أحمد كنعان – دمشق
دخلت اللغة الكردية عالم الدوبلاج (استبدال صوت بآخر) في سوريا قبل سقوط نظام بشار الأسد بعدة أشهر وكانت تمارس بصمت وسرية تامة خوفاً من الملاحقات الأمنية المعروفة المتعلقة بأي نشاط يمارس باللغة الكردية.
وكانت اللغة الكردية في سوريا محظورة لعقود خلال حكم الأسدين، ومع سقوط النظام السابق في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر الماضي، صار الوضع أكثر أريحية، ولكن المعاناة مازالت قائمة.
مخاوف أمنية
يقول عز الدين أبو القاسم، وهو حفيد الممثل السوري الراحل عبد الرحمن أبو القاسم وأحد مدراء شركة “أبو القاسم” لدبلجة الأعمال الدرامية، لنورث برس، “بدأنا العمل بالدبلجة إلى اللغة الكردية أيام النظام السابق واصطدمنا بمخاوف بعض الممثلين من الملاحقات الأمنية لأنهم سيمثلون باللغة الكردية”.
ويضيف أنه “بعضهم سألنا عن ماذا يمكن أن ينتج عن عملهم معنا وحتى عن قصة المسلسل الذي سيعملون وكنا نطمئنهم بأننا نعمل داخل الاستديو ولن يعرف أحداً بالأمر واستطعنا تذليل هذه الصعوبة التي شكلت تحدياً كبيراً لنا كأول شركة تقوم بالدوبلاج إلى اللغة الكردية”.
وازدهرت دبلجة الدراما في العام 2004 من خلال دبلجة المسلسلات التركية التي حظيت بحسب مراقبين بمتابعة جماهيرية، لكن سمعتها وصفت بالسيئة بين أوساط النقاد.
وعقب قرار مجموعة قنوات “إم بي سي” السعودية إيقاف عرض المسلسلات التركية المدبلجة عام 2018، توجهت شركات الدوبلاج بشكل أكبر إلى المسلسلات الفنزويلية والمكسيكية والبرتغالية.
ويشير شقيقه عمر أبو القاسم وهو يدير معه شركة “أبو القاسم” للدوبلاج، إلى أنهم افتتحوا الشركة في العام 2012 وانتقلت من منطقة المجتهد إلى جرمانا عام 2020، وأنتجت الشركة العديد من الأعمال المدبلجة الى العربية ومن ثم اقتُرح على الشركة أن تنتج أعمالاً مدبلجة إلى الكردية.
ويقول لنورث برس، إن هذا الاقتراح “كان أشبه بالمغامرة وكنا ندرك حجم التعب الذي ينتظرنا ولكننا كنا نملك الشغف الكافي فنحن نعمل بالمهنة منذ سنوات وفوراً توجهنا إلى الفنانين الكرد المعروفين من ممثلين ومخرجين ومسرحيين”.
ويضيف: “وجدنا تجاوباً كبيراً منهم وحماساً واندفاعاً قوياً لأنهم سيعملون بلغتهم الأم وعلى رأسهم الفنان عدنان عبد الجليل الذي بذل جهوداً كبيرة بتأمين الكادر المطلوب، واعتمدنا على طلاب جامعات كما عملت معنا عائلات بأكملها”.
وبالإضافة إلى مشاكل الدوبلاج بشكل عام حيث يجب على الممثل اختصار فن التمثيل كاملاً بالأداء الصوتي فإن الدوبلاج إلى اللغة الكردية يعاني من قلة الممثلين الناطقين بالكردية المتواجدين في دمشق.
اللهجة المعتمدة والتحديات
يقول مدير الشركة إن اللهجة الكردية المعتمدة لدبلجة هذه الأعمال هي اللهجة الكرمانجية حصراً “لأنها مفهومة من أغلب الكرد وتشكل ما يمكن تسميته باللهجة البيضاء”.
وينطق الكرد في سوريا وتركيا وجزء من العراق باللهجة الكرمانجية، بينما السورانية معتمدة بشكل كبير في إقليم كردستان العراق وقسم كبير من الكرد في إيران.
ويشير إلى أن الأعمال التي يتم دبلجتها إلى الكردية متنوعة فمنها الإيرانية والتركية والكورية وغيرها، لافتاً أنه “كانت هناك أعمالاً ناجحة جداً وخصوصاً المدبلجة عن التركية”.
ويقول الممثل والمشرف الفني الفنان خوشناف ظاظا، لنورث برس، إن “الدوبلاج عموماً فيه صعوبات بغض النظر إلى أي لغة، وتكمن هذه الصعوبة بأنه يجب على الممثل أن يعبر من خلال صوته فقط عن كل الحالات النفسية كالخوف والجسدية كالضرب”.
ويضيف أنه كما يجب على الممثل المدبلج أن يلاحق إحساس الممثل في العمل الأصلي ويجسد إحساسه أو يقترب منه.
ويشير إلى أنه في الدوبلاج للغة الكردية أضيفت مسألة العدد القليل للممثلين الكرد وغير الكرد الذين يتقنون اللغة الكردية من أبناء محافظة الحسكة المتواجدين في دمشق.
ويضيف “ظاظا”: “هنا اعتمدنا على أشخاص كرد ليسوا ممثلين ودربناهم على الأداء الصوتي والإحساس بالكلام وقد تطلب الأمر وقتاً إضافياً للتغلب على هذه الصعوبة وهذا يحسب لشركة أبو القاسم”.
ويذكر خوشناف ظاظا أن “اللغة الكردية هي لغتي الأم وهي إحدى اللغات الموجودة في الوطن السوري وكان الدوبلاج إلى اللغة الكردية مسألة ممتعة”.
ويتابع: “عندما أمثل أنا ككردي باللغة العربية أقوم داخلياً بقلب إحساس الجملة إلى الكردية ومن ثم أقولها بالعربية، أما هنا (باللغة الكردية) فالجملة تدخل العقل الباطني ويخرج الإحساس فوراً لأنها لغتي الأم”، على حد تعبيره.
وتمر عملية الدوبلاج بعدة مراحل أولها الترجمة من لغتها الأم إلى العربية، وثانيها هو الإعداد.
ويعتبر الإعداد أهم مراحل الدوبلاج، وهي عملية صعبة ومعقدة تتم خلالها إعداد الجمل درامياً وقياسها لتكون مطابقة لحركة شفاه الممثل الأصلي.
كما تلي مرحلة الإعداد التنسيق مع ممثلين لأداء الأدوار وتسجيلها في الاستديو.
وأما العملية الأخيرة فهي المكساج حيث تتم تنقية الأصوات من الشوائب وإضافة المؤثرات المناسبة وتنزيل الموسيقا التصويرية والمؤثرات الصوتية.