آثار معروضة على التواصل الاجتماعي.. “شبكات منظمة” يشجع عملها غياب الدولة

حسام شاهين – دير الزور

استأجر محمد العلي (40 عامًا) من سكان ريف دير الزور شرقي سوريا، جهازًا إلكترونيًا لكشف المعادن بعد أن علم من أحد أصدقائه أنه كشف عن وجود علامات تدل على قبر قد يكون أثريًا غربي مدينة البوكمال بنحو13  كيلو متراً.

أجهزة متطورة وشبكات منظمة

يقول “العلي” لنورث برس، إنه استأجر جهازاً بنحو ألف دولار لمدة ثلاثة أيام فقط، لأنه لا يملك ثمنه الحقيقي.

ويضيف: “دفع ألف دولار أجار جهاز الكشف لمدة ثلاثة أيام أفضل من دفع عشرة آلاف دولار خلال الوقت الحالي، وبعد أن أجد شيئًا أثريًا وأبيعه استطيع شراء الجهاز”، وفق قوله.

بالنسبة له، لم يكن الأمر مخالفًا للأخلاق أو القانون، بل اعتبره “حقًا مشروعًا”، داعيًا الآخرين للقيام بالمثل، في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها السوريون.


وتنتشر عمليات التنقيب العشوائي في مناطق دير الزور باستخدام أجهزة إلكترونية متطورة استوردها تجار الآثار من خارج سوريا، وطال التنقيب مواقع أثرية داخل المدينة وخارجها مثل قرى الطريف والمسرب وعياش والخريطة، بالإضافة إلى تلة طابوس في بلدة الشميطية، وامتد البحث عن الكنوز إلى عمق البادية مثل موقع ناظرة قرب جبال البشري.

فيما يقول عبد الجبار الخضر، وهو من منقبي الآثار في دير الزور، إن أكثر ما يجذب المنقبين عن الآثار هو المقابر اليهودية، إذ يدفن مع الرفات الأملاك الثمينة مثل الذهب والتماثيل القيمة والقطع النقدية الأثرية إضافة إلى بعض المقتنيات الثمينة.

ويضيف “الخضر” لنورث برس، أن معظم منقبي الآثار في دير الزور ينظمون نفسهم في مجموعات تتألف من عدة أشخاص بعضهم يقوم بعمليات الحفر والتنقيب وآخرين مهمتهم الترويج للقطع الأثرية وغالبًا ما يكونون موجودين خارج الأراضي السورية لا سيما في لبنان وتركيا.

ويروج منقبو الآثار عبر منصات التواصل الاجتماعي للقطع التي يعثرون عليها لا سيما في تطبيقات فيس بوك وتلغرام وواتس آب، وغالبًا ما يتم تهريبها عن طريق تجار آخرين موجودين في لبنان أو تركيا عبر طرق غير شرعية، وفقًا للمعلومات التي حصلت عليها نورث برس.

ضعف الحكومة بحماية الآثار

ظاهرة التنقيب عن الآثار لاقت رواجًا خلال الآونة الأخيرة في سوريا، وسط غياب شبه كامل للدور الحكومي، وهو ما يعزوه أحد مسؤولي الآثار في مديرية الثقافة بدير الزور، رسلان الغازي، إلى وجود ملفات أخرى أكثر أهمية تعمل الحكومة الانتقالية على التعامل معها لاسيما الوضع الأمني.


وبعد سقوط النظام السابق في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، شهدت مناطق سورية عدة انتشار ظاهرة التنقيب العشوائي عن الآثار في المناطق التي تذخر بالمواقع الأثرية مثل محافظات دير الزور ودرعا وريف دمشق وحمص.

ويقول “الغازي” لنورث برس، إنهم في مديرية الثقافة في دير الزور وجهوا كتبًا رسمية إلى الحكومة السورية حول ضرورة وجود حماية مشددة للمناطق الأثرية سواء في دير الزور أو المناطق السورية الأخرى واتخاذ إجراءات شاملة ومتكاملة، لحماية هذا الإرث التاريخي من النهب والتخريب.
ويشير إلى ضرورة وجود توثيق شامل للمواقع الأثرية في سوريا وإنشاء قاعدة بيانات وطنية لتوثيق الأضرار التي تعرضت لها المواقع الأثرية، واعتماد البرامج التقنية والتصوير الجوي في هذا التوثيق لتبيان الضرر وإصلاحه قدر الإمكان وحماية ما تبقى من الآثار.
كما يشدد على ضرورة تشديد العقوبات على منقبي الآثار داخل سوريا وتتبع القطع الأثرية التي نهبت وصدرت إلى خارج البلاد بالتعاون مع المنظمات الدولة المعنية مثل اليونسكو والانتربول الدولي لإعادتها إلى مكانها الأصلي الذي خرجت منه.
وفي محافظة دير الزور تحوي المنطقة عدة مواقع أثرية يعود بعضها إلى ممالك ما قبل الميلاد مثل مملكة ماري غربي مدينة البوكمال إضافة إلى موقع دورا أوروبوس والذي يحتضن الكنيسة المنزلية التي تُعد أقدم كنيسة معروفة.

كما تحوي المحافظة على قلعتا حلبية وزلبية شمال غرب دير الزور، ويعود تأسيسهما إلى الألف التاسع قبل الميلاد، إضافة لقلعة الرحبة والتي تقع على الضفة الغربية لنهر الفرات قرب مدينة الميادين في محافظة دير الزور.

ورغم تصاعد ظاهرة التنقيب بعد انهيار النظام، إلا أن هذه الظاهرة ليست جديدة، إذ مارسها سابقًا كل من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) والفصائل الموالية لإيران، وكان لهما دور فاعل في نهب المواقع الأثرية خلال السنوات الماضية، بحسب رسلان الغازي أحد مسؤولي الآثار في مديرية الثقافة بدير الزور.

تحرير: خلف معو