احتدام الصراع بين طهران وواشنطن على شروط المفاوضات المستقبلية

الضفة الغربية ـ NPA
يجسد التصعيد الجاري في المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران تصميم كل من الطرفين على عدم التنازل عن مواقفه، انطلاقاً من الفهم بأنه سيكون لذلك انعكاس على قدرته على المساومة في أية مفاوضات مستقبلية بينهما.
إلى جانب استعراضات القوة المتبادلة، تُبذل جهود للوساطة أيضاً، بقيادة الرئيس الفرنسي حالياً، في محاولة لبلورة شروط ومحددات الحوار المستقبلي، وفق ما رصدت وكالة "نورث برس" من قراءات إسرائيلية على هذا المستوى.
في نظرة إلى الأمام، يتضح أنه ثمة سنياروهين، بين السيناريوهات المحتملة كانا ولا يزالان:
الأول: مواجهة مستمرة بين الطرفين، بعناصرها الحالية.
الثاني: عودة إلى المفاوضات.
وحتى ولو كان الطرفان غير معنيين بمواجهة عسكرية أوسع من نطاقها الحالي، إلّا إن الديناميكية الراهنة قد تدفع بهما إلى هناك. ويجب أن يكون الاستعداد الإسرائيلي موجهاً للتعامل مع سيناريوهين:
الأول: وربما الأكثر خطورة من ناحيتها (إسرائيل): تواصل إيران تجميع اليورانيوم، بل وربما ترفع من مستوى التخصيب. والنتيجة هي تقصير جدي للجدول الزمني المعد لـ"اختراق" محتمل نحو قدرة نووية عسكرية.
الثاني: الشروع في مفاوضات. في هذه الحالة، يُسأل السؤال: هل المصلحة الإسرائيلية هي في التوصل إلى اتفاق بشأن صفقة واسعة، أم اتفاق في مسألة النووي فقط؟.
في أي من السيناريوهين، على إسرائيل أن تأخذ في الحسبان فجوات محتملة بين مصالحها ومصالح الولايات المتحدة، وبصورة خاصة حيال حماسة الرئيس ترامب الواضحة لتحقيق مكسب سياسي بصورة اتفاق جديد مع إيران.
التصعيد الذي حدث مؤخراً في المواجهة بين إيران وجهات في الحلبة الدولية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، هو نتاج قرار إيران بشأن عرض تصميمها على الرد على سياسة الحد الأقصى من الضغوط المفروضة عليها. عملياً، تقوم الولايات المتحدة وإيران باتخاذ إجراءات متوازية سواء في استخدام القوة أو في المستوى الدبلوماسي اللذين يبدو في الظاهر أنهما متعارضان. لكن الخطوات في كلتي القناتين ترمي، عملياً، إلى تجميع أوراق مساومة استعداداً للمراحل المقبلة من هذه المواجهة.
تشديد الضغوط
تمضي الولايات المتحدة في طريق تشديد الضغوط: إلغاء جميع الإعفاءات على شراء النفط من إيران. ويُستدل من التقارير الأخيرة أن صادرات النفط الإيرانية قد هبطت حقاً إلى أقل من 500 ألف برميل يومياً ـ وهو مستوى خطِر فيما يتعلق بالحد الأدنى من المداخيل التي يستطيع الاقتصاد الإيراني تحمّله؛ إلغاء الإعفاءات في مجال الذرّة أيضاً، والتي كانت تشكل جزءاً من الاتفاق النووي، بما يخص قدرة إيران على تصدير اليورانيوم المخصب والماء الثقيل؛ فرض عقوبات على القائد الأعلى في إيران، علي خامنئي، والصناديق التي تحتوي على أمواله الوفيرة.
 في المقابل، تراجعت إيران، بالتدريج، عن تعهداتها في إطار الاتفاق وبموجبه: في المرحلة الأولى، تم تجميع كمية من اليورانيوم المخصب فاقت كمية الـثلاثمئة كيلوغرام المسموح بها؛ رفعت مستوى التخصيب إلى ما فوق المستوى المسموح به وفق الاتفاق أي إلى نحو 4,5%؛ وتهدد إيران الآن بأنها ستلجأ إلى خطوات أُخرى في غضون أقل من شهرين من الآن، بينها إمكان رفع مستوى التخصيب إلى نحو 20 %.
