غرفة الأخبار – نورث برس
شهد الموسم الزراعي في شمال شرقي سوريا لهذا العام تحديات عدة، أدت إلى تدني إنتاج محصول القمح، وتتنوع الأسباب التي أدت إلى هذا التراجع في الإنتاج بين تقلبات المناخ وقلة الدعم المقدم للقطاع الزراعي.
وتعرضت شمال شرقي سوريا لموجة حر في أواخر شهر أذار/ مارس، أدى إلى إصابة محصول القمح بالصدأ في فترة قبل امتلاء السنابل. هذا الأمر تسبب في انتشار الآفات الزراعية التي أثرت سلباً على الإنتاج العام، وفقاً لمزارعين.
ولم يكن تراجع جودة وكمية المحصول التحدي الوحيد بالنسبة للمزارعين، بل تضاعفت في ظل تسعيرة شراء حددتها الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا (31 سنت أمريكي للكيلو الواحد) والتي أثارت استياء شعبياً واحتجاجات طالبت بتعديل التسعيرة واعتبروها غير منصفة ولا تغطي حتى تكاليف الزراعة كما يقول مزارعون.
وقالت هيئة الزراعة والري في الإدارة الذاتية في مؤتمر صحفي، وقالت إنها توصلت بعد نقاشات مع الجهات المعنية والمجلس التنفيذي بأن “تكلفة الكيلو الواحد من محصول القمح بلغت ٢٩ سنت أميركي”، مؤكدةً أنها “اتخذت القرار السليم في الاتجاه السليم”.
فجوة مالية
أحمد، وهو مزارع من تل تمر بريف الحسكة، يواجه اليوم صعوبة بالغة في تسديد الديون المترتبة عليه بعد أن حصد من أرضه كيساً واحداً من القمح لكل دونم.
أشار إلى أن سعر شراء القمح المحدد من قبل الإدارة الذاتية لا يغطي حتى نصف تكاليف الانتاج، حيث اشترى البذور والسماد، بالإضافة لشراء منظومة طاقة شمسية بسبب نقص المحروقات.
وبلغت خسائر المزارع 2500 دولار أمريكي، بسبب فجوة مالية بين حسابات الإدارة الذاتية والمزارع الذي لجئ للسوق السوداء لتأمين مستلزمات الزراعة، كما يقول.
ويضيف “إذا استمر وضع الزراعة هكذا، سأترك هذا العمل نهائياً، خسارتنا حتمية في ظل استمرار هذا الوضع”.
لكن يوجد فئة أخرى من المزارعين، أوضاعهم أسوء بسبب ضعف الانتاج والتسعيرة المنخفضة ومن بينهم حمود، وهو مزارع من تل تمر، حيث أشار إلى أنه خسر نصف رأس المال الذي صرفه على أرضه الزراعية.
ويشير أيضاً إلى أنه بالكاد يستطيع تغطية تكاليف البذار والسماد، ولكن تكاليف الحصاد وحراثة الأرض والأدوية والمبيدات لن يتمكن من سدادها.
خسائر موجعة
أما عبدالكريم، وهو مزارع من الحسكة، يعبر لنورث برس عن إحباطه قائلاً إن الإنتاج في منطقتهم كان “ضعيفاً جداً”. حيث زرع 50 دونماً من القمح هذا العام، وأنتجت 120 كيساً فقط، وهي كمية بالكاد تغطي مصاريفه.

ويشير المزارع إلى أن الإنتاج وصل إلى ثلاثة أو أربعة أكياس للدونم الواحد، وهو يعتبر ذلك الأفضل بين أقرانه بسبب المصاريف الزائدة التي وضعها على المحصول.
طارق، مزارع آخر في نفس المنطقة، أشار إلى أن قلة الدعم المقدم لهم أثرت بشكل كبير على محصوله. حيث سقى محصوله خمس مرات، حصل خلالها على دفعة واحدة فقط من المازوت عن طريق مديرية الزراعة، بينما اضطر لشراء المازوت الحر لباقي الري بسعر 4600 ليرة، كما يقول.
ويضيف: نتيجة لذلك، كان الإنتاج ضعيفاً، حيث بالكاد ينتج المحصول كيساً أو كيسين للدونم في أفضل الأحوال. مؤكداً أن الخسارة الإجمالية لمختلف المزارعين في المنطقة تتراوح بين 30 إلى 40 بالمئة من المحصول.
توريد مُكلف
خصصت الإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا 30 مركزاً في عموم مناطقها لاستلام مادة القمح من المزارعين. ولم تعلن الإدارة الذاتية حتى الآن إذا ما كانت ستسمح بتصدير محصول القمح لخارج مناطقها أم لا.
وفي وقت سابق، قال مسؤولون في الإدارة الذاتية، لنورث برس، إن الإدارة ستشتري كامل محصول القمح من المزارعين خلال الموسم الزراعي 2024.
استطلعت نورث برس عملية توريد القمح في كوباني شمالي سوريا، وأظهرت استطلاعات المزارعين أن مرحلة تسليم الموسم الزراعي زادت من الأعباء المالية المترتبة عليهم.
خالد، مزارع من ريف كوباني الغربي، يقول إن المزارعين اعتادوا قطع تأشيرة نقل المحصول في عدة مراكز بالريف كل عام، ولكن هذا العام تم حصرها في مركز واحد فقط بمدينة كوباني، مما تسبب بازدحام وتأخير وزيادة التكاليف عليهم.
ويقول: “نجبر على حجز شاحنة قبل عدة أيام من تسليم القمح، وأن أصحاب الشاحنات رفعوا أجور الشحن من 200 دولار إلى نحو 700 دولار في العام الحالي، بسبب مدة الانتظار”.
ويضيف: “حتى أسعار الأكياس (جوالات) ارتفعت حيث يباع الجوال الواحد في السوق الحرة بـ 2.55 دولاراً، بينما يباع لدى شركة تطوير المجتمع الزراعي بسعر 1.50دولاراً”.
سليمان مزارع آخر في كوباني، يشير إلى أنه فرضت إجراءات إضافية أثناء مرحلة التسليم مما زاد من تكاليف التسليم، قائلاً: “هيئة الزراعة طلبت رقم سيارة الشحن وصورة هوية سائق الشاحنة قبل قطع تأشيرة النقل، وهو أمر لم يكن موجوداً في العام الفائت”.
ويضيف: “ذلك أدى لانتظار المزارع الحصادة لمدة يومين، وانتظار الشاحنة المحملة بالقمح لثلاثة أيام، وانتظار أمام المركز للتفريغ عدة أيام، وبالتالي دفع أجور للشاحنة تصل إلى 700 دولار”.
ولم تحدد الإدارة الذاتية أجور الشحن أثناء عملية توريد القمح مما جعل المزارعون عرضاً للاستغلال من قبل أصحاب الشاحنات، كما يعبرون، ما زاد من أعبائهم، وسط مخاوف من تدهور القطاع الزراعي في المستقبل بسبب عزوف المزارعون عن الزراعة بسبب الخسائر التي تكبدوها العام الجاري.