نورمان العباس – دمشق
أثار القرار الأخير الصادر عن مصرف سوريا المركزي، والذي يُلزم المؤسسات المالية بضمان حق العملاء في السحب الكامل من حساباتهم الجارية وودائعهم لأجل بجميع العملات دون قيود على المبالغ أو توقيت السحب بدءاً من 5 تموز/ يوليو 2025، نقاشاً واسعاً في الأوساط الاقتصادية.
وبحسب التعميم الصادر في الثامن من أيار/مايو الفائت، يحق لأصحاب الحسابات الجارية وودائع الأجل سحب أموالهم كاملةً أو جزئياً في أي وقت، بغض النظر عن المبلغ، كما يتوجب على المصارف تلبية طلبات كسر الودائع قبل تاريخ استحقاقها فوراً، مع تطبيق الإجراءات القانونية مثل خصم الفوائد المتفق عليها.
قيود سابقة
رغم أن البعض اعتبر القرار خطوة إيجابية باتجاه معالجة أزمة السيولة، إلا أن آخرين رأوا فيه محاولة لإعادة بناء الثقة بالمصارف أكثر من كونه حلاً فعلياً للأزمة، خصوصاً أنه ينطبق على الودائع الجديدة دون أن يشمل الحسابات القديمة التي ما تزال خاضعة للقيود السابقة.
يرى محمد علايا، من سكان دمشق، أن قرار البنك المركزي الأخير يُعد خطوة إيجابية في المرحلة الأولى، لما له من أثر في إعادة ثقة المواطن بالبنك وتحقيق ضخّ السيولة في ذات الوقت.
ويضيف أن المواطن السوري عاش سابقاً في أجواء من الضغط والأوهام، إلا أن هذه الخطوة “تبشر ببداية جيدة”.
ويشير “علايا” إلى أن من حق السكان أن يستعيد أمواله المودعة في البنك متى أراد، معتبراً أن قرار البنك المركزي يعكس جدية في التطبيق واستعادة الثقة.
كما يلفت إلى أن استرجاع ثقة السكان سيساهم في تحفيزه على إيداع مدخراته في البنوك بدلاً من الاحتفاظ بها على شكل ذهب، شرط ألا تُفرض عليه قيود في عمليات السحب.
تحفظات وتحديات
يعرب سمير يونس، من سكان دمشق، عن تحفظه على آلية تقسيط السحوبات من قبل البنك، مشيراً إلى أن قيام البنك بصرف مبالغ على دفعات، في حين يكون لدى التاجر مليارات داخل البنك، أمر غير مقبول.
لكنه في الوقت ذاته يدعو إلى مراعاة وضع البنك الحالي، مضيفاً: “أن مرحلة التحرير لم يمضِ عليها سوى بضعة أشهر، وبالتالي فإن استعادة السيولة تحتاج إلى بعض الوقت”.
وبعد سقوط نظام الأسد نهاية العام المنصرم، خُفضت العقوبات الاقتصادية على العديد من القطاعات السورية بما فيها البك المركزي.
أما سعيد عبود، من سكان دمشق، فقد روى تجربته مع البنك التجاري، حيث يقول إنه انتظر لمدة تقارب ست ساعات، لتخرج المديرة وتعلن: “ما في مصاري”، على حد تعبيره، مبيناً أنهم كانوا يمنحون المواطنين مبلغ 200 ألف ليرة فقط، ثم تم رفع المبلغ لاحقًا إلى مليونين.
بدوره، اعتبر المحامي حميد قبلان أن قرار البنك يُمثل خطوة مهمة، رغم التحديات التي تمر بها البلاد.
ويضيف أنه “طالما أن الصورة باتت أوضح، فإننا نُقدّر الموقف”، مشددًا على ضرورة تسهيل الإجراءات في مختلف المجالات، خصوصاً في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، بما يُمكّن المواطن من الاستثمار لتدور عجلة الاقتصاد.
حبس السيولة
بينما يصف الدكتور والخبير الاقتصادي ياسر المشعل، لنورث برس، القرار بأنه إيجابي من حيث المبدأ، لكنه أعرب عن تحفظه بناءً على تجارب سابقة مشابهة لم تؤدِّ إلى نتائج ملموسة.
ويشير إلى أن الثقة بالسياسات النقدية والبنك المركزي موضوع شائك لا يعالج بقرار منفرد، بل من خلال معالجة شاملة لجميع الملفات المرتبطة بالسيولة وحرية التصرف بالأموال.
ويتساءل المشعل: “كيف يمكنني التعامل مع مصرف يتبنى مبدأ حبس السيولة؟ وماذا عن الودائع القديمة؟ والأموال المحجوزة في منصة تمويل المستوردات التي لم تُردّ إلى أصحابها حتى اليوم؟”، مؤكداً أن تجاهل هذه التراكمات سيجعل أي قرار جديد قيد الانتظار إلى حين معالجة الإشكالات السابقة.
ويشدد الخبير الاقتصادي على أن بناء سياسة نقدية سليمة يتطلب تكامل السياسات الاقتصادية، لافتاً إلى أن البنك المركزي لا يمكنه العمل بمعزل عن وزارات أخرى مثل المالية والاقتصاد.
ويضيف أن استعادة الثقة بالمصرف المركزي هي جزء من استعادة الثقة بالحكومة ككل، ولا يمكن عزل السياسات عن بعضها البعض، إذ ترتبط قضايا مثل الخبز، وسعر الصرف، وتوفر الوقود، ضمن منظومة واحدة تتطلب معالجة متكاملة.
ويشدد المشعل على الحاجة إلى إعلام اقتصادي فعّال، مشيراً إلى غياب الناطقين الرسميين باسم الوزارات والمؤسسات المالية، ما يُبقي المواطن في دائرة الغموض، رغم أن الشفافية باتت ضرورة، مضيفاً: “حتى أنا كخبير اقتصادي لا أعلم ما الذي يجري داخل المصرف المركزي ولا أحد يعلم، هل سياسة حبس السيولة مقصودة أم لا؟.. لا أحد يعرف.”
ويرى الخبير الاقتصادي أن غياب المعلومة الاقتصادية والوضوح من أبرز الإشكالات القديمة، مشدداً على ضرورة “معالجتها على الفور لوضع المواطن الذي صبر سنوات طويلة بصورة ما يحدث”.