“لا خيار آخر”.. سكان في درعا يبيعون أراضيهم بأسعار رخيصة لإعمار منازلهم المدمرة
مؤيد الأشقر – درعا
بحي المنشية في درعا البلد، يقف عيسى بجبوج أمام منزله الذي عاد ليقف على طابقٍ يتيم، بعد أن كان مؤلفًا من ثلاثة طوابق دمرتها سنوات الحرب.
وكغيره من سكان المنطقة الجنوبية في سوريا، اضطر “بجبوج” لاتخاذ قرار كان يؤجّله على مدى سنوات، وهو بيع جزء من أرضه الزراعية في منطقة المفطرة، حيث باع خمسة دونمات بأقل من قيمتها في السوق، فقط ليتمكن من إعادة تشييد سقفٍ يأوي أسرته، على حد وصفه.
غياب خطة حكومية للإعمار
يقول “بجبوج” لنورث برس: “بعت الدونم بـ 12 ألف دولار، رغم أن سعره الحقيقي يفوق 20 ألفاً، لكن الحاجة كانت أقسى من أن أجادل في السعر، لم يكن هناك خيار آخر”.
ويشير إلى لجوء العديد من سكان محافظة درعا، جنوبي سوريا، إلى بيع أراضيهم الزراعية أو العقارية، بما فيها تلك الواقعة ضمن مناطق يُتوقع أن تشهد توسعاً عمرانياً مستقبلياً، بهدف ترميم منازلهم التي دمرتها الحرب، في ظل انعدام الدعم الحكومي، وارتفاع كبير في تكاليف الإعمار.
ويضيف: “حتى بعد البيع، لم أتمكن من استكمال تشطيب المنزل وتأثيثه، فقد بلغت كلفة بناء طابق واحد قرابة 50 ألف دولار”.
ورغم ذلك يرى سكان محليون أن بيع الأراضي بات الحل الأخير لتأمين كلفة البناء المرتفعة، خصوصاً في ظل غياب فرص العمل وغياب الجهات المانحة عن ملف إعادة الإعمار في الجنوب السوري.
بينما على الرغم من مرور سنوات على توقف العمليات العسكرية، لا توجد حتى اليوم أي خطة حكومية واضحة لإعادة إعمار المناطق المتضررة في درعا. يعتمد السكان بشكل كامل على إمكانياتهم الذاتية أو تحويلات أقربائهم في الخارج، في وقت تتآكل فيه البنية الخدمية، وتغيب التسهيلات الرسمية كالقروض أو المنح.
ارتفاع التكاليف واستغلال الحاجة
إلى جانب المعاناة، تظهر ظاهرة استغلال الحاجة، إذ يتحدث سكان في درعا عن سماسرة وتجار عقارات يشترون الأراضي بأقل من نصف قيمتها الحقيقية، مشيرين إلى أن مناطق مثل المفطرة، البانوراما، والضاحية تشهد حركة بيع نشطة رغم أهميتها الاستثمارية المستقبلية.
فيما اختار عبد الرحيم الراضي، وهو من سكان حي الأربعين، أن يصمد في وجه هذا الواقع الصعب.
ويقول رغم حاجته لإعادة بناء منزله، إنه رفض بيع قطعة أرض يملكها في منطقة البانوراما.
ويضيف أن “الأرض ميراث والدي، وقيمتها تتجاوز 200 ألف دولار، لكن كل من تواصلت معهم عرضوا نصف المبلغ فقط، فرفضت، رغم أنني أعيش اليوم في منزل قديم مؤلف من غرفتين فقط”.
يشير “الراضي” إلى أنه شعر بالإهانة من العروض التي تلقاها، ويضيف: “صحيح أن المعيشة صعبة، لكن لا يمكنني التفريط بما تبقى من تاريخ عائلتي”.
ويحذّر سكان في درعا من أن استمرار هذا الواقع قد يؤدي إلى تفشي العشوائيات، وزيادة الضغط على الخدمات الأساسية، وهو ما سيزيد من تفاقم معاناتهم، ويدفع المزيد منهم إلى بيع ممتلكاتهم، أو التفكير في مغادرة مدنهم وقراهم نحو المجهول.
ويواجه سكان درعا معادلة قاسية، إما سقف فوق رؤوسهم، أو أرض تحت أقدامهم، وفي ظل غياب الدعم الرسمي، واستمرار استغلال الضائقة المعيشية، يظل ملف إعادة الإعمار في الجنوب السوري شاهدًا على معاناة لم تنته بعد.