نهر بلا حياة”.. تلوث وانحسار الفرات بدير الزور يهدد باختفاء أنواع من الأسماك
عمر عبد الرحمن – دير الزور
“كلما ذهبت للصيد أعود خالي الوفاض”، بهذه الكلمات يصف “أبو محمد”، صياد أسماك من المنطقة الشرقية في سوريا، حاله بعد سنوات من الاعتماد على نهر الفرات كمصدر رئيسي للرزق.
ويعتبر نهر الفرات أحد أبرز الأنهار في سوريا، حيث كان يشكل مصدرًا رئيسيًا للثروة السمكية والموارد الطبيعية، فيما شهد النهر في السنوات الأخيرة تدهوراً كبيراً في جودة المياه نتيجة للتلوث الناتج عن الأنشطة الصناعية والزراعية، بالإضافة إلى انخفاض منسوب المياه بسبب التغيرات المناخية والنزاعات العسكرية، وفق ما يقوله صيادو أسماك في دير الزور.
تلوث نهر الفرات
يقول “أبو محمد”، لنورث برس، إن تلوث مياه نهر الفرات ارتفع بشكل ملحوظ مؤخراً، مما أدى إلى نفوق أعداد كبيرة من الأسماك، ولم نعد نستطيع أن نجد الأسماك كما كنا سابقًا، وكلما ذهبت للصيد أعود خالي الوفاض.”
ويضيف أن هذا الوضع مع تلوث المياه، ونفوق الأسماك، وتراجع منسوب النهر حوّلوا مهنته من مورد للحياة إلى عبء يومي، وجعلوه يفكر جديًا بترك الصيد بحثًا عن عمل آخر.
ويشير إلى أن الصيد لم يعد مجديًا ماليًا كما كان في السابق، مضيفاً: “في الماضي، كنت أجني ما يكفي من المال لتأمين احتياجات عائلتي من خلال الصيد، أما الآن فأجد نفسي مضطرًا للبحث عن عمل آخر.”
ويطالب الجهات المعنية بإيجاد حلول مباشرة لإنقاذ ما تبقى من نهر الفرات ليتمكن من العيش من رزقه ومهنته.
ومع انخفاض منسوب المياه والجفاف الذي يهدّد نهر الفرات منذ بضع سنوات، فضلاً عن ارتفاع التلوث والصيد خارج إطار القانون، خصوصاً في مواسم بيض السمك، تراجعت الثروة السمكية تدريجياً، وفق ما يقول الصيّادون.
اختفاء أنواع من الأسماك
يقول مازن النجم، صياد في مدينة الرقة لنورث برس، “قبل سنوات، كان نهر الفرات مليئًا بالأسماك، وكنا نصطاد كميات كبيرة يوميًا، وكانت العائلات تعتمد علينا. لكن الآن الوضع مختلف تمامًا، المياه ملوثة والأسماك نادرة، وأحيانًا نعود دون أي شيء.”
ويضيف “النجم” لنورث برس، أن “بعض الأنواع اختفت تمامًا، كنا نجد سمك الشبوط بكثرة، لكن الآن نادرًا ما نصطادها. والأسماك التي نصطادها تبدو مريضة أو ضعيفة.”
فيما يقول عبود الهرهوت، بائع أسماك منذ 10 أعوام، لنورث برس، “لقد أثر انخفاض منسوب المياه على عملي بشكل كبير. كنا نتلقى كميات كبيرة من الأسماك يوميًا، لكن الآن الكميات انخفضت بشكل كبير، حتى الأنواع الجيدة أصبحت نادرة”.
ويضيف أن الأسعار ارتفعت، والناس لا يستطيعون الشراء كما كانوا يفعلون سابقاً.
ويشير إلى أن الكثير من الصيادين يعانون بشكل كبير، مضيفاً: “ليس الصياد فقط من يعاني، بل نحن أيضًا بائعو الأسماك نعاني جميعًا.”
التغيرات المناخية والنزاعات
يقول عويد طريف، مسؤول في مديرية البيئة بدير الزور لنورث برس، إن “التحديات كبيرة خاصة مع التغيرات المناخية والنزاعات، ومع انخفاض منسوب نهر الفرات وكثرة النفايات التي تُلقى باتجاهه، مما يزيد من تلوث النهر.”
ويضيف: “نحن نسعى جاهدين لتقليل التلوث وزيادة منسوب المياه، فإن ذلك سيساعد على استعادة الحياة النهرية” ، قائلاً: “نحن بحاجة لتعاون الجميع لتحقيق ذلك، وإن الوضع يتطلب جهودًا مشتركة للحفاظ على هذه الموارد الحيوية”.
ويشير إلى أن تهديد جودة مياه نهر الفرات وانخفاض منسوب المياه يمثلان تحديات كبيرة تهدد حياة الصيادين وعائلاتهم، مشدداً بأنه يجب على الحكومة والمجتمع المحلي العمل معًا لحماية الثروة السمكية وضمان استدامتها للأجيال القادمة.
وانخفض منسوب مياه بحيرة الأسد، بحسب منظمة “باكس” للسلام الهولندية غير الحكومية، أربعة أمتار بين عامي 2022 و2023.
وعانت سوريا والعراق خلال السنوات القليلة الماضية من أزمة جفاف واسعة، بسبب النقص الحاد بالتدفقات المائية القادمة من تركيا، الأمر الذي تسبب بمشاكل اقتصادية وصحية للسكان.
ويرى مراقبون أن استمرار تلوث نهر الفرات وانخفاض منسوب مياهه لا يهددان النظام البيئي فحسب، بل يقطعان شريان حياة رئيسي لآلاف الصيادين في سوريا، فالصيد الذي كان مصدر رزق كريم، أصبح اليوم مهنة شبه منقرضة تعجز عن تأمين لقمة العيش.