“صيد الجنرالات”.. إسرائيل توجع إيران في سوريا

غرفة الأخبار – نورث برس

تنفذ إسرائيل منذ بدء الحرب في سوريا، غارات جوية ضد المصالح الإيرانية ولو أنها قلما اعترفت بتنفيذ هذه الضربات، لكن اللافت في بداية العام الجديد ارتفاع وتيرة الاستهدافات التي اغتالت كبار القادة الإيرانيين والجنرالات والمستشارين.

بعد تدخلها في الحرب السورية بقيت الفصائل الإيرانية وعلى رأسها لوائي “فاطميون” و”زينبيون” تقاتل إلى جانب القوات الحكومية، واقتصر التواجد الإيراني على فصائل في جبهات القتال ووجود مستشارين.

لكن الحال تغير بعد عام 2016، حيث بدأت إيران تتغلغل بشكل غير مسبوق في سوريا، وبدأت تسيطر على قطاعات سورية، خاصة مع ترحيل مسلحي الفصائل من دمشق وحمص إلى الشمال السوري.

وشكّل عام 2018 بداية ذروة الانتشار الإيراني في سوريا، خاصة بعد طرد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” من دير الزور، وبات شرقي سوريا والبادية وحمص تخضع لسيطرة فعلية من قبل إيران.

أوكرانيا وغزة

وحوّلت إيران الأراضي السورية إلى ساحة لتصفية حساباتها مع الدول الغربية والعربية وإسرائيل، وطالما نظرت تل أبيب إلى الوجود الإيراني بسوريا على أنه تهديد، إلا أن هذا التهديد استفحل بعد انسحاب جزئي للقوات الروسية مع اندلاع الحرب مع أوكرانيا 2022.

وخلال سنوات نفّذت إسرائيل ضربات محدودة لكنها موجعة لحكومة دمشق وكان أخطر الضربات في جبل قاسيون ومطار المزة العسكري، وبقي الوضع على حاله لسنوات وسط تهديد ووعيد متبادل بين تل أبيب ودمشق التي تقف خلفها طهران.

لكن المعادلة تغيرت في 7 تشرين الثاني/ أكتوبر 2023، وباتت المواجهة الإيرانية الإسرائيلية أكثر وضوحاً، واستهدفت الأخيرة التي تحمّل إيران مسؤولية اجتياح مقاتلي حماس لغلاف غزة، الفصائل الإيرانية في عدة مناسبات ومناطق لا سيما في دير الزور، وحمص.

تلك الضربات لم توجع طهران التي حرصت على نقل عناصرها وتبديل أماكن الأسلحة مع بدء الصراع في غزة، إلا أن إسرائيل تستهدف الفصائل من البوكمال حتى حدود لبنان وغالباً ما تستهدف شحنات أسلحة في طريقها إلى حزب الله عبر القصير.

تجاوز الخطوط

في 25 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، صعّدت إسرائيل في المواجهة مع إيران متجاوزة الخطوط الحمراء، واستهدفت حينها مستشاراً إيرانياً رفيعاً، ووصف بأنه “الأجرأ” في المنطقة منذ مقتل قاسم سليماني مطلع 2020.

واغتالت إسرائيل في غارة جوية على منطقة السيدة زينب جنوب دمشق رضى موسوي، وهو من كبار مستشاري الحرس الثوري الإيراني في سوريا وأقدمهم، ويحمل رتبة لواء، ومسؤول عن تنسيق التحالف العسكري بين طهران ودمشق، ومسؤول لدى وحدة إسناد محور المقاومة بسوريا.

وإثر مقتله الذي آلم طهران، توعّدت الأخيرة بالرد، لكن ردها لم يكن مباشراً وأوكلته لأذرعها في سوريا ولبنان والعراق واليمن، حيث صعّدت تلك من هجماتها ضد مصالح إسرائيل وحليفتها أميركا في المنطقة.

وسبق مصرع موسوي، مقتل مستشارين في الحرس الثوري الإيراني، حيث نعت إيران في 2 كانون الأول ببيان  “محمد علي عطائي”، و”بناه تقی زاده”، وقالت إنهما قُتلا بقصف إسرائيلي على سوريا.

إلا أن إسرائيل التي باتت أكثر وضوحاً في المواجهة، عادت لتقتل في 20 كانون الثاني/ يناير الماضي، بغارة جوية على مبنى في حي المزة فيلات بالعاصمة دمشق 13 شخصاً، من بينهم 5 من كبار القادة الإيرانيين، بعد أقل من شهر على قتلها موسوي.

ومن أبرز القادة الخمسة الكبار، صادق أميد زاده، مسؤول وحدة الاستخبارات في فيلق القدس بسوريا، ونائبه الحاج غلام، ويوصف زاده بأنه “الصندوق الأسود” والرجل الثاني بعد قاسم سليماني.

