رام الله – NPA
كلما أقدمت إسرائيل على خطوة أو هدَّدت بأخرى بشكلٍ يخالف الاتفاقيات المُبرمة مع الجانب الفلسطيني، حتى هدَّد الأخير بتجميدٍ كاملٍ للعلاقة مع تل أبيب، ضمن منطق "واحدة بواحدة"… لكن الواقع على الأرض يُظهر تلويح السلطة بذلك مجرد قولٍ لا فعلاً.
فمثلاً، كل الأمور الحياتية للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، تحتاج إلى تنسيقٍ أمنيٍ من قبل السلطة مع إسرائيل. وهذا ما دفع مصدراً أمنياً فلسطينياً إلى التأكّيد لـ"نورث برس" بأنَّ هذا التنسيق مستمرٌ رغم توتر العلاقة مع إسرائيل؛ ليس حُباً به، وإنما كإجراء اضطراري تفرضه الوقائع الجيوسياسية على الأرض، حيث أنَّ الدولة العبرية تتحكم بكل مفاصل الحياة اليومية الفلسطينية.
وفي السياق، يروي المختص بالشأن الإسرائيلي نظير مجلي لـ"نورث برس" أنَّ التنسيق الأمني الفلسطيني-الإسرائيلي مبنيٌ على مصلحة الطرفين وتستفيد منه كل الفصائل الفلسطينية، لا سيما حماس وفتح، وكذلك الحال بالنسبة للقادة السياسيين الذين يغادرون من خلال المعابر إلى خارج البلاد، وكذلك تَنقُلُ وسَفرُ الطلبة والمرضى… فكل ذلك يتم فقط عبر بوابة "التنسيق الأمني".
ولهذا، يُعرب مجلي عن استغرابه من تحوّل هذا التنسيق المُلحّ إلى مادةٍ للتجاذبات والمزايدات الداخلية الفلسطينية، معتبراً أنَّ تفاهمات التهدئة بين "حماس" وإسرائيل في غزة تندرج في إطار "التنسيق الأمني". وتابع مجلي "ثم بعد ذلك نرى حماس تُزايد على السلطة الفلسطينية بسبب تنسيقها الأمني مع إسرائيل".
وأضاف الكاتب الصحافي نظير مجلي، المقيم في إسرائيل- أنَّ قضية "التنسيق الأمني" في بعض الأحيان نعيطها أكبر من حجمها عندما نتحدَّث عنها كظاهرةٍ أو ننتقدها، وأحياناً أخرى نعطيها أقل من حجمها حينما نهملها. وأكَّد مجلي "أنَّها ظاهرةٌ طبيعيةٌ بفضلها يتم تسييرُ حياة الناس وعلينا أن ننتبه لذلك جيداً؛ فهناك مواطنون لهم احتياجات لا يمكن الاستخفاف بها، وهناك مرضى بحاجة للتنقل من أجل العلاج وطلبة بحاجة للتعليم، وآخرون يحتاجون تصريحاً إسرائيلياً من أجل لقاء الأهل والأقارب بعد فراقٍ لسنوات طويلة".
كما وتحتاج أمورٌ أخرىٌ في الأراضي الفلسطينية للتنسيق الأمني مع إسرائيل، لا سيما المتعلقة بالتجارة والاقتصاد وإدارة الحياة اليومية.
ومع ذلك، يتحدَّث مجلي عن تغيرٍ في مستوى التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل في أعقاب التوتر في العلاقة بينهما، مبيِّناً أنَّه لم يتوقف، ولكن العلاقة بين الطرفين ليست بالشكل الذي كانت عليه في السابق؛ الأمر الذي مس ببنود هذا التنسيق.
فمثلاً، كانت المخابرات الإسرائيلية تقدِّم معلومةً للأجهزة الأمنية الفلسطينية، لتتحرك الأخيرة بموجبها كي تنفذ اعتقالات في صفوف "فلسطينيين مطلوبين أمنياً".
غير أنَّه في الوقت الحالي، لم يعد الأمن الفلسطيني يتحرك بنفس الدرجة السابقة، كذلك انخفض مستوى اللقاءات الوجاهية بين مسؤولي الأمن الفلسطينيين ونظرائهم الإسرائيليين.
وختم مجلي حديثه: "توجد تغيراتٌ في مضمون التنسيق الأمني بين السلطة وإسرائيل ولكن لم ينقطع هذا التنسيق ولو مرة واحدة، كما أنَّ أحداً لم يُطالب بوقفه؛ حتى تلك الفصائل التي ترفع صوتها ضدَّ السلطة الفلسطينية بدعوى هذا التنسيق".