة، لا يمكن وصفها بنوع من” الرومانسية السياسية” أو خروج عن السياق الواقعي بخلاف بعض وجهات النظر “الانفعالية” التي ذهبت نحو هذا المنحى، وخصوصاً في ظل لعبة التوازن الشاقة التي يديرها فريق أردوغان مع كل من روسيا وأمريكا، واستعصاء المشهد السياسي التركي أمام أي خيارات تفضي إلى الانفراج السياسي، كما أن بنية آلية القانون الدولي تصطدم يومياً بجنوح أردوغان نحو المزيد من الشمولية في السلطة. من المرجح أن مقاربة أوجلان في توصيف ” مراعاة حساسية الوضع التركي” تستند على خلفية ” فوبيا” التركية حيال الملف الكردي في سوريا وتركيا، والذي يستدعي وفق تصور أوجلان بوجوب كسر هذا الجليد من خلال بناء الثقة المتبادلة وفق حوار عقلاني مرن، وتقليل من المناخ العنفي السائد.
وساطة أمريكية
بالتوازي مع ذلك، نشرت صحيفة المونيتور الامريكية، معلومات تفيد بأن المبعوث الأمريكي في سوريا جيمس جيفري قد يقف خلف هذه المبادرة من قبل الدولة التركية التي سنحت للمحامين بزيارة أوجلان، وخصوصاً أن جيمس جيفري أمام مهمة شبه عصية تتطلب إحداث المقاربة بين قوات سوريا الديمقراطية والجانب التركي، سيما أن السفير جيفري يراهن على حماية قوات سوريا الديمقراطية من جهة، وبنفس الوقت يسعى الى عدم انزلاق تركيا تحت مظلة السياسية الروسية جيوسياسياً؛ وتحديداً في مسألة فك الشراكة مع الناتو، والمضي مع الجانب الروسي في ترتيب الأوضاع في سوريا بما تخدم المصالح الروسية. وإذا ما صح أن جيفري استطاع إقناع الجانب التركي ليلعب أوجلان دوراً محورياً في هذا الملف، فإن أوجلان بدوره لن يرفض الوساطة الأمريكية بإزالة حالة العداء بين “قسد” وتركيا، وخاصة أن أوجلان طالب مراراً في السنوات السابقة من الجانب الأمريكي بأن يلعب دوراً وسيطاً فيما يخص الحوار مع الجانب التركي.
انتخابات بلدية اسطنبول
تثبيت جدية هذه المواقف والمعطيات مرهون على عامل ثاني، صادف البيان الذي نشر على لسان أوجلان. حيث قررت اللجنة العليا للانتخابات في تركيا إعادة انتخابات بلدية مدينة إسطنبول التي ذهبت في انتخابات آذار/مارس الماضي إلى المرشح حزب الشعب الجمهوري أكرم إمام أوغلو.
وتحدثت مصادر متضاربة في هذا السياق أن حزب الشعوب الديمقراطي الذي ساند مرشح حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات الماضية قد يتبني استراتيجية المقاطعة لصالح حزب العدالة والتنمية. غير أن “الشعوب الديمقراطي” سارع عبر بيان رسمي له إلى نفى هذه الفرضية، وشدد على أن الحزب لم يدخل في أي تحالف محتمل مع حزب أردوغان، وسيبقى على سياساته السابقة بعدم ترشيح أي ممثل له لبلدية إسطنبول.
بيد أن الخبراء في الشأن التركي اعتبروا أن ” الشعوب الديمقراطي” قد يناشد قاعدته الانتخابية بمقاطعة انتخابات البلدية في إسطنبول تبعاً لشرطين حصراً، اولاً, إطلاق سراح المعتقلين لدى حزب الشعوب الديمقراطي ومناصريه، وعلى رأسهم زعيم الحزب السابق صلاح الدين دمرتاش، كبادرة الحسنة النية، والشرط الثاني, مرهون بقدرة أردوغان وفريقه في الانقلاب على سياسة زعيم الحزب القومي دولت باهجلي، والذي اعتبره وزير الخارجية التركية السابق داوود أحمد أوغلو بأنه من بين الأخطاء الجسيمة التي ارتكبته” العدالة والتنمية” وأفضت تاليا إلى خسارته في الانتخابات البلدية في مارس الماضي.