السويداء.. خلافات وانقسامات سياسية وقلق أمني متزايد
السويداء – نورث برس
بعد مرور خمسة أشهر على سقوط نظام الأسد، لا تزال السويداء جنوبي سوريا، تشهد حالة من التباين والانقسام في المواقف السياسية، وسط محاولات من القوى الفاعلة لاحتواء الأزمة وتوجيه المسار نحو دولة مدنية جامعة، رغم حالة الفوضى والتخبط التي تعيشها البلاد.
فوضى سياسية وتباين في التوجهات
يرى الشيخ يوسف جربوع، أحد شيوخ عقل طائفة المسلمين الموحدين الدروز، أن حالة الفوضى التي تشهدها السويداء حالياً هي انعكاس مباشر للوضع السوري العام، في ظل غياب رؤية واضحة وتشتت في التوجهات السياسية.
ويقول “جربوع” لنورث برس: إن “هذه التباينات لا تزال ضمن الحدود المقبولة، ولكن يُخشى من تصاعدها مستقبلاً فتصل إلى ما لا يُحمد عقباه”.
ويشير إلى أن التنوع في الآراء يمثل “حالة صحية”، مشدداً أن التنمية وبناء الدولة لا يمكن أن يتم برأي واحد، بل من خلال الحوار والتفاهم.، على حد تعبيره
ويُجمع عدد من الشخصيات المحلية على أن الانقسام في السويداء ليس وليد اللحظة، بل امتداد لانقسامات سابقة ظهرت خلال حراك عام 2023.
ويرى الناشط المدني معن العفلق، أن هذا الانقسام بدأ مع اختلاف أهداف المشاركين في الحراك بين من رفعوا مطالب وطنية، وآخرين سعوا لتقويض الدولة رفضاً للمحاسبة على انتهاكات سابقة.
وتؤيده في الرأي المحامية عليا القنطار من السويداء، حيث تقول لنور برس، إن “هناك فئة خرجت بمطالب وطنية تمثل أهداف الثورة، وفئة أخرى تطالب بتدخل خارجي أو لامركزية موسعة تصل حد الانفصال، ونحن نرفض ذلك تماماً”.
فيما يعزو الدكتور نضال أبو صبح، عضو في التجمع المهني في السويداء، الانقسام إلى طريقة سقوط النظام، وما تبعه من صعود “الحكومة الجديدة” المدعومة من “هيئة تحرير الشام”، ما عزز الانقسام بين تيار يرى فيها فرصة لبناء دولة مدنية، وآخر يرفضها كسلطة أحادية ذات نهج ديني متشدد، على حد وصفه.
وتنقسم السويداء ذات الغالبية الدرزية إلى ثلاث تيارات متباينة في الرؤى، التيار الأول يطالب باللامركزية مع الحفاظ على العلاقة مع دمشق وهذا التيار يقوده الشيخ حكمت الهجري، وهو التيار الأقوى والمرجعية في اتخاذ القرارات، والثاني يدعو إلى الاندماج الكامل مع الحكومة الانتقالية، والتيار الآخر يدعو إلى نموذج فيدرالي مستوحى من تجربة شرق الفرات”، حسبما أفاد جمال درويش عضو مؤتمر الحوار الوطني في السويداء في تصريح سابق لنورث برس.
الحكومة الجديدة بين الرفض والتحفّظ
يشير “جربوع” إلى وجود تواصل بين المحافظة ودمشق عبر محافظ السويداء الدكتور مصطفى البكور، إلى جانب تمثيل وزاري لأبناء المحافظة، معتبراً أن “المطالب لم تُلبَّ بالكامل لكنها تبقى ضمن حدود مقبولة في الظروف الراهنة”.
أما “العفلق” فينتقد غياب أي تطمينات حقيقية من الحكومة الجديدة قائلاً: “حتى الآن لم تقدّم ما يبعث على الطمأنينة، بسبب الضغوط الدولية ومصالح إسرائيل”.
بينما يدعو الدكتور أبو صبح إلى منح الحكومة فرصة لتثبت قدرتها على الانتقال من صيغة اللون الواحد إلى حكومة وطنية تعددية، محذّراً من أن سقوطها قد يؤدي إلى “تفتيت الدولة السورية وتحويلها إلى كانتونات”.
وفي 13 آذار/ مارس، توصّل الزعيم الروحي للطائفة الدرزية في سوريا، حكمت الهَجري، إلى “تفاهم من 10 بنود” مع الإدارة الانتقالية في دمشق، استهدفت غالبيتها “تسيير المؤسسات”، والقضايا التي يسعى أبناء المحافظة إلى معالجتها.
