الواقع الصناعي في مناطق الإدارة الذاتية.. تهميش وتحديات

القامشلي – نورث برس

عانت مناطق شمال شرقي سوريا قبل بدء الحرب السورية، من تهميش اقتصادي واضح، خاصة في القطاع الصناعي.

فقد اتبعت حكومة دمشق نهجاً يعرقل تطور هذا القطاع من خلال فرض قيود صارمة على تأسيس المعامل والمصانع مما أثر سلباً على فرص التنمية الاقتصادية.

قبل 2011

بحسب شهادات لنورث برس فإن السياسات الحكومية قبل العام 2011 كانت تساهم بشكل كبير في تهميش وتقييد القطاع الصناعي في شمال شرق سوريا.

وكانت هذه السياسات تهدف إلى إبقاء المنطقة في حالة من التخلف الصناعي والاعتماد على الزراعة فقط، مما أثر سلباً على فرص التنمية الاقتصادية.

ماجد عبدي، رئيس اتحاد المعامل في القامشلي، يشير إلى أن التعقيد البيروقراطي والفساد في ظل حكم الحكومة السورية أديا إلى صعوبة كبيرة في الحصول على تراخيص لإنشاء معامل جديدة: “إذا أردنا افتتاح معمل في مناطق مثل الجزيرة السورية، الرقة، دير الزور، الحسكة، والقامشلي، كنا نواجه صعوبات كبيرة جداً من قبل الحكومة”.

ويضيف في حديثه لنورث برس: “عملت لمدة سنة على الأوراق ذهاباً وإياباً حتى حصلت على الموافقة لأنشاء مصنع، وذلك عبر المحسوبية ودفع رشاوي”.

في تلك الفترة، كانت الحكومة تفرض قيوداً كبيرة على تأسيس المصانع، مما أدى إلى ندرة المعامل في مناطق مثل القامشلي والرقة. قائلاً: “حينها كان في القامشلي 15 معملاً، وفي الرقة لم يكن هناك أي معامل سوى البدائية”.

ويشير: “الحكومة لم تكن تسمح بإنشاء معامل جديدة في منطقة الجزيرة، وكان هنالك صعوبات كثيرة جداً تواجه أصحاب المعامل”.

يقول عبدي: “كان كل شيء متوفراً في المنطقة، وكنت أمتلك معمل منظفات. أي إنسان كيميائي كان يستطيع امتلاك الخبرة، ولكن عندما كانوا يمنعوننا من العمل، لم نكن نمتلك الخبرات”.

ويؤكد أن هذه السياسة أثرت بشكل كبير على التنمية الاقتصادية في المنطقة. وساهمت بهجرة صناعييها والأيدي العاملة نحو المدن الأخرى.

في ظل الإدارة الذاتية

بعد استلام الإدارة الذاتية زمام الحكم، شهد قطاع الصناعة في هذه المنطقة تقدماً ملحوظاً عبر افتتاح عشرات المعامل والمنشآت الصناعية التي كانت تفتقر إليها المنطقة.

أحمد الهويد، نائب الرئاسة المشاركة لهيئة الاقتصاد في مقاطعة الجزيرة، يوضح أن “مع بداية تأسيس الإدارة الذاتية، كانت الجهود كبيرة لتحقيق الاكتفاء الذاتي”، مبيناً أن “الإدارة عملت على إنشاء 12 معملاً إنتاجياً في مجالات متعددة مثل الغذاء والنسيج والألبسة وإنتاج الأعلاف والأسمدة العضوية”.

لكن يرى رئيس اتحاد المعامل، أنه بالرغم بعض المبادرات لتطوير القطاع الصناعي، فإن الإدارة الذاتية لم تقدم الدعم الكافي لأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة، قائلاً: “الابتكارات والاختراعات المحلية لم تلقَ الدعم المطلوب”.

ويضيف: “الإدارة الذاتية تركز على المشاريع الكبيرة وتهمش الابتكارات الصغيرة التي يمكن أن تساهم بشكل كبير في تطوير الاقتصاد المحلي”.

وبحسب إحصائية لهيئة الاقتصاد في الإدارة الذاتية، تم إنشاء 256 معملاً إنتاجياً ضمن مناطقها بعد العام 2011. ومع ذلك، فإن هذه النهضة الصناعية لم تكن خالية من التحديات والصعوبات، والتي يمكن عزو بعضها إلى السياسات المتبعة من قبل الإدارة الذاتية نفسها.

تحديات سياسية وأمنية

تعاني مناطق الإدارة الذاتية من تداعيات سياسية وأمنية تؤثر على القطاع الصناعي، مثل الهجمات التركية المتكررة، وسياسات الحكومة السورية التي تعرقل وصول المواد الخام والبضائع إلى المنطقة.

أحمد الهويد، نائب الرئاسة المشاركة لهيئة الاقتصاد في مقاطعة الجزيرة، يعترف بأن “المنطقة تعرضت للعديد من المشاكل والصعوبات في تأمين احتياجاتها الصناعية قبل عهد الإدارة الذاتية، وما زالت هذه المشاكل قائمة”.

ومن جانبه يقول المحلل الاقتصادي شكري يوسف، إن “القطاع الصناعي يواجه انخفاضاً بسبب الظروف المحيطة، ومنها الحصار الاقتصادي المفروض على المنطقة، الإدارة الذاتية لم تتمكن من كسر هذا الحصار أو التخفيف من تأثيراته بشكل فعال”.

ويضيف يوسف، لنورث برس، أن غياب الاستقرار الأمني والسياسي يمنع المستثمرين ورؤوس الأموال من التوجه إلى المنطقة، مما يعرقل التنمية الصناعية.

بنية تحتية متهالكة وتكاليف مرتفعة

أما جمال فرحو، صاحب معمل لمواد البناء، يشير إلى أن “انقطاع الكهرباء والاعتماد على مولدات الوقود الرديئة يزيدمن تكاليف الإنتاج ويقلل من جودة المنتجات”.

وتعتمد مناطق سيطرة الإدارة الذاتية على حراقات النفط البدائية الخاصة التي يستثمرها السكان لإنتاج المحروقات بسبب انعدام مصافي نفط متطورة في مناطقها.

ومن جهة أخرى أدى القصف الجوي التركي، على منشآت ومرافق حيوية في مناطق الشمال الشرقي من سوريا إلى شبه انعدام لوجود مشتقات النفط والغاز المنزلي، ما ولد أزمات جديدة في منطقة يعاني سكانها من عراقيل معيشية.

ويشير أيضاً إلى أن الضرائب المرتفعة على البضائع في المعابر التابعة للحكومة السورية والفصائل السورية المدعومة من تركيا تؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد وقلة الطلب عليها، مما يؤثر سلباً على القطاع الصناعي المحلي.

ويبقى واقع الصناعة في شمال شرق سوريا معقداً ومتعدد الأوجه، على الرغم من التقدم المحرز في ظل الإدارة الذاتية، فإن التحديات الكبيرة لا تزال قائمة وسط بنية تحتية ومتهالكة وحصار اقتصادي.

إعداد وتحرير: محمد حبش