ورقة تفاوض وجهود للتهدئة.. هل نشهد إعلاناً لوقف إطلاق النار في سد تشرين؟
الرقة – نورث برس
يبدو أن الهدوء سيضرب موعداً مع سد تشرين الاستراتيجي جنوب شرقي مدينة منبج بريف حلب، شمالي سوريا، بعد أربعة أشهر من التصعيد العسكري التركي على ثاني أكبر مؤسسة حيوية مائية في البلاد.
واكتسب سد تشرين أهمية استراتيجية في التوازنات السياسية والعسكرية في سوريا خلال الأعوام الماضية، وازدادت أهميته مع إطلاق فصائل الجيش الوطني الموالي لتركيا عملية “فجر الحرية” التي هاجم فيها مناطق تواجد قوات سوريا الديمقراطية “قسد”.
وذكرت أمل خزيم الرئيسة المشاركة لهيئة الطاقة في شمال شرق سوريا، في تصريحات خاصة لـ “الشرق نيوز”، أن الإدارة الذاتية اتفقت مع حكومة دمشق على تحييد سد تشرين عن العمليات العسكرية، وأي عمل يهدد السد من كافة الأطراف.
ويضمن الاتفاق تسهيل حركة موظفي السد للوصول إلى مواقع العمل بكافة الأوقات، وإتاحة الفرصة للخبراء من أجل الكشف على البنية المدنية لجسم السد من قبل مختصين بسبب ما تعرض له من أضرار في الأشهر الأخيرة.
وأشارت خزيم إلى أن السد يحتاج إلى الصيانة تستمر لفترة طويلة وتجري صيانته، فيما يديره موظفون تابعون للإدارة الذاتية، وتضمن الأخير بحسب اتفاقها مع دمشق العمل بجدية للحفاظ على المخزون المائي في بحيرات السدود، خاصة بحيرة سد الفرات، كون المخزون المائي الاستراتيجي معرض للاستنزاف حالياً، لعدم توفر مصدر بديل لتوليد الطاقة الكهربائية.
ونوّهت إلى أن التوليد الكهربائي يعمل بأدنى قدراته، إذ أن الأمر يستلزم التواصل بكافة الوسائل مع الجانب التركي لتمرير كميات مناسبة من المياه، بما لا يقل عن 500 متر مكعب بالثانية، وهي الكمية المتفق عليها، وفقاً لاتفاقيات سابقة بين سوريا وتركيا والعراق.
موقع استراتيجي بارز
بُني السد عام 1999 على نهر الفرات، ليكون مصدراً للطاقة والمياه، حيث يولّد الكهرباء ويمد مناطق واسعة في الشمال السوري بمياه الري والشرب، ما جعله شريان حياة أساسي للسكان والزراعة.
وتعتبر السيطرة على السد وسيلة ضغط على الأطراف الأخرى، نظراً لاعتماد العديد من المناطق الزراعية والمدن على تدفق مياه الفرات لأغراض الري والشرب. كما إن بحيرته تحتوي على كميات كبيرة من المياه العذبة المجمعة من نهر الفرات.
ويستخدم السد لتنظيم تدفق المياه لري آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية في شمال سوريا، ما يجعل السيطرة عليه تعني التحكم في الأمن الغذائي للمنطقة، مما ضاعف من أهميته. وزاد من ذلك وقوعه منطقة استراتيجية تربط بين محافظات حلب والرقة والحسكة، وهو ما يمنح من يسيطر عليه قدرة على التحكم في طرق الإمداد والتحركات العسكرية.
إلى جانب موقعه الجغرافي، يمثل السد حاجزاً طبيعياً يمكن استخدامه كخط دفاع أمام الهجمات العسكرية، ما يزيد من أهميته في المعادلة العسكرية. إذ يمثل الخط الدفاعي الأول عن مدينة الرقة التي تتخذها الإدارة الذاتية مركزاً لغالبية مؤسساتها.
ويُعتبر سد تشرين رمزاً استراتيجياً لأي طرف يسيطر عليه في عملية عسكرية، لذا فإن المعارك التي دارت حوله ليست فقط للسيطرة على الموارد المائية والكهرباء، بل هي صراع على النفوذ والاستحواذ واتخاذه كورقة ضغط.
وساطات دولية
ومنذ الثامن من كانون الأول/ ديسمبر الماضي، تجري اشتباكات عنيفة بين “قسد” وفصائل موالية لتركيا، في محاولة للسيطرة على السد، لكن الاستماتة الدفاعية من “قسد” حالت دون ذلك وبقيت تسيطر على المنشأة.
