دراسة سودانية تحذر من انهيار سد النهضة.. وآثار مُدمرة على الخرطوم

القاهرة- محمد أبوزيد- نورث برس

 

نشر الخبير المتخصص في نزاعات المياه الدولية وقوانين المياه الدكتور محمد الرشيد، دراسة خاصة فند فيها العوامل التي تجعل من انهيار سد النهضة أمراً محتملاً، والمخاطر التي قد يتعرض لها السودان بصفة خاصة حال حدوث ذلك الأمر.

 

وتأتي تلك الدراسة في الوقت الذي أعلنت فيه كل من مصر والسودان عن أنهما لم يطلعا على دراسات الأمان الخاصة بسد النهضة الإثيوبي.

 

وحصلت "نورث برس" على تفاصيل الدراسة كاملة، والتي تقع على جزئين، تضمن الجزء الأول شرحاً مستفيضاً للأسباب التي تدفع بانهيار السدود، بالتطبيق على نماذج لسدود قديمة، مع مطابقة تلك الأسباب مع حالة سد النهضة.

 

وفي الجزء التطبيقي، بدأت الدراسة بقراءة مستفيضة لمسرح الحدث (مكان بناء سد النهضة)، الذي وصفته بـ"الكارثي" ومتلازماته وعناصر بيئة القرار فيه.

 

وشددت على أنه "إن كان  السد بالنسبة لإثيوبيا مسألة تنمية، ولمصر مسألة حياة (كما قال الرئيس عبدالفتاح السيسي)، فهو  للسودان قضية وجود (باعتبار أن السودان مهددة بالغرق حال انهيار السد).

 

ورصدت الدراسة "أمارات وعلامات" لانهيار السد، تبدأ بالسمة الظرفية التي يشيد فيها، كعدم اليقين، والمخاطر التي تلفه كاختيار الموقع الخاطئ، مروراً بالدراسات الغائبة، والمعلومات غير المكتملة عن الأحمال، والظروف البيئية، وانتهاءً بتقويض سلامة السد، ثم وصولاً للانهيار المحتمل للسد، ومن ثم الفيضان الكسري بطعم /60/ مليون فدان-قدم.

 

ولم تكشف إثيوبيا من جانبها العوامل المرتبطة بأمان السد، بما يزيد الأمر غموضاً. 

 

فيما ذكرت الدراسة أن الخطر الكارثي للسودان ومصر يتمثل في  الانطلاق الفجائي "لفيضان كسري" يحمل في جنباته أكثر من /60/ مليون "فدان- قدم" من المياه.

 

تصدعات محتملة

 

وتحدثت الدراسة عن التصدعات المحتملة لجسم سد النهضة بسبب الهبوط المتفاوت في أساس البناء الذي يهدد بانهيارات، من تلك التصدعات: "الحركات التباينية (الرأسية والأفقية) للسد، والتي يمكن أن تؤدي إلى شقوق في جسمه، وهناك أيضاً التغيرات الكيميائية، والشيخوخة وتدهور المواد التي تطال السد بمرور الزمن". إضافة إلى الأساس الطيني الصلصالي الذي يتسم به موقع سد النهضة، والذي يظهر خصائص اللدونة عند امتصاصه الماء، وينكمش عند إزالة الماء عنه، وذلك بسبب مكوناته المعدنية مثل المونتموريلونيت، وهو العنصر الأكثر تمدداً فيها، وإليه تنتمي تربة القطن الأسود المتمددة من الجزيرة إلى الدمازين (مدينة تقع في جنوب شرق السودان على الضفة الغربية لنهر النيل الأزرق على ارتفاع /492/ مترًا فوق سطح البحر وتبعد عن العاصمة الخرطوم حوالي /300/ كيلو متر).

 

وعملية اللدونة هذه وما فيها من "توالي" بين  التمدد والانكماش في تربة القطن الأسود ينتج عنها في حالة السد هبوط متفاوت في أساس البناء، طبقاً للدراسة.

وأفردت الدراسة مساحة للحديث عن "الأسباب المرتبطة بموقع بناء السد" المحتمل أن تؤدي إلى انهيار السد، من حيث "جيولوجيا الموقع"، وكذلك مشاكل تصميم الأساس المؤدية إلى الهبوط الانشطاري المفتت لقاعدة البناء.

 

ووفق الدراسة، فإن "جيولوجية الموقع، وبالتحديد نفاذية الصخور المعنية بسلامة السد، قد تلجم ليس فقط الميجاواتس المنشودة من قبل إثيوبيا، بل قد تنقض حتى مشروعية قيام السد فوقها".

 

أساس السد

 

ذلك على اعتبار أن "الأساس الطمي (المترسب من نهر يحمل في جوفه في السنة المتوسطة /70/ مليون متر مكعب من الطمي، يحظر قيام  السدود الركامية الصخرية كسد النهضة السروجي،  والأساس الطيني الصلصالي رغم أنه يمنع التسرب إلا أنه فوق ذلك يمنع قيام السدود الجاذبية الخرسانية كسد النهضة الرئيسي والسدود الركامية كسد النهضة السروجي"، طبقاً للدراسة.

 

وذكرت الدراسة أن العنصر الحاسم في تصميم السدود هو الوصول إلى تقدير موثوق به لحجم الفيضان الذي يمكن أن يصل إلى السد، والذي يجب التحسب له في المفيض، أي الفيضان الذي يستطيع سد النهضة مثلاً تمريره بأمان، عندما يفيض الخزان عند امتلائه، وهو الفيضان الأكثر أهمية لتصميم السد، لأنه يضمن سلامة البناء عند حدوث علو الماء للجسم الخرساني للسد أو لأجنحته، وهو الحدث الذي يمثل وحده أكثر من ربع أسباب انهيار السدود في العالم.

 

وأغلب أسباب انهيار السدود تكون بسبب عدم قدرة المفيض أو قناة التصريف على تمرير فيضان معين، ما يؤدي إلى تدفق المياه من أعلى السد أو خرقه، نظراً لكون  المفيض أو قناة التصريف قد صممتا  على تقدير للفيضانات غير موثوق به.

 

تحذيرات سابقة

 

وتطرقت الدراسة إلى "عدم جدارة أو كفاية تحقيقات موقع لسد النهضة"، وذكرت أن أثيوبيا، ومن ورائها الشركة المسؤولة عن التنفيذ، لم  يكلفا أنفسهما بتحري جدارة الموقع لسد بسعة /74/ مليار متر مكعب، بل وتجاهلتا كل التحذيرات في هذا الشأن وانخرطتا في حالة انكار لكل محددات الموقع الآمن لأي سد، كجيولوجيا الموقع وخواصه الزلزالية وقدرة الهياكل على الوفاء بالمتطلبات الأدائية، وكذا التحسب لعدم التيقن أو الإخفاق الهيكلي.

 

وتساءلت الدراسة: "لماذا اختارت إثيوبيا أن تبني سد النهضة في منطقة بني شنقول على حدود السودان وليس عند بحيرة تانا كما كان مقترحاً؟ هل لإبعاد مخاطر انهياره—والمخاطر البيئية، عن إثيوبيا؟ أم ليمنحها "سلاح دمار شامل" تطلقه على السودان متى تشاء أو متى ما يشاء من يريد فناء السودان من جيرانه أو من غيرهم؟ وإلى حين ذلك الأجل المحتوم، تظل هي تتحكم في مياه النيل الأزرق وفي حقوق السودان ومصر المائية (المثبتة باتفاقيات دولية) تمنع وتمنح منها ما تشاء ومن تشاء"، بحسب الدراسة.