وسط تصعيد من جميع الأطراف.. سيناريوهات مختلفة تلف مصير أزمة سد النهضة

القاهرة- محمد أبوزيد- نورث برس

 

شهد ملف أزمة سد النهضة الإثيوبي، تصعيداً غير مسبوق خلال الأسابيع الماضية، مع إعلان أديس أبابا عن تمسكها بملء خزان السد دون اتفاق مع دولتي المصب (مصر والسودان)، وذلك بعد شهر من انسحابها من الاجتماعات التي أجريت بوساطة أمريكية في العاصمة واشنطن من أجل التوصل لحل عملي، بموازاة تصعيد في التصريحات بين مصر وإثيوبيا على وجه الخصوص.

 

وتقدمت مصر رسمياً بشكوى إلى مجلس الأمن، قبل أيام، ثم بعث السودان برسالة للمجلس الخميس، تناولت آخر تطورات قضية سد النهضة، محذراً من مغبة ملء الخزان دون اتفاق وآثار ذلك السلبية على مصر والسودان.

 

وبموازاة ذلك تُصر أديس أبابا على موقفها الهادف لملء الخزان، ويقول وزير خارجيتها غيدو اندارغاشيو "لن تمنعنا قوة من إنجاز سد النهضة"، وهي التهديدات التي ردّ عليها وزير خارجية مصر سامح شكري بالتلويح باتخاذ بلاده "إجراء صريح" لم يحدده، حال عدم التوصل لحل من خلال مجلس الأمن، مؤكداً اهتمام بلاده بالعودة لطاولة المفاوضات وحل المسألة بالاتفاق والتفاوض.

 

وفيما لم يتحدث أي من المسؤولين المصريين عن "حلول خشنة" أو "تدخل عسكري"، إلا أن الخيار ذاته يتردد على نطاق واسع بالأوساط المصرية المختلفة، فيما حث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الثلاثاء، على مواصلة التحركات الدبلوماسية على مختلف المستويات للحفاظ على حقوق مصر المائية لصالح الأجيال الحالية والقادمة.

 

وتقول أديس أبابا إنها لن تقبل أبداً بأي اتفاق يقيد حقوقها المائية في نهر النيل تحت ستار المفاوضات. وتتمسك بحقها في التنمية الداخلية، كما وعدت بعدم الإضرار بمصالح الدول الأخرى.

 

وتتعدد خيارات الموقف المصري والسوداني مع أزمة السد، وما يمكن أن يجنياه من التوجه إلى مجلس الأمن الدولي، إضافة لاحتمال وجود أطراف إقليمية من شأنها تعميق الأزمة بين البلدان الثلاثة، ومدى إمكانية الولايات المتحدة الضغط لصالح حل الأزمة، خاصة في ظل تصريحات مجلس الأمن القومي الأمريكي ووزارة الخزانة بضرورة عدم اتخاذ إجراء أحادي بخصوص موضوع ملء السد.

 

المسار القانوني

 

بخصوص المسار الدبلوماسي والقانوني، والمرتبط بالخطوة التي اتخذتها مصر في اللجوء لمجلس الأمن، فإن المجلس أمام طريقين، طبق ما أكده أستاذ القانون الدولي، عضو الجمعية المصرية للقانون الدولي، الدكتور مساعد عبد العاطي، "المسار الأول هو التعامل مع الملف بناءً على الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، بما يعني إصدار "توصيات غير ملزمة" لجميع الأطراف للانخراط في عملية تفاوضية جادة وحل الأزمة بالتوافق، أو التوصية باللجوء إلى محكمة العدل الدولي (يتم اللجوء إليها حال أبدى الأطراف موافقتهم على التحكيم الدولي)، تلك التوصيات تتمتع بحق أدبي على الدول".

 

ومن ثمّ، فإنه حال رفضت أي من الدول الالتزام بتلك التوصيات فإنها تظهر أمام المجتمع الدولي كطرف مناوئ للمسارات السياسية والدبلوماسية والقانونية، ومن ثمّ يعطي ذلك للطرف الآخر شرعية اتخاذ إجراءات صريحة أخرى. وطبقاً لعبد العاطي، "فإن القاهرة تمتلك موقفاً قانونياً قوياً".

 

أما السيناريو الثاني، هو أن يستشعر مجلس الأمن الخطر على الأمن والسلم الدوليين، ومن ثمّ يلجأ لاتخاذ إجراءات تحت الفصل السابع، تكون إجراءات ملزمة.

 

وتصل تلك الإجراءات إلى التدخل المباشر من مجلس الأمن، طبقاً لنص المادة (41) التي تنص على أنه "لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته، وله أن يطلب إلى أعضاء الأمم المتحدة تطبيق هذه التدابير، ويجوز أن يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفاً جزئياً أو كلياً وقطع العلاقات الدبلوماسية".

