رغيف من نار الحاجة.. امرأة من القامشلي تحارب الفقر بالتنور
نالين علي – القامشلي
على أطراف الحزام الشرقي لمدينة القامشلي، المتاخمة للحدود السورية التركية، تقف ملكة السيد، وهي امرأة في العقد الخامس وأم لثمانية أطفال أيتام، تحت أشعة الشمس اللاهبة وأمام تنورها الترابي، تصنع أرغفة خبز تحمل في طياتها قصة كفاح وأمل وسط واقع اقتصادي قاسٍ.
لم تكن فكرة خبز التنور جديدة في المنطقة، فهناك أفران في المدينة تعمل في صناعته، فيما اختيار “السيد” لصناعة الخبز وبيعه على أطراف الحزام بجانب الطريق العام لفت أنظار المارة، وخلق لها مساحة صغيرة في ذاكرة سكان المدينة الذين يفضلون هذا النوع من الخبز.
مشروع ذاتي
تقول ملكة السيد (48 عاماُ)، وهي من سكان حي محمقية بمدينة القامشلي وأصلها من القرى المجاورة: “كنت أعمل سابقاً في أحد المعامل، لكن الراتب لم يكن يكفي حاجتنا”.
وتضيف: “أنا ابنة الريف، ونحن نجيد صنع خبز التنور، فقررت أن أبدأ مشروعاً صغيراً بنفسي”.
وتشير “السيد” إلى أنها منذ شهرين شرعت في تنفيذ فكرتها رغم إمكانياتها المحدودة، وصنعت تنوراً من الطين بيديها، ونصبته قرب شارع عام لضمان تدفق الزبائن.

وقبل انتقالها إلى طريق الحزام في القامشلي، كانت تصنع الخبز في المنزل وتبيعه لسكان الحي, لكن البيع كان قليلاً ومحدوداً ضمن إطار الحي, فيما تقول: “هنا على الشارع العام البيع أفضل ومربح أكثر بالنسبة لي”.
وتضيف: “الموقع مهم جداً، هنا الناس يمرون يومياً، وهذا أفضل من البيع في الحي أو الذهاب إلى السوق”.
لكن الطريق لم يكن سهلاً، فارتفاع أسعار الطحين الذي تشتريه بـ 180 ألف ليرة سورية، يحول دون تمكنها من الخبز، قائلة: “في بعض الأيام لا أملك ثمن الطحين، فأضطر للتوقف عن العمل”.
تحديات ومضايقات
وتبدأ “السيد” عملها في الساعة السادسة صباحاً وحتى الظهيرة، ثم تعود مجدداً في الرابعة عصراً لتكمل العجن والخَبز، مضيفة: “أعمل تحت الشمس، لكنني مضطرة ومجبورة اشتغل كتير حتى توفي معي”.
ويساعدها أطفالها في جمع الحطب، فهي لا تستطيع تحمل كلفة شرائه جاهزاً، ومع أن فكرة نصب التنور على الشارع العام أثمرت زيادة في المبيعات، إلا أنها تواجه مضايقات من البلدية، التي طلبت منها أكثر من مرة إزالة التنور.
وتقول “السيد”: “لا أعرف ما المشكلة، فأنا لا أسبب ضرراً، أعمل فقط لإعالة أطفالي”.
ورغم قصر مدة المشروع، إلا أن الخبز الذي تصنعه “السيد” بدأ يجذب الزبائن، كثيرون يفضلونه لأنه مصنوع بيد امرأة، على حد قولها وهو ما يمنحه طابعاً محلياً وأصيلاً.