سياسيون وباحثون سوريون: حل العمال الكردستاني يعيد ترتيب المشهد السياسي والأمني بالمنطقة
أحمد كنعان – دمشق
في خطوة وصفت بـ “المفصلية”، أعلن حزب العمال الكردستاني عن حل نفسه وإنهاء الكفاح المسلح، في سياق مبادرة سلام تركية – كردية، وهو القرار الذي أثار ردود فعل سياسية حول تداعياته على مستقبل العلاقات في المنطقة، خاصة بين الإدارة الذاتية ودمشق، وكذلك بين الإدارة الذاتية وتركيا.
والاثنين الفائت، أصدر حزب العمال الكردستاني، البيان الختامي لمؤتمره الثاني عشر والذي عقد في الفترة الممتدة بين 5 -7 أيار/ مايو الجاري، وجاء ضمن قرارات المؤتمر، حلّ الهيكلية التنظيمية للحزب وإنهاء الكفاح المسلح.
وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عقب اجتماع لمجلس الوزراء في أنقرة، إن القرار “يمثل خطوة بالغة الأهمية”، واعتبره “نقطة تحول مهمة نحو مساعي أنقرة لبناء دولة خالية من الإرهاب”.
وبدأت عملية السلام الجديدة بمبادرة من رئيس حزب الحركة القومية التركي، دولت بخجلي، أواخر العام الفائت، وفي شباط/ فبراير الماضي، أعلن قائد العمال الكردستاني، عبدالله أوجلان، وهو الزعيم الكردي المعتقل منذ عام 1999، عبر خطاب وصف بـ “التاريخي” الانخراط في عملية السلام مطالباً بحل الحزب لنفسه.
دمشق – أنقرة – القامشلي
يرى محمد الشماع، وهو كاتب سوري ورئيس “تيار الوعي”، أن قرار العمال الكردستاني من شأنه أن يعيد ترتيب العلاقات السياسية والأمنية في المنطقة.
ويقول “الشماع” لنورث برس: “إن إزالة هذا العامل الخارجي قد يفتح المجال أمام مفاوضات أعمق وأكثر واقعية بين الإدارة الذاتية ودمشق، حيث تصبح الأولويات أكثر ارتباطًا بالمصلحة الوطنية بدلاً من الحسابات السابقة”.
ويشير إلى أن تركيا قد تعيد تقييم استراتيجيتها الأمنية، بالتحول نحو التفاهمات السياسية مع الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا وقوات سوريا الديمقراطية “قسد” بدلًا من المواجهة العسكرية المباشرة.
لكنه يحذر من أن “أي عملية سلام تحتاج إلى ضمانات تُلزم جميع الأطراف، وتمنع إعادة إنتاج الأزمات القديمة بشكل مختلف. بدون بناء إطار سياسي جديد، لن يكون لهذا القرار تأثير جوهري على استقرار المنطقة”.
تطورات إقليمية وتدخلات أميركية
من جانبه، يرى الدكتور رياض العيسمي، وهو باحث استراتيجي وأستاذ في جامعة تروي الأميركية، أن هذا القرار جاء في سياق تطورات إقليمية بدأت منذ مطلع هذا القرن، مع أحداث 11 أيلول 2001 وما تلاها من تدخلات أميركية في المنطقة تحت عنوان “الحرب على الإرهاب”.
ويضيف “العيسمي” أن تركيا كانت لاعبًا محوريًا في مشروع “الشرق الأوسط الكبير” الذي سعت واشنطن إلى تنفيذه، مشيرًا إلى أن المشروع فشل لأسباب عدة، أبرزها تعقيد القضيتين الفلسطينية والكردية.
يشير “العيسمي” إلى أن عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للبيت الأبيض في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، وما تلاها من تطورات وسقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد في 8 كانون الاول/ ديسمبر 2024، نتيجة توافق دولي وإقليمي، كانت الولايات المتحدة وتركيا رأس الحربة فيه”.
ويشدد أن هذا التغيير فتح المجال لترتيبات جديدة، تشمل ترسيم الحدود مع إسرائيل، وإعادة هيكلة سوريا إداريًا، مشيرًا إلى أن القرار بحل حزب العمال الكردستاني جاء نتيجة ضغط أميركي مباشر لتسهيل مساعي ترامب في مشروع “السلام الإبراهيمي”.
وفي وقت سابق من أمس الأربعاء، التقى الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع، في العاصمة السعودية الرياض، وذلك في أول لقاء بين رئيسي سوريا وأميركا بعد 25 عاماً من آخر لقاء.
وقال متحدث باسم البيت الأبيض، يوم أمس، إن “الرئيس الأميركي دونالد ترامب، طلب من الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع عدد من الطلبات الملحة من بينها ترحيل الفصائل الفلسطينية التي تصنفها واشنطن إرهابية”.
وأضاف أن “ترامب أبلغ الشرع بضرورة مساعدة أميركا في منع عودة تنظيم الدولة الإسلامية داعش”، والانضمام للاتفاقيات الإبراهيمية مع إسرائيل.
ويقول “العيسمي” إن العمل جارٍ على إعادة ترتيب سوريا الإدارية بما يساعد على ترتيب العلاقة الجديدة مع إسرائيل والتي تحاول تقاسم مناطق النفوذ مع تركيا بعد إخراج إيران من الساحة السورية.
إعادة هيكلة المنطقة
في السياق ذاته، يعتبر الإعلامي والسياسي السوري بشار عبود، أن رفع العقوبات عن سوريا كان إحدى أبرز تداعيات هذا القرار.
يقول “عبود” لنورث برس: “إن واحدة من أهم تداعيات حل حزب العمال الكردستاني ما شهدناه اليوم من إنجاز بالقرار التاريخي الذي أطلقه ترامب من الرياض برفع العقوبات عن سوريا”، وفق قوله.
ويضيف: أنه “لا يمكن الآن الفصل بين قضايا دول الشرق الأوسط، فجميعها متعلقة ببعضها. وهذا سينعكس بشكل ملموس على العلاقة بين قوات سوريا الديمقراطية والدولة السورية”.
ويشير إلى أن القرار يمثل بداية جديدة في العمل السياسي والحقوقي: “لقد أدرك السيد أوجلان أن ظروف المنطقة تتغير، وكان لا بد من اتخاذ قرار تاريخي قبل فوات الأوان”.
ويضيف: أن “القرار سيؤسس لمفهوم جديد في إدارة الصراعات في الشرق الأوسط، ويكسر شوكة الطائفية والقومية، ويجعل الصراع قائمًا على المصالح”.
ويأتي قرار حل حزب “العمال الكردستاني” في توقيت حساس، ويبدو أنه جزء من ترتيبات إقليمية ودولية واسعة، تشمل إعادة هيكلة المنطقة سياسيًا وجغرافيًا.
وبينما يرى بعض السياسيين فيه فرصة لبناء السلام، يحذر آخرون من أن غياب الضمانات قد يعيد إنتاج الأزمات بصيغ جديدة، لكن الجميع يتفق على أن هذه الخطوة تمثل بداية لتحول كبير قد يرسم مستقبل الشرق الأوسط لعقود قادمة.