ووضعت طهران منذ سنوات بشكل أو بآخر قاعدة تتمثل في أن أي قصف يستهدف مصالحها أو قيادييها لن يبقى دون رد، لكنه أشار إلى أن التعليق الإيراني على هكذا أحداث دائماً ما يترافق مع عبارة أن الرد سيأتي في المكان والزمان المناسبين، وليس بالضرورة أن يعلن عن كيفية هذا الرد.

وبعد ذلك، وفي 29 كانون الثاني الماضي، شنّت الطائرات الإسرائيلية غارة جوية على موقع يُستخدم من قبل المستشارين الإيرانيين المتواجدين في سوريا، بالقرب من مجمّع السيدة زينب جنوب دمشق، ما أدى لمقتل مستشارين اثنين، ومدنيين.

وتعدّ طهران داعمة أساسية لدمشق، وقدمت خلال النزاع المستمر منذ نحو 13 عاماً، دعماً سياسياً واقتصادياً وعسكرياً لها.

وتنفي إيران إرسال قوات للقتال في سوريا، مكررةً أن وجودها هناك يقتصر على مستشارين عسكريين ومجموعات موالية لها من بلدان عدة.

وفي مطلع آذار/ مارس الماضي، كشفت وسائل إعلام إيرانية عن مقتل قيادي بارز في “الحرس الثوري” جراء قصف نسب لإسرائيل، واستهدف مبنى في محيط مدينة بانياس الساحلية في سوريا.

أقرأ أيضاً:



وذكرت حينها وكالة “تسنيم” أن القيادي هو رضا زارعي وينحدر من محافظة خرمزكان جنوب إيران، وقالت إنه قتل بغارة جوية “إسرائيلية” على “ميناء بانياس السوري”، وهو أحد أفراد حرس المنطقة الأولى لبحرية “الحرس الثوري” الإيراني.

وفي 25 من شباط/فبراير قُتل عنصران من حزب الله في سوريا في غارة إسرائيلية على شاحنة قرب الحدود مع لبنان، ونادراً ما تؤكد إسرائيل تنفيذ الضربات، لكنها تكرر أنها ستتصدى لما تصفه بمساع تبذلها طهران لترسيخ وجودها العسكري في سوريا.  

نقطة التحوّل

قتلت إسرائيل في غارات عدة، مستشارين إيرانيين، وواصلت بتخطيها الخطوط التي تتحاشى طهران رسمها عند حد معين، حتى مطلع نيسان/ أبريل الماضي، عندما دمّرت غارة جوية إسرائيلية مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق.

فبعد استهداف الشقق السكنية للمستشارين، استهدفت إسرائيل بغارة جوية مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق، وسفرت الغارة عن مقتل 7 قادة ومستشارين، أبرزهم العميد البارز بـ”الحرس الثوري”، محمد رضا زاهدي، والعميد محمد هادي حاج رحيمي، إضافة إلى حسين أمان اللهي، وآخرين، في هجوم لم تتبنه تل أبيب.

وتسبب الهجوم بتصاعد التوتر وقصف إسرائيلي إيراني متبادل، أطلقت فيه إيران مئات الصواريخ والطائرات المسيّرة باتجاه تل أبيب التي قالت إن استهداف إيران لم يتسبب بأضرار نتيجة اعتراض المسيّرات والصواريخ البالستية، فيما هاجمت تل أبيب عمق طهران بعد أيام من ذلك.

ولم تتوقف تل أبيب عن استهدافها لجنرالات طهران، رغم الوعيد الإيراني متعدد المستويات، واستمرت باستهداف مواقعاً في سوريا، لا سيما في حمص، إذ استهدفت لعدت مرات سيارات تقول مصادر عسكرية إنها شحنات أسلحة لحزب الله اللبناني المدعوم من إيران.

والإثنين الماضي، استهدفت غارات إسرائيلية موقعاً بريف حلب، وهو عبارة عن معمل للنحاس، فيما تقول مصادر إنه يستخدم لإعادة تصنيع الصواريخ.

وأسفرت الغارة عن مقتل 16 عنصراً في فصائل موالية لإيران معظمهم من الجنسية السورية، حسبما أفادت مصادر لنورث برس، لكن شبكة أنباء الطلبة الإيرانية، أفادت بأن مستشاراً للحرس الثوري الإيراني قُتل في الغارة الجوية، والتي تسبب بإصابة 15 آخرين.

وذكرت الشبكة أن المسؤول يدعى سعيد أبيار، من دون أن تذكر رتبته، أو تضيف معلومات عن هوية القتلى والمصابين الآخرين.

وشنت إسرائيل خلال الأعوام الماضية ضربات جوية في سوريا، طالت بشكل رئيسي أهدافا إيرانية وأخرى لحزب الله اللبناني، بينها مستودعات وشحنات أسلحة وذخائر، وأيضا مواقع للقوات الحكومية.  

لكن هذه الضربات تكثّفت بعد اندلاع الحرب في قطاع غزة، إثر هجوم غير مسبوق شنته حركة حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر.  

إعداد وتحرير: أحمد عثمان