باحث مصري: أفريقيا حلمُ تنظيم “الدولة” لتحقيق “السيطرة المكانية” البديلة

القاهرة- محمد أبوزيد- NPA 
عقب الخسائر الباهظة التي مُني بها تنظيم "الدولة الإسلامية" داعش، في كل من سوريا والعراق، وخسارته المناطق التي تمكن من السيطرة عليها في العام 2014 في كل من البلدين، ما فتئ التنظيم يحاول بناء قواعده من جديد، وإيجاد منافذ "بديلة" يستطيع من خلالها إعادة سطوته وسيطرته أملاً في تحقيق حُلم الخلافة المزعومة الذي يسعى إليه.
وعلى ما يبدو أنَّ التنظيم لم يجد أمامه فرصاً متاحةً إلا في أفريقيا، لعدة اعتبارات؛ من بينها تزايد المشكلات الداخلية بدول القارة، وحالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والمجتمعي التي تعاني منها عديد من الدول، فضلاً عن تزايد معدلات الفقر في بعضها، والصراعات الداخلية التي تمزق العديد من دول القارة السمراء.
وإدراك التنظيم لأفريقيا باعتبارها مسرحاً له، سواء من أجل استقطاب عناصر وتنظيمات موالية أو التغلغل بداخلها لإيجاد أرض صلبة يستطيع من خلالها تعويض خسائره في سوريا والعراق، جاء متأخراً، ذلك أن الناظر في قوام التنظيم يجد أن آلاف العناصر (ومن بينهم قادة بالتنظيم) هم من الأفارقة.
وقدَّرت مراكز أبحاث غربية عدد الأفارقة المنضمين للتنظيم منذ بزوغه وحتى الآن من ستة إلى عشرة آلاف عنصر، وعودتهم بعد خسائر التنظيم في سوريا والعراق "سوف تمثل فاجعة كبرى لأفريقيا، وتهديداً مباشراً لأمنها".
"أفريقيا كبديل"
تقرير حديث صدر الأسبوع الجاري عن مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة (مرصد مصري) حصلت "نورث برس" على نسخة منه، سلَّط الضوء على عمليات تنظيم "الدولة الإسلامية" في أفريقيا (التي ينظر إليها التنظيم كبديل بعد فقدان السيطرة في كل من سوريا والعراق). وطبقاً للمرصد، فإن الفترة المنقضية من النصف الثاني من العام الجاري 2019 شهدت تواصلاً ملحوظاً لعمليات التنظيمات في غرب أفريقيا على وجه التحديد (حيث تنشط هنالك في شمال شرق نيجيريا جماعة بوكو حرام، التي بايعت التنظيم في وقت سابق وأطلقت على نفسها اسم ولاية غرب أفريقيا)
وفي شباط/ فبراير الماضي، أكَّد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، في تصريحات نقلتها تقارير إعلامية، على أنَّ مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" يحاولون التمركُز في أفريقيا بعد هزائمهم في سوريا والعراق.
وعلى رغم أنَّ تقاريراً دوليةً تحدَّثت عن استمرار خطر التنظيم، الذي يقوم بموازاة محاولة توسعه في أفريقيا؛ بمحاولات لإعادة بناء نفسه في سوريا والعراق من جديد من خلال أذرعه وخلاياه النائمة، إلاَّ أنًّ تمدد التنظيم في أفريقيا صار لافتاً بوصفه "استراتيجية بديلة تصاحبها فرص أقوى للتنظيم من فرصه في سوريا والعراق"، وهو م
يؤكده مدير مركز مراجعات الإسلام السياسي الباحث والخبير في شؤون الجماعات المتطرفة خالد الزعفراني، في تصريحات لـ "نورث برس" من العاصمة المصرية "القاهرة".
وفي تحليله لوضع أفريقيا في أدبيات وطموحات التنظيمات الإرهابية، يقول إنَّها دائماً وأبداً ما كانت ضمن الأهداف الخاصة للتنظيمات الإرهابية على مر التاريخ، وقد حقَّق تنظيم القاعدة تواجداً ملحوظاً في بعض بلدانها، وهي هدفٌ قديمٌ ومستمر أيضاً لتنظيم داعش الذي كان يعمل على التغلغل فيها ومنافسة القاعدة هناك، ونجح في وق
سابق في استقطاب آلاف العناصر منها للخدمة في صفوفه.
ويشير الخبير المصري، إلى أنَّه "بعد خسائره في سوريا والعراق لم يجد التنظيم أمامه سوى أفريقيا كبديل، وبدورها قامت تركيا بتسهيل خروج عديد من قيادات التنظيم من سوريا عبرها إلى قارة أفريقيا أملاً في تصدير الاضطرابات والفوضى لدول بعينها " .
