محلل عراقي لـ “نورث برس”: لا مفر من إجراء تغيير سياسي شامل
القاهرة- محمد أبوزيد- NPA
يشهد العراق تصاعداً في الاحتجاجات التي قاربت على الأسبوع، وسقط فيها قرابة الـ 100 قتيل وآلاف الجرحى والمصابين، فيما حاولت الحكومة -التي أكد رئيسها عادل عبد المهدي قبيل أيام أنها "لا تملك عصا سحرية للحل السريع"- احتواء تلك الاحتجاجات بقرارات اجتماعية، من بينها ما يتعلق بأزمة الإسكان وكذا المجمعات التسويقية، وقرارات محاولة التغلب على أزمة البطالة.
لكنّ تلك القرارات اعتبرها محللون سياسيون عراقيون، في تصريحات متفرقة لـ "نورث برس" بأنها بمثابة "حلولٍ وقتية" للأزمة، لا سيما بعد أن تصاعدت مطالب المحتجين إلى إحداث تغيير شامل بالنظام السياسي.
الحلول الآنية، شبهها محللون بـ "المُسكنات" التي لم تعد تفلح لبرء تركة متناسلة من الأزمات منذ ما بعد 2003 وحتى الآن، وبالتالي فإن المطلوب هو "تغيير جذري وحقيقي"، حدده المحتجون في عددٍ من المطالب الرئيسية؛ يوجزها المحلل السياسي المستشار السياسي لشبكة أحرار الرافضين لحقوق الإنسان في جنيف، حازم العبيدي، في ستة مطالب رئيسية.
تتلخص المطالب حسب العبيدي في إحداث تغيير شامل بالقيادة السياسية يتضمن استقالة الحكومة، وحل البرلمان، بالإضافة إلى الدعوة لانتخابات جديدة، بعد تغيير المفوضية الخاصة بالانتخابات وطرح قانون انتخابات جديد. وتضاف لتلك المطالب أيضاً مسألة حرمان النخبة السياسية التي أدارت البلد منذ ما بعد 2003 من المشاركة في الانتخابات المقبلة (أو ما يعرف بالعزل السياسي)".
احتجاجات منظمة
"وشهد العراق طيلة السنوات الماضية احتجاجات متفرقة عديدة، لكنّ هذه المرّة تختلف كلية عما سبقتها من احتجاجات؛ على أساس أنه تمت الاستفادة من أخطاء الماضي، ولا عودة للوراء بأي حال"، وفق العبيدي الذي أفاد بأن الاحتجاجات الحالية تسير في اتجاه منظم.
وأضاف العبيدي أنها الآن "لها أهداف واحدة ومحددة، ولن يعود المتظاهرون إلى بيوتهم إلا بإسقاط الحكومة، والعملية السياسية برمتها، وتحرير العراق من الاحتلال الإيراني (..) حتى اللحظة عدّاد القتلى والمصابين والمعتقلين يتزايد، بينما الانتفاضة سلمية تواجه الحديد والنار والقمع"، على حد قوله.
وذكر المحلل السياسي العراقي، في تصريحات خاصة من مقر إقامته بالعاصمة المصرية القاهرة، أن "آلاف العناصر من الباسيج الإيراني والقناصين المحترفين دخلوا العراق، للمساهمة في قمع الانتفاضة.. وقد تم ضبط عناصر إيرانية فوق أحد البنايات، هم قناصة، يستهدفون المتظاهرين"، على حد شهادته.
وكان النائب الليبرالي في البرلمان العراقي، فائق الشيخ علي، قد اتهم إيران بقتل المتظاهرين في العراق قنصاً, وذلك عبر تغريدة على "تويتر"، كتب النائب فيها "إيران تقنصنا".
وتحدثت قوات الأمن العراقية ومتظاهرون عن وجود قناصة مجهولين على أسطح المباني في بغداد يقتلون ضحايا من الجانبين، ولكن لم تتضح أي معلومات عن هوية القناصين المذكورين.
