السويداء – NPA
تسود حالة من القلق بين أهالي محافظة السويداء (جنوب سوريا)، بسبب تواتر تدهور الوضع الأمني في محافظتهم.
و حاولت الأطراف السياسية والعسكرية، المكوّنة من أهالي المحافظة، تحييد منطقتهم إلى حدّ بعيد عن الصراعات الدمويّة التي دارت في البلاد طوال الثماني السنوات الماضية.
لكن حالات من الارتياب والتساؤل حول وجود أعمال مخلّة بأمن المنطقة و قوانينها الاجتماعية، بدأت تظهر في الآونة الأخيرة.
هيام .ب، مدرّسة في مدينة السويداء، تقول في حديث مع مراسل “نورث بريس NPA”: “قبل أيام كنت أسير مع أمّي في أحد شوارع المدينة، وإذ بشابين في العشرينات من العمر على درّاجة ناريّة، يخطفان حقيبة والدتي من يدها”.
و تضيف: “لأوّل مرّة أشعر بالخوف في السويداء، فنحن نعيش في مجتمع يشبه العائلة الواحدة تقريباً، لقد كان الحادث صدمة لي”.
ولا يبدو أنّ حالة والدة هيام فرديّة بل تحول الأمر إلى ما يشبه “الظاهرة”.
وفي هذا الإطار تقول هيام: “لقد تكرّر وقوع حوادث مشابهة مؤخراً، ومن الملاحظ أنّ أغلب الفاعلين شبانٌ في مقتبل العمر”.
و تعبّر عن حالتها بتخوف من انتشار تلك الظاهرة: “رغم تقديمي شكوى في مخفر الشرطة، لكنني غير متفائلة بأن يُلقى القبض على الفاعلين، بحسب ما فهمت من عناصر المخفر”.
من جانبه يقول عمر. م، أحد الوافدين مع عائلته إلى السويداء من ريف دمشق منذ عام 2012 (طلب عدم ذكر اسم عائلته لأسباب خاصة): “كنت أشعر بالأمان في السويداء، في تحرّكي وفي علاقاتي مع الأهالي، فتحت محلاً تجاريّاً لبيع المواد الغذائيّة وأصبح لديّ العديد من العلاقات الاجتماعيّة، لكن منذ نحو سنتين بدأت الأحوال تتغير”.
وعن طبيعة تلك التغيرات التي شهدتها المحافظة بيّن عُمَر أنّه “أصبح هناك عمليات خطف بقصد الفدية أو سلب السيّارات”.
و يقول الوافد إلى المدينة: “أصبحت امتنع عن التنقّل بسيارتيّ الخاصة بعد غياب الشمس، وقمت بتوظيف شخص لديّ في المحل خشية أن أتعرّض لأيّ حادث”.
“المستغرب أنّ العصابات والأشخاص المتهمين بالخطف والسلب يتم تداول أسماءهم بين الناس وأماكن تواجدهم معروفة الى حدّ ما، إلاّ أنّ الجهات المسؤولة لا تقوم بما يكفي لوقف تلك الأعمال” حسب حديث عُمَر لــ”نورث بريس”.
وحول ظاهرة الخطف التي تكررت بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة يقول الصحفيّ ريان معروف، والذي يُدير أحد المواقع الإلكترونيّة المهتمة بالشأن المحليّ في المحافظة: “معظم عمليات الخطف التي حصلت العام الماضي كانت طمعاً في الفدية الماليّة، حيث وثّقنا بالأسماء تعرّض /127/ مدني للخطف على يد عصابات، بعضها مجهولة الهويّة، والقسم الأكبر من أفرادها معروفين للمجتمع المحلي وللسلطات الأمنية”.
وحول تداعياتها يوضّح ريان: “عمليات الخطف كان لها أثر سلبيّ على اقتصاد المحافظة بشكل عام، رغم أنّ معظم المدنيين الذين تعرّضوا للخطف داخل السويداء كانوا من أبناء المحافظات المجاورة، إلاّ أنّ تفاقم هذه الظاهرة أدّى لعزوف الكثير من السوريين على إقامة أيّ مشاريع اقتصاديّة”.
