إسرائيل تشتعل بتظاهرات الإثيوبيين والتوترات تتصدر المشهد

رام الله – NPA
لم تنتهِ الحكاية لمجرد الحديث عن تراجع مستوى العنف في مظاهرات اليهود الإثيوبيين المستمرة منذ خمسة أيام في إسرائيل؛ وذلك تعبيراً عن "غضبتهم" من قتل ضابط شرطة بينما كان في نزهة مع عائلته لشاب إثيوبي، تحت حجة أنه اضطر لفعل ذلك نتيجة أن حياته كانت معرضة للخطر.
حرقُ وتكسير وإغلاق لشوارع عديدة وإرباك للحياة هي مشاهد تصدرت إسرائيل على مدار الأيام الأخيرة، لتدل على أن القصة لدى "يهود الفلاشا" الإثيوبيين في الدولة العبرية لم تبدأ بمقتل شاب ولا تقتصر على ذلك فقط، بل كانت الشرارة لتفجر غضبهم من كل ملامح العنصرية والتهميش التي يتعرضون لها من قبل حكومات إسرائيل المتعاقبة.
الهجرة إلى "أرض العسل"
وبناء على معطيات توصلت إليها وكالة "نورث برس"، فيبلغ عدد "يهود الفلاشا" القادمين من إثيوبيا واماكن أخرى من القارة الإفريقية ما بين /250/ ألف و/300/ ألف نسمة في إسرائيل، وذلك من خلال إحضارهم على شكل مجموعات متفرقة على مدار 40 عاماً.
وكانت موجات الهجرة منها ما هو سري وآخر علني لطالما تباهت بها إسرائيل، حيث تمت هذه الهجرات إليها نتيجة "تواطؤ الأنظمة الإفريقية وتسهيل من الأنظمة العربية لهرجتهم"، وفق توصيف بعض المراقبين.
ويقول المتابع للشأن الإسرائيلي محمد صمالحة وهو من عرب إسرائيل لـ"نورث برس"، ان الدولة العبرية عندما استقدمت اليهود الإثيوبيين إليها، قد وعدتهم بأن "هنا أرض العسل ومن حقهم أن يتشاركوا بها ويعيشوا حياة كريمة بعيداً عن الفقر".
ولماّ دخل "يهود الفلاشا" إلى إسرائيل تجلت المفارقات بين القوميات، فباتوا يُنظر إليها من الروس وغيرهم على أساس أنه فقراء وأميون.
"تصفية"
وعلمت "نورث برس" أن نحو ثلاثين يهودياً إثيوبياً قتلوا على يد الشرطة الإسرائيلية على مدار السنوات الماضية، تحت حجج مختلفة تتعلق ب"انفلاتهم"، ولكنها نابعة مما يشعرون إنها الفوقية والعنصرية وحالة التهميش التي يتعرضون لها، كما يعتقد محمد مصالحة.
ويتابع مصالحة "هناك ملفات مفتوحة منذ سنة وأكثر لقتل شبان إثيوبيين اخرين كما في إسرائيل، كما لو انها تصفية"، ويعتبر مصالحة أن محاولات ضابط الشرطة الإسرائيلي لتبرير قتله الشاب الإثيوبي لم تذلل حقيقة مفادها "انه ورّط دولة وأحرقها بفعلته".
ويبين مصالحة أن تظاهرات الإثيوبيين في إسرائيل بمثابة مؤشر خطير على الانهيار الاجتماعي في إسرائيل، حتى أن هناك باحثين إسرائيليين كانوا قد حذروا بوقت مبكر من تفكك إسرائيل من الداخل نتيجة صراع العرقيات، دون أن يحتاج العرب للسلاح ومحاربة إسرائيل.
ويقول مصالحة ان استسهال الشرطي الإسرائيلي للضغط على زناد سلاحه من أجل قتل يهودي إثيوبي ذي بشرة سوداء، دليل على صراع القوميات والأقليات في إسرائيل وما أنتج من تفرقة وعنصرية، "مهما حاول أن يكذب بنيامين نتنياهو أكثر من ذلك"، على حد تعبيره.
أقلية داعمة للحكومة الاسرائيلية
وللمفارقة، فإن هذه المجموعة الإثيوبية تُجلد من الحكومة الإسرائيلية القومية رغم انها من المصوتين الاوائل لها في أي انتخابات.
ولكن، الآن تنمو قيادة شبابية جديدة لليهود الإثيوبيين في إسرائيل وقد تجلّى حضورها خلال التظاهرات الاحتجاجية. وقد رفضت هذه القيادة الشبابية الجلوس مع نتنياهو عندما دعاهم أكثر من مرة في أوقات سابقة ليسمعوا منهم عن مشاكلهم؛ ذلك أنهم مدركون لسماعهم "كلاماً لا فعلاً".
ولهذا يبرز التساؤل الأكبر: بعد هذه الاحتجاجات الغاضبة والعنيفة، هل سنشهد تغييراً في توجهات التصويت في صفوف الإثيوبيين في إسرائيل خلال أي انتخابات قادمة؟… لعلّ انتخابات الكنيست المقررة في أيلول/سبتمبر القادم كفيلة بالإجابة على ذلك.
الواضح أن هناك من الجمهور الإسرائيلي من بدأ يدرك أن كل ذلك سببه الأحزاب القومية واليمينية التي تحكم إسرائيل في العقد الاخير من الزمن.
جيل غير مستعد للصمت
وفي السياق، تناولت الصحافة الإسرائيلية بشكل لافت تظاهرات الإثيوبيين وخلفيتها ودوافعها، فكتبت صحيفة "هآرتس": " في النيابة العامة والشرطة لا يبلغون عن العنصرية ضد اليهود من أصول أثيوبية"، موضحة أن عائلة الأثيوبي الذي قتل في حيفا طلبت عدم الاحتجاج حتى انتهاء أسبوع الحداد.
اما صحيفة "إسرائيل اليوم"، فقد رأت في تحليلها أنه "بدلاً من الاختباء وراء الغضب والإهانة، لا بد من التفكير في الغد". وأوضحت الصحيفة أن توصيات لجنة التحقيق الشُرطية في مقتل اليهودي من أصول أثيوبية، ستُعلن الأسبوع القادم.
بدوره، اكد موقع "واللا نيوز" أن الجيل الجديد من يهود أثيوبيا غير مستعد للصمت أكثر، مشيراً إلى أن الشرطة الإسرائيلية اعتقلت أكثر من 16 متظاهراً إثيوبياً.
ولم تتردد صحيفة "يديعوت احرونوت" حينما استنتجت في تحليلها بأن مظاهرات يهود أثيوبيا أظهرت فشل نتنياهو ووزير داخليته غلعاد اردان في القيادة.
وسلطت صحيفة "معاريف" الضوء على تظلمات يهود أثيوبيا، عبر عنوان رئيسي مفاده: "لا أحد يفهم معنى وجودك داخل مجتمع يرفضك". لكن الصحيفة لم تتردد في القول "إن الشرطي قاتل الفتى الأثيوبي يخشى أن يتحول لضحية الاحتجاجات"، وذلك في إشارة إلى مخاوفه بأن يكون "كبش فدا" لسياسة عنصرية إسرائيلية رسمية.