 

عقبات

 

وفيما يستبعد مراقبون ذلك المسار، نظراً لعديد من العقبات، من بينها حق النقض وإمكانية تعطيل ذلك المسار من أي من الدول الخمس الكبرى، يعتقد الخبير الاقتصادي الدولي، محمد الرشيد، "بتضاؤل فرص اللجوء للتحكيم"، موضحاً أن "موضوع النزاعات المائية الدولية أعقد من أن يتم تسويتها من قبل الهيئات القضائية (..)  كما أن نزاعات المياه الدولية عادة تنطوي لاحقاً على مهام إدارية: والمحاكم عموماً ليس بوسعها الإشراف على التطبيق الإداري اليومي للحقوق القانونية".

 

وذكر الرشيد في معرض حديث لـ "نورث برس" أن "محكمة العدل الدولية" خبرتها محدودة  في مثل نزاعات سد النهضة ، أي أنها لا تملك المعرفة التقنية التي تمكنها من القيام بذلك بصورة مرضية، فهي لم يسبق لها النظر في قضايا تخص قانون المياه حتى عام 1997، عندما استمعت لقضية المجر وسلوفاكيا حول سد غابسيكوفو على نهر الدانوب (..) والقضايا التي تصدر فيها المحكمة أحكاماً في الحالتين السابقتين، ملزمة للدول التي توافق على الخضوع لقرار المحكمة ويبت فيها (وفي الآراء الاستشارية) بالأغلبية وليس للمحكمة آلية تنفيذ قانونية عملية لإنفاذ ما قضت به".

 

الأطراف الإقليمية

 

ويتحدث مراقبون عن دور متصاعد لأطراف إقليمية تسعى لتأزيم الملف، ويستشهدون هنا بالدور التركي الداعم للموقف الإثيوبي، والموجه أساساً ضد الموقف المصري في ظل الخلاف والصدام القائم بين البلدين في عديد من الملفات، وهو ما لفت إليه محللون مصريون أشاروا لوجود ارتباط وتفاهمات بين أنقرة وأديس أبابا في مسألة السد، مستشهدين بالاتفاقية الأمنية الموقعة بين تركيا وإثيوبيا في العام 2013، وهي اتفاقية دفاع مشترك تُظهر نوايا الأتراك في الدفاع عن السد، طبق ما أشار إليه في وقت سابق المحلل السياسي المصري مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور هاني رسلان.

 

ولا يستثني مراقبون أيضاً الدور القطري في دعم الموقف الإثيوبي لتأجيج الخلاف والأزمة، في ظل العداوة بين النظام المصري القائم والعائلة الحاكمة في قطر. وقد ذكَّر في ذلك الإطار وزير الري والموارد المائية الأسبق في مصر، الدكتور محمد نصر علام، "أن هناك تمويلاً قطرياً للسد الإثيوبي".

 

الدور الأمريكي

 

ويُعول محللون على الدور الأمريكي من أجل حل الأزمة، بعودة جميع الأطراف إلى طاولة المفاوضات، من خلال استخدام الولايات المتحدة الأمريكية نفوذها على الأطراف الثلاث، والتي يمكنها الضغط على إثيوبيا للقبول بالعودة للمفاوضات من جديد، وهو ما أكده خبير العلاقات الدولية، الدكتور ماك شرقاوي، والذي قال إن "ترامب يمكنه الضغط على أديس أبابا من خلال الاستثمارات الأمريكية، من أجل العودة للمفاوضات من جديد".

 

ويدعم ذلك السيناريو تأكيدات وزارة الخزانة الأمريكية الأخيرة، على دعم واشنطن التوصل لاتفاقية عادلة ومنصفة حول سد النهضة توازن بين مصالح مصر وإثيوبيا والسودان.

 

المواقف الدولية

 

ويصب الموقف الأمريكي، من خلال التصريحات والمواقف الرسمية المعلن عنها، في صالح الموقف المصري الداعي للمفاوضات وعدم اتخاذ أي إجراء أحادي قبل التوصل لاتفاق، وهو ما يتماشى مع مواقف دولية مختلفة تدعم نفس الموقف المصري، من بينها موقف البنك الدولي، الذي قال رئيسه ديفيد مالباس، إنه أخبر أديس أبابا بأن الموافقة على تمويل السد من قبل البنك تطلب أمرين اثنين، "الأول توحيد سعر الصرف في أثيوبيا، والثاني الحفاظ على الحوار البناء مع مصر والسودان بشأن تقاسم المياه".