احتواء الأزمة
حاولت الحكومة العراقية، برئاسة عادل عبد المهدي، أن تحتوي تلك الغضبة الشعبية بقرارات صادرة اليوم، تتجاوب مع المطالب الخدمية، مع الإشارة إلى عزمها مناقشة الحزمة الثانية من القرارات المتعلقة بالإصلاحات ومطالب المتظاهرين في جلستها المقبلة مع الاستمرار في اتخاذ القرارات اللازمة في الجلسات اللاحقة، كمحاولة للتهدئة.
لكنّ عديداً من المتظاهرين قد عبّروا عن رفضهم لتلك الحلول "الترقيعية". ورأوا أن المطالب تحوّلت من مجرد مطالب خدمية، إلى مطالب سياسية واجبة الاستحقاق، ووصفوا وقفتهم بـ "الثورة"، بعد أن "تلطخت يد الحكومة والبرلمان بدماء الشهداء والجرحى.. وعلى الحكومة والبرلمان أن يقدما استقالتهما فوراً، ولا رجوع عن ذلك المطلب"، طبقاً لبيان صادر عن ما سُمي بـ "اللجنة المنظمة لتظاهرات ثورة الكرامة"، والمؤرخ بتاريخ أمس السبت 5 تشرين الأول/ أكتوبر.
وطبقاً للمحلل السياسي العراقي الدكتور عبد الكريم الوزان، فإن مطالب المحتجين اتسعت لتشمل المطالب السياسية، بلغت حد المطالبة بتغيير النظام بالكامل، والمجيء بحكومة شعبية بعيداً عن الأدوار والتدخلات الخارجية، مع تغيير القوانين والدستور "وعزز ذلك سقوط أكثر من /100/ قتيل و/4/ آلاف جريح ومصاب خلال الاحتجاجات الحالية، والتي يمكن تسميتها بـ "الثورة" والتي لا يمكن العدول عن مطالبها أو التعامل معها بمجرد حلول مؤقتة لا تتعامل مع جوهر الأزمة. "
تراكمات
المطالب -طبقاً للوزان- لا تتوقف عند حد إقالة رئيس الوزراء، الذي قال الوزان إنه من الإنصاف التأكيد على أن الوضع الحالي هو نتيجة تراكمات سنوات طوية لا يتحملها عبد المهدي وحده، لكنّ الأمر برمته يتطلب تغييراً شاملاً للنظام السياسي والعملية السياسية في العراق بشكل عام.
ووصف الدبلوماسي العراقي السابق غازي فيصل، تلك الاحتجاجات الراهنة بأنها تجسد "الوعي الوطني العراقي في مواجهة أحزاب الخرافات الفاشية وسلطة ولاية الفقيه"، على حد قوله.
وشدد فيصل على أن "ارتفاع عدد الضحايا القتلى برصاص السلطة والقناصة التابعين للحرس الثوري الإيراني الى أكثر من /100/ مواطن وأكثر من 4 آلاف جريح يتعرضون للاختطاف من المستشفيات والتغييب وحملة اعتقالات خارج القوانين وسلطة القضاء طالت أكثر من /500/ مواطن، جميعها مؤشرات تؤكد عجز النظام عن الاستمرار"، مشدداً في السياق ذاته على ضرورة "عودة السلطة والسيادة للشعب العراقي".
وفي سياق متصل، شدد على أن "ما يحدث اليوم من غضب شعبي عارم على الأحزاب الإسلامية بصفة خاصة، وطبقة رجال الدين من أتباع ولاية الفقيه الاستبدادية لابد أن يحقق الانتصار للشعب في بناء جمهورية عراقية مستقلة ديمقراطية وطرد الاحتلال العسكري والاقتصادي الإيراني من العراق واللجوء لمجلس الأمن الدولي لإنقاذ الشعب من الإبادة المنظمة والإفقار والتجويع".