في الحادي عشر من كانون الأول، أعلن الجنرال مظلوم عبدي، القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، عبر منصة إكس، التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في منبج، بوساطة أميركية.
وأضاف قائد “قسد” أنه سيتم إخراج مقاتلي مجلس منبج العسكري، وأن الهدف هو وقف إطلاق النار في كامل الأراضي السورية والدخول في عملية سياسية من أجل مستقبل البلاد.
لكن بعد يومين من الإعلان، قالت القيادة العامة لقوات مجلس منبج العسكري، في بيان، إنها أفشلت جميع هجمات لفصائل موالية لتركيا على سد تشرين وجسر قره قوزاق.
في ذلك الوقت، تعهد التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” والجيش الأميركي بحماية ضفة نهر الفرات التي باتت تفصل عسكرياً بين الفصائل الموالية لتركيا، من جهة، وبين قوات “قسد”، من جهة أخرى، ومنع أي خروقات حتى الوصول إلى حلّ سياسي شامل للبلاد، وفق ما ذكر مسؤول في الإدارة الذاتية لوكالة “فرانس برس”، حينها.
لاحقاً، أعلن قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي استعداد قواته لإقامة منطقة منزوعة السلاح في مدينة كوباني. تبعها إعلان وزير الخارجية الأميركي السابق، أنتوني بلينكن، تمديد وقف إطلاق النار بين “قسد” وتركيا.
وقال في تغريدةٍ له عبر منصة إكس: “تأكيداً على التزامنا الثابت بتحقيق وقف شامل لإطلاق النار في كافة أنحاء سوريا، نعلن عن استعدادنا لتقديم مقترح إنشاء منطقة منزوعة السلاح في مدينة كعين العرب”.
وتابع: “بالإضافة إلى إعادة توزيع القوات الأمنية تحت إشراف ووجود أميركي، مشيراً إلى أن هذه المبادرة تهدف لمعالجة المخاوف الأمنية التركية وضمان استقرار المنطقة بشكل دائم”.
لكن تلك الاتفاقات لم تستمر طويلاً، ليشهد محيط السد معارك عنيفة، بالتزامن مع تحذيرات من خروجه عن الخدمة، حيث قالت الإدارة الذاتية إن القوات التركية والفصائل الموالية لها كانت تستهدف جسم السد.
فيما قالت الرئيسة المشاركة لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا إلهام أحمد، أول أمس الثلاثاء، إن الولايات المتحدة الأميركية لعبت دوراً مهماً وفعالاً في جهود التهدئة خلال الوضع العسكري الراهن في المنطقة بين “قسد” وتركيا.
وأضافت: أن “هناك تهدئة حالية سائدة في المنطقة بين قسد وتركيا برعاية أميركية، ونحن يهمنا وقف إطلاق النار والأعمال العدائية واستهداف المنشآت الحيوية والسكان والقياديين من قبل تركيا”.
انتهاكات جسيمة
أصبح سد تشرين نقطة محورية للقتال بين تحالف تركيا والجيش الوطني السوري من جهة وقوات سوريا الديمقراطية من جهة أخرى. توقف السد عن العمل منذ 10 كانون الأول 2024 نتيجة تضرره أثناء الاشتباكات، ما حرم قرابة 413 ألف شخص من المياه والكهرباء في منطقتي منبج وكوباني، وفق تصاريح مسؤولين لنورث برس.
وحذرت “اللجنة الدولية للصليب الأحمر” من أنه بحال تضرر السد، “ستكون العواقب الإنسانية والدمار الناتج عن إطلاق مياه الفيضانات مدمرة وقد تسبب أضراراً جسيمة بالبيئة”.
وخلال الأشهر الفائت، اعتصم المئات من سكان شمالي سوريا على جسم السد، للمطالبة بوقف الهجمات التركية عليه وتحييده عن العمليات العسكرية، ووثقت مشاهد مصورة استهداف المدنيين من قبل طائرات مسيّرة تركية.
وقالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” إن الجيش الوطني السوري والقوات التركية أظهرا نمطاً واضحاً ومقلقاً يتمثل في الهجمات غير القانونية ضد المدنيين والأعيان المدنية، ويبدو أن الطرفان يحتفيان بهذه الهجمات. بصفتها الداعم الرئيسي للجيش الوطني السوري، تركيا ملزمة بردع الانتهاكات التي يمارسها الجيش الوطني السوري، وإلا فإنها تخاطر بالتواطؤ في جرائمه.