و بحسب التوثيق الذي قام به الصحفي السوري ريان معروف فإن الشريحة المستهدفة من قبل “عصابات الخطف” هم من “الوافدين” إلى السويداء.
و يشير إلى أن الأشخاص الذين كانوا يديرون مشاريع داخل المحافظة زراعيّة أو تجاريّة أو صناعيّة “غادروها تخوّفاً من عمليات الخطف، ما سبّبت ضرراً كبيراً لاقتصاد المحافظة في ظلّ الأوضاع المترديّة التي تعيشها سوريا بشكل عام”.
يقول الصحفي السوري إلى أنّ “الجهات الأمنيّة لا تقوم بما يكفي لمنع انتشار هذه الظاهرة أو الحدّ منها”، فــ”السلطات الأمنيّة لا تزال تتعاطى بطريقة سلبيّة مع ظاهرة الخطف، ولا تتخذ أيّ إجراءات للحدّ منها”.
كما يلفت إلى “انتهاكات كثيرة حصلت حتّى أمام الحواجز والجهات الأمنيّة دون أيّ تدخّل حازم، ورغم تقديم معظم عائلات المخطوفين بلاغات أمنيّة للسلطات ومعرفة الجهات الخاطفة في مرّات عديدة، إلاّ أنّ السلطات تكتفي بتحديد مكان العصابة الخاطفة من خلال مراقبة اتصالاتها، وكأنّها تقول للمواطنين (قلعوا شوككم بأيديكم)”.
ويشكك الصحفي السوري ارتباط بعض (العصابات) بضبّاط من أجهزة مخابراتيّة سوريّة، وقسم آخر مرتبط بالفصائل المحليّة”.
و “باتت بعضها (عصابات الخطف) تمتلك رشاشات ثقيلة ومدافع هاون، وقوتها في تنام متزايد” حسب قوله.
وعند محاولة مراسل نورث بريس، معرفة وجهة نظر الجهات الأمنيّة حول مخاطر انتشار هذه الظاهرة، رفضت، تلك الجهات، إعطاء تصريحات رسميّة، إلاّ أنّ مصادر مطّلعة من شرطة المحافظة، طلبت عدم الكشف عن هويتها، قالت لوكالتنا إنّ “التوجيهات التي أُعطيت لنا تنصّ على عدم التصادم مع أي من المطلوبين، خشية وقوع صدامات مسلّحة، لاسيما أنّ أغلب العصابات والمطلوبين يمتلكون أسلحة خفيفة ومتوسطة”.
وبيّن المصدر أنّ “الأجهزة المختصة تتابع الحوادث التي تشهدها المدينة مؤخراً، وتحقّق بها كما أنّ الكثير منها ملفاتها مكتملة، وهناك متهمين متورطين بتلك الجرائم، ولكن بانتظار قرار لملاحقتهم”.
وتفيد معلومات متقاطعة، تمكّن مراسلنا من الحصول عليها عبر مرجعيّات محليّة، أنّ “المسجّلين لدى الجهات المعنيّة كمتورطين بأعمال إجراميّة، لا يتجاوزون /147/ شخص، منهم /18/ شخص مسجّلين كخطر على أمن المحافظة”.
ولا يبدو أنّ تدهور الوضع الأمني في المحافظة سيجد معالجة شافية لها خلال الفترة القادمة “لكونها مرتبطة بعوامل كثيرة، كتردّي الوضع الاقتصاديّ وانتشار الفقر وارتفاع نسبة البطالة، خاصة أنّ أبناء السويداء يعيشون على أموال الاغتراب منذ عقود، في حين أغلقت في السنوات الأخيرة، أبواب الكثير من دول الاغتراب في وجوههم وعلى رأسها دول الخليج العربي ولبنان والأردن” بحسب استطلاع للآراء قام به مراسل نورث بريس في السويداء.