دمشق.. هل يستهلك الاستيراد الزراعي محصول سوريا المحلي؟

نورمان العباس – دمشق

يعتبر القطاع الزراعي في سوريا أحد الركائز الأساسية للاقتصاد الوطني، ومع تزايد التحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد، يُطرح تساؤل حول كيفية تأثير السماح بالتوسع في استيراد المنتجات الزراعية من الأردن وتركيا على هذا القطاع، وهل سيؤدي ذلك إلى منافسة غير عادلة للمزارعين السوريين ويزيد من الأعباء الاقتصادية على القطاع الزراعي المحلي؟

“منتجنا المحلي أولى بالدعم”

يصف سكان في دمشق آراءهم تجاه سياسة استيراد المنتجات الزراعية، معتبرين أن التوسع في الاستيراد قد يؤثر على الاقتصاد المحلي، وخصوصاً على المزارعين السوريين الذين يواجهون تحديات كبيرة في ظل الظروف الراهنة.

يقول محمد قندقجي، وهو من سكان دمشق، لنورث برس: “لدينا منتج زراعي ضخم ومتنوع، فلماذا نستورد من تركيا أو الأردن؟ هذا الأمر يضر المزارعين السوريين ويهدد دخلهم”، داعياً إلى تخفيف الاستيراد ودعم الإنتاج المحلي.

في حين يرى مازن الخطيب، من سكان دمشق، أن المحصول السوري يتمتع بجودة عالية، وخاصة القمح والحمضيات التي تشتهر بها سوريا، مشيراً إلى أن دعم المنتج الزراعي المحلي أفضل من إنعاش اقتصاد الدول المجاورة على حساب السوريين.

ويدعو “الخطيب” الحكومة باتباع سياسة جديدة تهدف إلى تحسين أوضاع المزارعين المحليين، قائلاً: “إن اعتمادنا على المنتج المحلي يفيد اليد العاملة السورية وينعش الاقتصاد”.

فيما يقول فراس المغربي، من سكان دمشق، لنورث برس، إن نسبة كبيرة من المزارعين تضرروا جراء فتح باب الاستيراد، مشيرًا إلى أن المزارع السوري يعتني بمحصوله ويحتاج إلى دعم الدولة، سواء عبر تزويده بالأسمدة أو تخفيف أعباء الإنتاج، ليتمكن من الاستمرار والمساهمة في تحريك عجلة الاقتصاد.

بينما يرى نور الدين آغا أن فتح الاستيراد لا يعني  إضعاف المنتج الوطني، بل يمكن أن يخلق تنوعاً في السوق ويؤدي إلى خفض الأسعار، مما يصب في مصلحة المواطن.

ويشير إلى أن وجود منافسة بين المنتج المحلي والمستورد يحفز الصناعيين والمزارعين السوريين لتحسين جودة منتجاتهم، أما حصر السوق بمنتج واحد قد يؤدي إلى الركود وغياب التحسين.

“الاستيراد العشوائي خطأ حكومي”

يقول الدكتور تيسير المصري، أستاذ الاقتصاد في جامعة دمشق، لنورث برس، إن سوريا تعيش منذ سنوات في حالة من التدهور الاقتصادي، مشيراً إلى أن مستويات المعيشة انحدرت بشكل غير مسبوق، حيث تُظهر بعض الإحصائيات أن نحو 90 بالمائة من السكان أصبحوا تحت خط الفقر.

ويرى “المصري” أن هذا الرقم يُعد مؤشراً واضحاً على تدهور الوضع الاقتصادي العام، خاصة مع تراجع الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 1.5 بالمائة، وهو ما لا يكفي لتغطية الاحتياجات الأساسية للبلاد.

ويشير إلى أن نحو 12.5 مليون مواطن سوري باتوا يعيشون في ظروف معيشية قاسية، وغالبيتهم يعملون في القطاع الزراعي، الذي تراجع بدوره نتيجة الدمار الذي طال العديد من المشاريع الزراعية والصناعية، فضلاً عن التعديات وغياب الأمن الذي حال دون تعافي هذا القطاع .