ووسط تحفظات زعامات دينية وسياسية، توصلت تشكيلات عسكرية في السويداء إلى اتفاق مع السطات السورية لتحديد شكل العلاقة بين الطرفين، ومن بين هذه التشكيلات “حركة رجال الكرامة”، الفصائل المنضوية في “مضافة الكرامة”، التي يتزعمها ليث البلعوس وفصيل “أحرار جبل العرب” الذي يقوده الشيخ سليمان عبد الباقي.
فيما يطالب تيار الشيخ الهجري مع الفصائل العسكرية المؤيدة له بضمانات محددة قبيل الانخراط الكامل مع دمشق، كما طالب هذا التيار قبيل توقيع الاتفاق، بتدخل دولي لضمان دولة مدنية وفصل للسلطات في سوريا.
وفي 23 من شهر آذار/ مارس الماضي، أعلن ناشطون وناشطات، عن تشكيل “التجمع المدني في السويداء”، ليكون “منصة سلمية تعمل على تعزيز صوت المواطن السوري في مراكز صنع القرار”، بحسب القائمين على التجمع.
وسبقه بنحو شهر إعلان تشكيل مجلس سياسي بهدف “طرح رؤية سياسية، أمنية واقتصادية تمثل رؤية المنطقة في سوريا الجديدة، ويسعى لتمثيل فصائل ومشايخ ومثقفي وسياسي السويداء”، بحسب قياديين في المجلس.
أمن غائب وقلق الأقليات
يجمع المتحدثون على أن عودة الأمن والأمان هي المطلب الأول لسكان السويداء، إذ يشدد “جربوع” على ضرورة الاستقرار الأمني لتحفيز الاستثمار وتحريك عجلة الاقتصاد.
فيما ترى “القنطار” أن غياب “الضابطة العدلية” وتشدد الفصائل المسلحة يعرقل فرض القانون، قائلة: “لا يمكننا التأقلم مع فوضى السلاح، ويجب محاسبة الخارجين عن القانون، وهم ذاتهم من كانوا محميين في عهد النظام البائد”.
بينما يرجح الدكتور أبو صبح، أن تنجح السويداء في تجاوز المرحلة الحالية نحو دولة المواطنة، لطالما كانت السويداء حاضنة للتيارات الديمقراطية والعلمانية، قائلاً: “السويداء لا ترفض الآخر ولا تحتضن الفكر المتطرف، وما يجري حالياً هو وضع آني لن يستمر”.
وخلصت المحامية القنطار إلى أن الحل يكمن في “التواصل مع دمشق لتصحيح الأخطاء، وإن اضطررنا للمطالبة بتغيير الحكومة، لكن دون الانفصال عن سوريا”.
والأربعاء الفائت، بحسب المرصد السوري لحقوق الأنسان، لقي 13 شخصاً حتفهم في اشتباكات ذات خلفية طائفية في بلدة صحنايا قرب دمشق والتي يقطنها سكان من الأقلية الدرزية. يأتي هذا إثر اشتباكات مماثلة في مدينة جرمانا المحاذية لدمشق أيضاً، خلفت 17 قتيلاً عقب انتشار تسجيل صوتي نُسب لدرزي يسيء فيه للنبي محمد.
فبعد مرور نحو شهرين على الأحداث الدموية في الساحل السوري والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 1700 مدني، معظمهم من العلويين، بحسب المرصد، تذكّر الأحداث الأخيرة المعاناة والشعور بعدم الأمن لدى الأقلية الدرزية في سوريا ما بعد الأسد، وحيرتهم بين ولائهم للوطن من جهة ويد إسرائيل المدودة لهم من جهة أخرى.
وتقف السويداء اليوم عند مفترق طرق حساس بين الانقسام الداخلي والفوضى السياسية، ورغم التباين في المواقف والخيبة من الأداء الحكومي حتى الآن، تبقى الأصوات الداعية للحوار، التعدد، والوحدة الوطنية هي السائدة، في محافظة عُرفت تاريخياً بمواقفها المعتدلة ورفضها للتطرف.
وفي ظل غياب حلول مركزية حقيقية، يُراهن الكثير من أبناء السويداء على وعي الشارع المحلي، وضرورة فرض سلطة القانون وتفعيل العدالة، كخطوة أولى في طريق استعادة الاستقرار وبناء مستقبل مشترك، لا يستثني أحداً ولا يفرّط بوحدة البلاد.