ثلاث نقاط ضعف أمريكية تكشفها الهجمات على السعودية

الرياض ـ NPA
تريّثت السعودية في توجيه الاتهام بشكل مباشر وقطاع لإيران بخصوص الهجمات التي تعرضت لها منشآت نفطية سعودية وتسبب بارتفاع غير مسبوق لأسعار النفط العالمية. وبينما أكدت مصادر استخباراتية أمريكية وقوف إيران وراء الهجوم، خلا البيان الذي صدر في ختام اجتماع مجلس الوزراء السعودي، أمس الأربعاء، من اتهام طهران، إلا أنها قالت إن الهجمات امتداد لسلسلة سابقة من العمليات التي استهدفت منشآت نفط سعودية تمت بأسلحة إيرانية، وذلك في إشارة إلى هجمات شنها الحوثيون في السابق، واستهدفت حقول نفط ومحطات تكرير عبر طائرات مسيّرة.
وبعثت طهران رسالة دبلوماسية إلى الولايات المتحدة نفت فيها أي دور لها في الهجمات، وحذرت من أي تحرّك ضدها.
وقالت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية إن المذكرة الرسمية التي أُرسلت الاثنين عبر السفارة السويسرية التي تمثّل مصالح الولايات المتحدة في طهران، "شددت على أن إيران لم تلعب أي دور في هذا الهجوم وتنفي وتدين" الاتهامات الأمريكية لها في هذا الصدد.
وأفادت الوكالة أن الرسالة "شددت على أنه في حال تم اتّخاذ أي تحرّكات بحق إيران، فسيواجه التحرّك رداً فوريًا من إيران ولن يقتصر في نطاقه على مجرّد التهديد".
وتحاول السعودية بصعوبة تفادي إطلاق اتهام يتطلب منها رداً عسكرياً على إيران. وفي هذا الإطار تحاول المملكة تقديم صورة عن الهجوم تبدو فيه إمدادات النفط العالمية هي الهدف، وبالتالي تقديم الأمر على أنه أزمة تتطلب رداً عالمياً وليست مسألة خاصة بالسعودية.
ونقلت وكالة الأنباء السعودية عن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان قوله إن الهجوم على منشآت نفطية حيوية في المملكة "اختبار حقيقي للإرادة الدولية في مواجهة الأعمال التخريبية".
وتحاول الدول الأوروبية دفع السعودية إلى الثبات على هذا الموقف وعدم الاضطرار إلى الرد. وأكدت بريطانيا وألمانيا وفرنسا ضرورة تهدئة التوترات في المنطقة، وضرورة العمل لصياغة رد فعل جماعي على الهجوم.

نقاط الضعف
غير أن الهجوم أظهر /3/ نقاط ضعف متعلقة بالولايات المتحدة. الأولى أن منظومة الدفاع الأمريكية (باتريوت) تتعرض لعمليات إذلال كبيرة على أيدي خصوم واشنطن. والثانية، أن حملة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للانتخابات الرئاسية تحاصر السياسة الخارجية الأمريكية تجاه إيران. والثالثة أن حلفاء واشنطن في المنطقة أدركوا النقطتين الأولى والثانية، وبدأوا في البحث عن بدائل.
وبحسب تقارير أمريكية فإن الهجوم تم عبر إطلاق صواريخ "كروز" من داخل إيران، وطائرات مسيّرة اخترقت الأجواء السعودية ووصلت إلى المنشآت النفطية.
وتعد منظومة الدفاع الجوي والبري السعودية أمريكية الصنع بشكل كلي. وحاول ولي العهد السعودي التفاوض حول شراء منظومة "إس 400" الروسية قبل عامين، إلا أنه لم يعد إلى طرح الأمر مجددا. وتعارض واشنطن بشدة أن يلجأ حلفاءها إلى منظومة الدفاع الروسية، إلا أن تركيا لم تأبه لذلك وأتمت صفقة شراء "إس 400". ومن المرجح أن تدفع الهجمات الأخيرة على السعودية إلى إبداء المملكة موقفاً أكثر احتجاجاً تجاه عجز "باتريوت" عن حماية المملكة. وتعد هذه المنظومة "درة التاج" الأمريكي في الدفاع الجوي، وسيؤدي تعرضه للإذلال إلى خسائر ضخمة وتراجع عدد من الدول عن توقيع العقود التسليحية. وقد سخر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من المنظومة الأمريكية حين اقترح على السعودية أن تشتري منظومة "إس 400" لتحمي أمنها.
وظهرت مؤشرات مبكرة لهذا التحدي. فقد طلب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، من كوريا الجنوبية، المساعدة في تعزيز نظام الدفاع الجوي للمملكة.
وقال مكتب رئيس الوزراء الكوري الجنوبي في بيان: "طلب المساعدة لإنشاء نظام دفاع مضاد للطائرات لمنع أي هجمات في المستقبل". ويعكس هذا الطلب غضباً سعودياً متنامياً من توجهات الرئيس الأمريكي في استغلال المملكة من دون تقديم ما يحميها من خصمها إيران.

ترامب يحاصر أمريكا
نقطة الضعف الثانية، أن حملة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للانتخابات الرئاسية تحاصر السياسة الخارجية الأمريكية تجاه إيران. والواقع أدى انكشاف استراتيجية ترامب في أولوية عدم خوضه حروباً في الخارج على أبواب الانتخابات الرئاسية التي تجري العام المقبل، في تطاول خصومها عليها.
ويعد الهجوم على ناقلات النفط في الخليج وبحر عمان، وكذلك الهجوم الأخيرة على السعودية، محطات اختبار قامت بها إيران وأثبتت نجاحها. والنجاح يعني التأكد أن واشنطن لن تدخل في حرب، لذلك هي فرصة لإيران وشركائها في التحرك في المنطقة، طالما أن ترامب يتفادى الحرب وتكاليفها.
ومن المتوقع أن تأتي الضربة القادمة للولايات المتحدة في شمال شرقي سوريا عن طريق تركيا. ويسود اعتقاد على نطاق واسع أن أحد مخرجات الاجتماع الثلاثي في أنقرة بين بوتين وأردوغان وروحاني، خروج تركيا من اتفاقية المنطقة الآمنة التي وقعتها مع واشنطن، بخصوص الوضع في شمال شرق سوريا. وطالما أن ترامب لا يحارب، حسب قناعة هذا المحور، فإن توجيه ضربة لقوات سوريا الديمقراطية لن يدفع واشنطن للرد على أنقرة، بل سيؤدي ذلك إلى إصدار ترامب أمراً بانسحاب كامل للقوات الأمريكية وترك المنطقة للمجهول. يدرك خصوم واشنطن هذه اللعبة المكشوفة التي يستغلونها للنيل من السياسات الأمريكية.
إن هذين العاملين سيقودان حلفاء واشنطن إلى البحث عن بدائل قد تكون متطرفة. ومن المتوقع أن تظهر مفاجآت في السعودية غير طلبها من كوريا الجنوبية في بناء منظومة دفاع جوي بديل عن باتريوت، بل ربما يصل الأمر إلى إعلان الرياض رسمياً التفاوض لشراء "إس 400".
في النهاية، قد يربح ترامب في الانتخابات، لكن الولايات المتحدة لن تكون كما كانت. ستكون قد فقدت الكثير من رصيدها الذي تم بناؤه عبر أكثر من /70/ عاماً من الدبلوماسية والحروب.