الرياض – NPA
مع بدء إيران المرحلة الثالثة من خفض التزاماتها بخصوص الاتفاق النووي الموقع عام 2015، يسود الارتباك مواقف الدول المعنية بالاتفاق، خصوصاً الدول الأوروبية الثلاث، بريطانيا وألمانيا وفرنسا.
وتنقسم الدول الموقعة على الاتفاق إلى ثلاث مجموعات بحسب المواقف السياسية، الأولى الولايات المتحدة التي انسحبت من الاتفاق وأعادت فرض العقوبات على إيران، والثانية مجموعة الدول الأوروبية الثلاث، والمحور الثالث يضم روسيا والصين، والأخيرتان أقرب إلى موقف إيران.
يعتمد صمود الاتفاق على المجموعة الأوروبية. ومعظم الإجراءات الإيرانية في خفض التزاماتها بالاتفاق موجه إلى هذه الدول لا إلى الولايات المتحدة التي لم تعد معنية أصلاً بما تم التوقيع عليه بسبب انسحابها من جانب واحد. وأشار رئيس اللجنة النووية في مجلس الشورى الاسلامي، محمد ابراهيم رضائي، صراحة إلى هذا الأمر بقوله إن الخطوة الثالثة "رد على تقاعس الجانب الأوروبي".
الأمان القانوني
لم تتضمن المرحلة الثالثة زيادة في نسبة التخصيب البالغة 4,5%، وهي نسبة ما زالت بعيدة عن الاستخدام العسكري للتكنولوجيا النووية والتي يجب ان تبلغ نسبة تخصيب اليورانيوم حينها 20%. لذا، فإن إيران ما تزال في منطقة الأمان القانوني رغم هذه الإجراءات.
وتضمنت الخطوات الجديدة التي تم الإعلان عنها السبت تشغيل /20/ جهاز طرد مركزي من طراز «آي آر-4» و/20/ جهازا من طراز «آي آر-6»، في حين أن الاتفاق لا يجيز لإيران تخصيب اليورانيوم سوى بواسطة أجهزة من الجيل الأول «آي آر-1». وستؤدي أجهزة الطرد المركزي الجديدة الى تسريع انتاج اليورانيوم المخصب وزيادة مخزون البلاد الذي تجاوز منذ تموز/يوليو السقف الذي حدده اتفاق فيينا (300 كيلوغرام).
وتضاعف الدول الأوروبية الثلاث المشاركة في الاتفاق وفي طليعتها فرنسا، الجهود الدبلوماسية لإنقاذ الاتفاق من الانهيار التام وخفض حدة التوتر بين إيران والولايات المتحدة، الذي لا يزال على أشدّه بعدما وصل إلى شفير مواجهة مسلحة في حزيران/يونيو. لكن المشروع الأوروبي الذي تم بحثه في الأيام الماضية بمنح إيران خط اعتماد بقيمة /13,5/ مليار يورو للسماح لها بمعاودة تطبيق الاتفاق بالكامل، يصطدم برفض واشنطن تخفيف العقوبات.
ويهدف المشروع الأوروبي إلى امتصاص العقوبات الأمريكية الصارمة التي تركز على شل الاقتصاد الإيراني. ففي 7 آب/أغسطس الماضي، أعادت واشنطن فرض عقوبات اقتصادية، تستهدف العمليات المالية وواردات المواد الأولية. وتشمل العقوبات أيضا إجراءات عقابية على المبيعات التي تتم في قطاعي السيارات والطيران التجاري. ودخلت العقوبات الأمريكية على القطاعين النفطي والمالي الإيرانيين حيّز التنفيذ في 5 تشرين الثاني/نوفمبر. ثم فرضت عقوبات جديدة على "قطاعات الحديد والصلب والألمنيوم والنحاس الإيرانية."
خيبة أوروبية
دعا الاتحاد الاوروبي إيران الى التراجع عن خطتها بتقليص مزيد من التزاماتها. وفي لندن، اعلنت الخارجية البريطانية أن القرار الإيراني "مخيب للغاية في وقت نسعى مع شركائنا الأوروبيين والدوليين لنزع فتيل الأزمة مع إيران".
وتريد إيران من الدول الأوروبية الانتقال من الموقف السياسي إلى الإجراءات العملية في تأييد الاتفاق، أي كسر العقوبات الأمريكية وتفعيل التجارة مع إيران، بما في ذلك مشتريات النفط.
وعلى عكس الخطوات الماضية التي اتخذتها إيران في خفض الالتزام بالاتفاق، فإن الموقف الروسي في المرحلة الثالثة بدا مؤيداً لهذا الإجراء، رغم توجيهها انتقادات لطهران في المرحلة لأولى من خفض الالتزام، خصوصاً بعد ان كسبت إيران المواجهة في خليج هرمز إثر تراجع الولايات المتحدة عن توجيه ضربة عسكرية لها.
واعتبر مندوب روسيا الدائم لدى المنظمات الدولية في فيينا والوكالة الدولية للطاقة الذرية «ميخايل أوليانوف»، السبت، الخطوة الثالثة لإيران بأنها دفعة قوية للأعضاء الآخرين في الاتفاق النووي لعودة الاتزان الى هذا الاتفاق الدولي. وكتب ميخايل أوليانوف في تغريدة له السبت على موقع تويتر: "لا ينبغي المبالغة في قرار إيران باستخدام أجهزة الطرد المركزي الأكثر تطورا، على الرغم من أنه انحراف عن البرنامج الشامل للإجراء المشترك (الاتفاق النووي)، لكنها إجراءات قابلة للتراجع."
الخطوة الإيرانية الجديدة تضيّق الخيارات أمام الدول الأوروبية الثلاث بشكل أكبر، وقد يكون هذا الضغط الإيراني مثمراً في نهاية الأمر، عبر مواجهة الدول الأوروبية الضغوط الأمريكية بشكل أكبر، وتفعيل خط اعتماد بقيمة 13,5 مليار يورو لصالح إيران.
وأمام الدول الأوروبية مدة شهر حتى تقوم إما بالانسحاب من الاتفاق النووي، أو التوصل إلى اتفاق مع إيران تؤمن بموجبها السيولة المالية اللازمة لطهران. ففي الشهر القادم، سيكون بإمكان إيران إزالة كافة القيود أمام تخصيب اليورانيوم، بدون أن تنتهك معايير الاتفاق النووي.