غرفة الأخبار – نورث برس
منذ إعادة سوريا إلى الجامعة العربية، ازدادت الأصوات التركية المطالبة بمد الجسور مع دمشق، وفي كل مرة يختار المسؤولين الأتراك مناسبة لإطلاق تصريحاتهم حيال التطبيع مع دمشق.
ففي تموز/يوليو الماضي لوح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بانفتاحه للقاء الرئيس السوري بشار الأسد، وربما لم يكن التصريح الأول لكنه الأبرز، فيما أن التصريحات التي صدرت مؤخراً عن رئيس حزب قومي تركي الذي دعا لتعاون بين انقرة ودمشق للهجوم على مناطق الإدارة الذاتية لم ولن تكون الأخيرة.
خلال نحو عام، تدخّلت أطراف إقليمية لتعيد العلاقات بين دمشق وأنقرة، لكن الأولى ترفض أي مشاورات على مستوى الرؤساء في ظل تواجد عسكري للقوات التركية على الأراضي السورية.
ويعود سبب الجفاء بين رئيسي أنقرة ودمشق إلى الموقف التركي من الصراع في سوريا ففي الخامس من أيار/مايو 2013، نشر أردوغان، عندما كان حينها رئيساً للوزراء، تغريدة باللغة العربية عبر منصة “إكس” (تويتر سابقاً)، مهدداً الرئيس بشار الأسد، بسبب ما وصفه “استخدام العنف ضد المتظاهرين السوريين”، قائلاً “قسماً بربي ستدفع الثمن غالياً”.
لكن، هذا الحال تغيّر الآن، حيث سعت أنقرة لتصفير الخلافات مع دمشق عبر وسطاء، لا سيما روسيا التي تحاول تهدئة جبهات القتال في سوريا عبر إعادة العلاقات بين الجانبين ولطالما أعربت روسيا عن استعدادها لبذل جميع الجهود لتطبيع العلاقات واستئناف.
وفي الأول من حزيران/ يونيو، الجاري، قال رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني، في مقابلة مع قناة “خبر تورك” التركية، إنّ هناك اتصالات يُجريها مع الرئيس السوري بشار الأسد والرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشأن المصالحة بين الطرفين.
وأضاف السوداني “إن شاء الله، سنرى بعض الخطوات في هذا الصدد قريباً”.
نوايا صادقة
حول الوساطة التي يُجريها، رئيس الوزراء العراقي، محمد شيّاع السوداني، يقول إبراهيم السراج وهو مُحلل سياسي عراقي، إنّ الوساطة العراقية تحتاج إلى جهود كبيرة جداً وإلى نوايا صادقة من قبل الحكومة التركية”.
ويُضيف في تصريح صوتي لنورث برس، “هناك تداخل كبير من جهة سيطرة تركيا على مساحات واسعة من الأراضي السورية ووجود الجانب الأميركي والروسي والإيراني، وأي وساطة يجب أن تبدأ لحل الأزمة السورية برمّتها”.
ويُشير المحلل السياسي، “نجاح أي وساطة يجب أن يتم عبر قيام الجانب التركي بتنازلات من خلال قيامها في البداية بدعم شرعية الرئيس السوري، بشار الأسد”.
ويرى، السراج، أنّ نجاح الوساطة العراقية واستجابة تركيا للحوار المباشر مع دمشق، ستعود بالفائدة على الجانب التركي “هناك ملايين من السوريين في تركيا وحل الأزمة السورية من الطبيعي عودة اللاجئين إلى بلادهم”.
شروط دمشق
في كل مرة تؤكد دمشق أن “الشرط الأساسي لأي حوار سوري – تركي هو “انسحابها من أراضي سوريا التي تحتلها تركيا”، تلك العبارة كررها الأسد، وقالها وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، في مؤتمر صحفي جمعه مع وزير الخارجية الإيراني بالوكالة، علي باقري كني، في دمشق، في الرابع من حزيران الجاري.
وأضاف المقداد، “نريد أن نرى تعهدات تركية دقيقة تعكس التزام تركيا بالانسحاب من أراضينا التي تحتلها ووقف دعمها للتنظيمات الإرهابية”.
وفي مُقابلة أجراها، بشار الأسد، مع قناة سكاي نيوز عربية، في أيلول/ سبتمبر من العام 2023، رفض أي احتمال لإجراء محادثات مباشرة بينه وبين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ما لم تنسحب القوات التركية من الأراضي السورية.
وقال حينها: “هدف أردوغان من اللقاء معي هو إضفاء الشرعية على الاحتلال التركي في سوريا، ولماذا يجب أن نلتقي أنا وأردوغان؟ لتناول المشروبات الغازية؟”. وأضاف إنّ “الإرهاب في سوريا يُصنع في تركيا”.
الموقف التركي
تعتبر تركيا أن “الظروف غير مناسبة” للتطبيع مع دمشق، وترفض أنقرة أي شروط مسبقة للقاء الرئيسين في إشارة إلى رفض انسحاب قواتها من شمالي سوريا، وهو الشرط الذي تتمسك في دمشق.
وفي آذار/مارس الماضي، قال ممثل الخارجية التركية، أونجو كيسيلي إن “أنقرة لا تجري مع دمشق أي حوار مباشر، ولا يوجد تقدم حتى الآن في عملية تطبيع العلاقات بين البلدين”.
وأضاف: “سياستنا بشأن التطبيع معروفة في البداية، وقمنا بصياغتها بشفافية. ليس لدينا شروط مسبقة، لكن لدينا توقعات معينة من نتائج هذه العملية في سياق التسوية السياسية وعودة اللاجئين ومستقبل سوريا”.
ولفت إلى أن دمشق هي من تطرح شروطاً مسبقة لعملية التطبيع، وبحسب كيسيلي، فإن الجانب التركي أعرب في وقت سابق عن توقعاته بأن “النظام السوري سيتحدث مع تركيا من تلقاء نفسه، لكن لم يحدث شيء بهذا الصدد في الآونة الأخيرة”.
في حين قال زير الخارجية التركي، هاكان فيدان، في لقاء مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في آذار/مارس أيضاً، “نحن بحاجة إلى الحديث بشكل مفصّل عن القضايا المتعلقة بالملف السوري؛ وعودة اللاجئين وكتابة الدستور الجديد، وغيرهما، كلّها قضايا معلّقة تحتاج إلى وقت”.
وفي أيلول/ سبتمبر من العام الماضي، قال وزير الدفاع التركي، يشار غولر، إنّ بلاده لن تقبل بمطالب دمشق بالانسحاب الفوري من الأراضي السورية كشرط لاستمرار مفاوضات التطبيع بين البلدين.
صعوبات كبيرة
يرى المحلل السياسي، إنّ قوات سوريا الديمقراطية “قسد” حليفة الولايات المتحدة الأميركية، ووجود تنظيمات تصفها دمشق بأنها “إرهابية” ومواضيع أخرى من الصعوبات التي تواجه أي وساطة لإعادة العلاقات التركية السورية.
وشدد على أنّ أي حوار أو مفاوضات بين الجانب السوري والتركي يتطلب إشراك الأمم المتحدة، ودول الخليج أيضاً، للسعي في هذا الموضوع، لكن “قطر لا تزال متعنتة وترفض حل الأزمة أو المشاركة ودعم أي مبادرات للوساطة أو حل للأزمة السورية بشكل عام”.