وتطرق الدكتور المصري إلى قضية الاستيراد، منتقداً ما وصفه بالاستيراد الزراعي العشوائي الذي شهدته البلاد خلال الأشهر الأخيرة.

ويبين أن سوريا انتقلت من حالة انغلاق إلى حالة انفتاح غير مدروس، ما أدى إلى تدفق كميات كبيرة من المنتجات الزراعية الأجنبية دون التقيد بأي روزنامة زراعية، الأمر الذي ألحق ضرراً بالغاً بالمزارعين والمنتجين المحليين، وتسبب في توقف العديد من الأنشطة الزراعية، على حد تعبيره.

ويقول الخبير الاقتصادي، إن من أبرز تداعيات الاستيراد العشوائي الضغط على العملة الوطنية، إذ يتطلب الاستيراد شراء الدولار مقابل الليرة السورية، ما يؤدي إلى زيادة الطلب على الدولار وزيادة المعروض من الليرة، وهو ما ساهم في تدهور سعر الصرف وأضعف القوة الشرائية لليرة السورية بشكل كبير.

ويحذر من أن الاستيراد العشوائي يمثل خطأ استراتيجياً فادحاً، لأن أضراره تفوق فوائده، في ظل غياب سياسة اقتصادية واضحة تحدد ما يجب استيراده ومتى وكيف، دون الإضرار بالمنتج المحلي.

ورغم إشارته إلى أن الحكومة الحالية لا تزال جديدة وقد يكون فتح باب الاستيراد لفترة قصيرة أمراً مبرراً، إلا أن الاستمرار في هذه السياسة دون ضوابط يُعد خطأ كبيراً يجب تداركه في أسرع وقت ممكن.

تحذيرات من التوسع غير المدروس

 في حين يحذر الدكتور مجدي الجاموس، أستاذ  في كلية الاقتصاد، من سياسة الحكومة الحالية في التوسع غير المدروس في استيراد المنتجات الزراعية، مؤكداً أن ذلك يشكل تهديداً مباشراً لدخل المزارعين السوريين.

ويضيف أنه “عندما يفقد المزارع مصدر رزقه، يصبح من السهل أن يهجر الزراعة ويتحول إلى مهن أخرى، ما يؤدي لتراجع خطير في الإنتاج الزراعي المحلي”.

ويشير “الجاموس” إلى أن إدخال منتجات زراعية مستوردة يفقد القطاع الزراعي السوري استقلاليته، ويجعله رهينة لتقلبات الأسواق العالمية، وهو أمر غير معتاد في البنية الاقتصادية السورية.

ويدعو إلى فرض رسوم جمركية أعلى على المنتجات المستوردة من الدول المجاورة مثل تركيا والأردن، لحماية المنتج المحلي، لاسيما في ظل ارتفاع تكاليف الطاقة والنقل، وتدهور البنية التحتية، مما يرفع من تكلفة الإنتاج المحلي.

كما يبين “الجاموس” أن إدخال منتجات أرخص من الخارج في هذه الظروف سيؤدي إلى إضعاف الزراعة والصناعة الوطنية، وهو خطر يهدد الاقتصاد الوطني، في وقت نحن أحوج فيه إلى دعم اقتصادنا وتعزيز المنتج المحلي لا إغراقه بالمنافسين.

ويلفت الخبير الاقتصادي إلى أن معظم دول العالم تدعم قطاعها الزراعي باعتباره الأساس في تحقيق الأمن الغذائي، مشيراً إلى أن القطاع الزراعي يشكل نحو 28 بالمائة من الناتج المحلي السوري، بحسب تقديرات البنك الدولي، كما أن نصف صادرات سوريا في عام 2024 كانت من المنتجات الزراعية.

وفي ظل العقوبات والأزمة الاقتصادية، والتحديات الإقليمية والدولية، فإن القطاع الزراعي في سوريا هو الأكثر تهيئة للصمود، بحسب خبراء اقتصاد.

تحرير: خلف معو