دمشق تنوي تحويل الدعم إلى دعم نقدي.. كيف استقبل المستفيدون ذلك؟
صفاء سليمان – دمشق
أعلنت الحكومة السورية رسمياً، نيتها البدء برفع الدعم الحكومي عن السلع والمواد المدعومة وتحويله إلى دعم نقدي بشكل تدريجي عبر الحسابات البنكية.
وطلبت الحكومة برئاسة حسين عرنوس، من حاملي البطاقة الالكترونية الذكية المبادرة لفتح حسابات بنكية خلال 3 أشهر، تمهيداً لتحويل مبالغ الدعم إلى هذه الحسابات.
وأثار هذا القرار استهجاناً واسعاً بين السوريين، حيث يعتمد معظمهم على الدعم، ويعيش 90 بالمئة منهم تحت خط الفقر أو فوقه بقليل.
تفاعلات ساخرة
مع صدور قرار تحويل الدعم من دعم سلعي إلى دعم نقدي يوم الثلاثاء 25 حزيران/ يونيو، امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بالتعليقات الغاضبة.
خالد الدرويش كتب على صفحته في فيسبوك: “هالحكومة العجيبة وقراراتها اللي ما حدا بيفهم شو بدها، حسابات بالبنك وإيداع مبلغ، لكن ما معنا حق ربطة خبز”.
وكتبت صفحة باسم أخبار اللاذقية ساخرةً: “مفهوم الدعم النقدي أن تشتري الخبز بالرغيف والبطاطا بالحبة والبندورة بالحبة والدواء بالحبة وأن تموت ببطء”.
فيما كتبت صفحة باسم “ايكو ليرة” بلغة متشائمة مشككة بنجاح الخطوة: “تحويل الدعم إلى نقدي يحتاج إلى مؤهلات وبنية تحتية للمصارف لاستيعاب الضغط الهائل عدا أسئلة كم مبلغ الدعم”.
بينما سخر معمر نهار من التخبط بالتوجهات فكتب: “ماذا عن شعارات الاشتراكية المكتوبة على الجدران منذ عشرات السنين؟”
الدعم عبر البطاقة الذكية
وتشمل البطاقات الذكية في سوريا الخبز والسكر والشاي ومواد غذائية أخرى، وتشمل أيضاً مشتقات نفطية هي المازوت والبنزين والغاز المنزلي، وكان يتم الحصول على هذه المواد بسعر مخفض ولشرائح معينة من الأسر عبر ما يعرف بالبطاقة الذكية التي فرضت عام 2019 لبيع المحروقات في البداية.
وبعد عام أصبح بيع المواد التموينية عن طريق البطاقة، ليدخل بعد ذلك الخبز في نطاق البيع عبر البطاقة ابتداء من عام 2021.
ويحصل حاملو “البطاقة الذكية” على ميزة شراء المواد الأساسية بالسعر المدعوم، في حين يضطر السوريون المستبعدون من الدعم إلى الحصول على المواد والخبز والوقود بالأسعار المرتفعة.
وللحصول على البطاقة الذكية كان يتطلب تقديم الوثائق والحضور شخصياً إلى المركز، ما أدى إلى ازدحام شديد أمام مراكز شركة “تكامل” لتوزيع البطاقات.
مَنْ يدعم مَنْ؟
أم جورج، سيدة دمشقية تعيش في باب توما، تقول: “رغم أني أقوم بتأجير غرف من بيتي، حالتي المادية سيئة، فلدي ثلاثة أحفاد ولا يكفينا شيء. هذا القرار لا ينفعني بشيء”.
وتشير لنورث برس إلى أنها مضطرة لفتح حساب في البنك كي تستفيد من البطاقة الذكية.
أما محمد، وهو من سكان دمشق، يتساءل: “ماني عرفان مين عم يدعم مين نحنا ولا الحكومة؟”.
ويوضح معاناته في الحصول على البطاقة الذكية قائلاً: “أكثر من 15 يوم وأنا أذهب وأعود وأقف في الطابور، وتعطلت عن عملي، والآن أصبحت البطاقة بلا قيمة”.
كما يشير عبود، من سكان دمشق، إلى شح الكميات التي توزع عبر البطاقة وتأخرها، قائلاً: “الكميات التي نستلمها على البطاقة الذكية لا تكفينا كما أن الرسائل تتأخر ويصل هذه التأخير إلى شهور وهذا ما يضطرنا للجوء للسوق السوداء”.
حكومة غارقة
فهد كنجو، صحفي يعمل كرئيس تحرير لموقع أخباري في دمشق، يقول لنورث برس: “مسألة الدعم كانت من الملفات الشائكة حتى قبل الأزمة والحرب”.
ويضيف: “مع دخول الأزمة، باتت الأمور أصعب وتراجعت حصة المواطن من الدعم بطرق مختلفة، الحكومة تعتقد أن تحويل الدعم من سلعي إلى نقدي سيخفف من الهدر والفساد، ولكن هذا احتمال ضعيف جداً”.
ويشير كنجو إلى أن “الدعم النقدي ربما يكون جيداً إذا أحسن تطبيقه، ولكن الشارع لا يثق بالحكومة، والحكومة الحالية غير قادرة على تقديم إجابات واضحة حول عشرات الأسئلة المتعلقة بتحول الدعم إلى نقدي”.
وبيّن أنه “في مناسبات عدة، أجبرت الحكومة السكان على التعاملات البنكية، مثل بيع السيارات والعقارات، والآن جاء الدور على حاملي البطاقات الذكية. هذا جزء من التوجه نحو الدفع الإلكتروني الذي لا نمتلك بنيته التحتية القادرة على تسهيل أمور السكان، وفتح حسابات بنكية إضافية سيرهق البنوك والناس، خاصة في الأرياف وبين الآلاف من كبار السن”.
وحصلت نورث برس على معلومات من مديرة أحد المصارف الخاصة تفيد بأن تكلفة الحصول على حساب بنكي للدعم هي 15 ألف ليرة سورية، إضافة لتكلفة بطاقة السحب التي تكلف بالحد الأدنى 50 ألف ليرة سورية.
وبين كنجو: “الحكومة الحالية حاولت أن تشغل وقتها بمسألة الدعم واستغرقت فيه، وربما غرقت فيه، وها هي الآن ترحّل مشاكلها للحكومة القادمة”.