نورمان العباس – دمشق
يتجه مصرف سوريا المركزي إلى تطبيق سياسة “التعويم المُدار” لليرة السورية، بحسب ما أعلنه حاكم المصرف، عبد القادر حصرية، مؤخراً، في خطوة أشار إلى أنها تهدف إلى تقليل تقلبات سعر الصرف والحد من هيمنة السوق السوداء على تداول العملة الأجنبية.
فما المقصود بالتعويم المُدار لليرة؟ وهل سينجح هذا الأسلوب في كبح وضبط أسعار الصرف في سوريا؟
تدخَل البنك المركزي
يقول الدكتور علي كنعان، عميد كلية الاقتصاد في جامعة دمشق، لنورث برس، إن أنظمة أسعار الصرف العالمية تنقسم إلى نوعين رئيسيين، هما: سعر الصرف المدار، وسعر الصرف غير المدار (الحر) أو ما يُعرف بـ “الصرف النظيف وغير النظيف”.
ويضيف أن سعر الصرف المدار “يعني تدخل البنك المركزي بائعاً أو مشترياً للعملة المحلية عندما يتغير سعرها صعوداً أو هبوطاً، بهدف تحقيق استقرار في سعر صرف العملة الوطنية، وهو ما ينعكس على استقرار اقتصادي عام واستقرار للأسعار”.
ويبيّن أن صندوق النقد الدولي يعتمد كِلا الأسلوبين (المدار وغير المدار)، حيث يُترك تحديد السعر في الحالة الثانية لقوى السوق، أي العرض والطلب، دون تدخل مباشر من البنك المركزي.
ويشدد “كنعان” على أن سوريا حالياً بحاجة إلى نظام سعر صرف مدار، بحيث يتدخل البنك المركزي إذا ارتفعت قيمة الليرة عبر بيع الدولار، أو إذا انخفضت عبر شراء الليرة، للحفاظ على هامش مستقر لتغير السعر.
ويشير إلى أن صندوق النقد يسمح بهامش 2.5 بالمائة إلى الأعلى في الدول المستقرة، بينما يُمنح للدول النامية هامش أوسع يصل إلى 4.5 بالمائة إلى الأعلى.
ويرى عميد كلية الاقتصاد أن هذا النوع من الإدارة يهدف لتحقيق مصالح الاقتصاد الوطني، خاصة ما يتعلق بالصادرات والواردات، مبيناً أن التقلبات الحادة في سعر الصرف تؤثر بشكل كبير على الفئات الفقيرة ومتوسطي الدخل، نتيجة التلاعب بالسوق من قبل المضاربين الذين يشترون الدولار بعد طرح كميات كبيرة من الليرة ثم يتوقفون عن التداول لرفع السعر مجدداً، ما يُلحق الضرر بمدخرات السكان، على حد تعبيره.
ويبين أن تدخل البنك المركزي في هذه الحالة ليس تدخلاً “تشريعياً”، بل هو تدخل نقدي لضبط الهوامش المعترف بها عالمياً، من أجل استقرار سعر الصرف، واستقرار السوق بشكل عام.
“قرار إيجابي مشروط”
يرى محمد قوقس، طالب في السنة الثالثة بكلية التجارة والاقتصاد في دمشق، أن “التوجه نحو التعويم المُدار هو قرار إيجابي، خاصة إذا طُبق ضمن خطة مدروسة”.
ويضيف “قوقس” لنورث برس، أن التقلبات المستمرة في سعر الصرف، نتيجة تصرفات بعض التجار وصرافي الشوارع، أثرت سلباً على ثقة المستثمرين بالبيئة الاستثمارية في سوريا.
في حين، يؤيد حمزة قريش، وهو من سكان دمشق، تدخل البنك المركزي في تحديد سعر الصرف، قائلاً: “سعر الصرف غير ثابت، يوم 8500 ويوم 9000، ويتقلب خلال ساعات”.
ويشير إلى أن هذا التذبذب يؤثر على حركة السوق والإنتاج، ويعطل عملية النهوض الاقتصادي في مرحلة يُفترض أن تشهد استقراراً أكبر، داعياً إلى قرارات حاسمة تجاه صرافي السوق السوداء.
فيما ترى هبة درويش، طالبة في كلية الاقتصاد بدمشق، أن مشكلة السوق السوداء قائمة قبل سقوط النظام، حيث يلجأ السكان إلى الصرافة غير الرسمية عندما يكون سعر السوق أعلى من السعر الرسمي.
وتشير إلى أن تدخل البنك المركزي يُشجع السكان على التصريف عبر القنوات الرسمية، ما يوفّر سيولة نقدية للبنك، معتبرة أن هذا التدخل إيجابي في المرحلة القادمة، داعية إلى تدريب طلاب الاقتصاد على مراقبة حركة العرض والطلب لتحضيرهم لما بعد التخرج.
بينما يرى الخبراء أن التعويم المُدار يمكن أن يشكل أداة فاعلة لضبط سعر الصرف، يظل نجاح هذه السياسة مرهوناً بوجود خطة تنفيذية واضحة، ومتابعة دقيقة للسوق، وتفعيل الرقابة على الصرافة غير الرسمية.