إلى جانب هذا كله، من الملاحظ أن الطرفين يعيشان حالة من الاحتكاك المتزايد في منطقة الخليج منذ بضعة أسابيع. في أعقاب بعض الهجمات ضد ناقلات النفط في الخليج، والتي كانت إيران ضالعة فيها، ثم إسقاط طائرة التجسس الأمريكية وإطلاق قذائف على مناطق تنتشر فيها قوات أمريكية في العراق، وبدأت الولايات المتحدة بشن هجمة سيبرانية ضد إيران لم تتضح أضرارها بعد، ثم عززت من حضورها البحري في الخليج، وزادت حجم قواتها في دول المنطقة وتسعى نحو تشكيل تحالف دولي لحماية خطوط الملاحة البحرية في الخليج. خلال الأيام الأخيرة، وفي إثر توقيف الناقلة الإيرانية في مضيق جبل طارق لأنها كانت تحمل النفط إلى سورية، أوقفت إيران في مضيق هرمز ناقلة بريطانية كردّ واضح أعلنه القائد الأعلى، خامنئي. وهذا، إضافة إلى الاعتقالات التي نفذتها بحق مواطنين يحملون جوازات سفر مزدوجة ـ بريطانية وفرنسية.
جهود الوساطة
على خلفية التوتر، تتواصل أيضاً جهود الوساطة، بتشجيع مباشر ونشط من جانب رئيس الولايات المتحدة، دونالد ترامب؛ وقد كان آخر هذه الجهود تلك التي قام بها الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، والسيناتور الجمهوري راند بول، الذي أقرّ ترامب نفسه بأنه وافق شخصياً على اللقاء بينه وبين وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، الذي وصل إلى نيويورك لعقد سلسلة لقاءات في الأمم المتحدة.
الرئيس ماكرون، الذي أجرى مؤخراً عدة محادثات مع الرئيس ترامب، بينها محادثة مباشرة، وجهاً لوجه، خلال لقاء "مجموعة العشرين" في أوساكا، ومحادثات هاتفية مطولة مع الرئيس الإيراني، حسن روحاني، أوفد إلى طهران مستشاره السياسي في محاولة لفحص إمكان البدء بمفاوضات مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران.
وقد أُفيد أن الرئيس ماكرون يفحص إمكان عقد صفقة "تجميد في مقابل التجميد" تشمل، بين ما تشمله، تصدير نفط إيراني بنحو مليون برميل يومياً في مقابل رجوع إيران عن الخطوات التي أقدمت عليها في المجال النووي، والتي تشكل خروجاً عن الاتفاق.
وفي موازاة الجهود المباشرة التي يبذلها الرئيس ماكرون، تتواصل أيضاً الجهود الأوروبية الرامية إلى منع انهيار الاتفاق النووي بصورة تامة ونهائية ومنع التصعيد في الخليج، والذي قد ينزلق إلى صدام عسكري. وقد تجنب مجلس العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي، في البيان الذي نشره، وصف الخطوات الإيرانية في المجال النووي بأنها خرق جوهري للاتفاق، بل أكد أهمية الاستمرار في المحافظة على الاتفاق.
إسرائيل والولايات المتحدة
يبدو، في المرحلة الراهنة، أن نقاشاً يدور في كل من الولايات المتحدة وإيران، على حد سواء، حول السياسة التي يتعين اعتمادها والتقدم بموجبها خلال الأشهر المقبلة:
وفي أي من السيناريوهين، على إسرائيل أن تأخذ في الحسبان الفجوات المحتملة بين مصالحها هي ومصالح الولايات المتحدة. ويجب أن تكون فرضية الأساس، اليوم أيضاً: لا تطابق بين إسرائيل والولايات المتحدة في كل ما يتعلق بالخطوط الحمراء في مقابل إيران، كما يؤكد خبراء استراتيجيون في إسرائيل لـ"نورث برس".