وبناءً على ذلك "يُتوقع أن تشهد القارة السمراء تنامياً ملحوظاً في العمليات الإرهابية، بخاصةٍ في الشمال والغرب، حيث ينشط التنظيم"، طبقاً للزعفراني، الذي واصل تصريحاته بالإشارة إلى أنَّ "البيئة في عددٍ من الدول الأفريقية، والظروف هناك، تظل مواتية لنمو الفكر الداعشي، بخاصةٍ أنَّ التنظيم يستغل تزايد معدلات الفقر، ويغرِّر بالشباب المسلم في القارة لاستقطابه بشعاراته الدينية".
مشاكل داخلية
القارة التي تُعرف بأنَّها حُبلى بالمشاكل الداخلية، سواءً فيما يرتبط بضعف الأنظمة السياسية في بعض البلدان أو المشكلات الاقتصادية وتزايد معدلات الفقر والبطالة وغير ذلك،  تمثل بيئة خصبة للإرهاب بصفة عامة وفرصة ثمينة سانحة, حسب الباحث في شؤون الجماعات المتطرفة عادي الأمين.
وعدَّد الأمين أبرز العوامل التي تجعل أفريقيا "ساحة الإرهاب البديلة للتنظيم"، وبخلاف الظروف الاقتصادية، فثمة عوامل داخلية أخرى عديدة منها "انتشار السلاح، والحروب الأهلية في بعض دول القارة، وارتخاء مؤسسات الحكم وضعفها في دول أخرى، في خطٍ متوازٍ مع اتساع الحدود المفتوحة والتي تمثل مسرحاً لنمو تلك الجماعات .التكفيرية"
وذُكر أنَّه بداية من الشمال الأفريقي وحتى الشرق (مُمثلةً في دول الساحل والصحراء) مروراً في الوقت نفسه بغرب أفريقيا، "تقع تلك الدول تحت مقصلة التهديدات الداعشية على ذلك الشريط، بخاصةٍ مع تدفق وعودة الأفارقة الذين انضموا لداعش من سوريا والعراق، والذين يهدِّدون أمن واستقرار دول القارة بصورة مباشرة."
ويبزغ التنظيم أيضاً في وسط أفريقيا مؤخراً، يؤكَّد ذلك العديدُ من الدلائل والشواهد، من بينها تبنيه لهجوم الكونغو في أيار/مايو الماضي، ومطالبة وكالة أعماق (لسان التنظيم) أنصار التنظيم بالانضمام لما سمّته "مدينة التوحيد والموحِّدين في وسط أفريقيا"، والهجرة إلى أراضي "الكونغو" من أجل الجهاد هناك.
دول مستهدفة
وتُضاف لقائمة الدول المستهدفة كذلك بعض بلدان الساحل والصحراء, وهو ما لفت إليه تقرير صادر في آذار/مارس الماضي عن مركز التفكير الأمريكي حول الأمن "ستراتفور"، وشدَّد على أنَّ عناصر تنظيم "الدولة الإسلامية" يتدفقون إلى القارة السمراء بصورة مكثفة، وأنَّ هنالك /13/ دولةً أفريقيةً شهدت هجماتاً إرهابيةً خلال العام 2018.
 وأضاف المركز أنَّ عناصر التنظيم يسعون لإقامة "دويلات صغيرة" داخل القارة، فيما يُعرف بـ "الهجرة العكسية" إلى أفريقيا من سوريا والعراق، بعد أن كانت تتم الهجرة لشباب أفارقة من القارة لمساندة التنظيم في البلدين المذكورين.
ويطرح مراقبون احتمالية ربما تكون واردةً في فترة من الفترات، مرتبطةٌ بتعاون تنظيم "القاعدة" و"الدولة الإسلامية"، انطلاقاً من أنَّه في أدبيات التنظيمات التكفيرية هنالك مرحلة يطلقون عليها مرحلة المحنة، تَفرضُ تلك المرحلة على التنظيمات المشتركة في الهدف التضامنَ من أجل مواجهة "العدو". لكن تلك الاحتمالية عملياً على الأرض غير مطبَّقة حتى الآن.
وعدَّد تقريرٌ حديثٌ صادرٌ عن  "سايت انتيليجانس" المتخصصة في تعقُب أنشطة التنظيمات الجهادية ومراقبة المواقع الإسلامية على الإنترنت ومقرها في مدينة بيثيسدا التابعة لولاية ماريلاند الأمريكية، سلسلة العمليات التي وقعت في أفريقيا مؤخراً وأعلن تنظيم "الدولة الإسلامية" عن تبنيها، سواءً في تونس أو الكونغو أو موزمبيق، وعدّ ذلك إيذاناً بأنَّ "أفريقيا سوف تكون محور العمليات الاستراتيجية القادمة بالنسبة للتنظيم".
وأمام بحث تنظيم "الدولة الإسلامية" عن سيطرة مكانية جديدة يأمل أن يحققها في أفريقيا بعد فقدانها في سوريا والعراق، وفي خطٍ متوازٍ مع المشكلات التي تعاني منها دول القارة، فإن تلك المعطيات تنذر بنتائج "كارثية" إن لم تأخذ دول القارة احتياطاتها كاملة للتصدي لمثل تلك التهديدات المُدمِّرة.