خلال ذروة الاحتجاجات التي اجتاحت العالم العربي في عام 2011، خرج الشعب السوري إلى الشوارع بالآلاف للدعوة إلى إصلاحات سياسية واجتماعية اقتصادية، على أمل تكرار نجاح أقرانهم الثوريين في تونس ومصر. أدى القمع الوحشي من قبل نظام الأسد الذي تلا ذلك إلى اندلاع نزاع دام ثلاثة عشر عاماً ترك البلاد مدمرةً بشكل كامل مع شعب فقير بحاجة ماسة إلى مساعدات دولية طويلة الأجل.
أظهر تقرير لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق المساعدة الإنسانية (OCHA) نُشر في شباط/ فبراير والبيانات المقدمة يوم الاثنين في مؤتمر بروكسل الثامن حول «دعم مستقبل سوريا والمنطقة»، أنه من بين ما يقرب من أربعة وعشرين مليون سوري، أكثر من 70 بالمئة الآن في حاجة ماسة إلى المساعدات.
تشير التقديرات إلى أن ما يقرب من 90 بالمئة من إجمالي السكان يعيشون في فقر حيث انهارت البنية التحتية والمؤسسات المتبقية في البلاد. يعيش سبعة ملايين سوري كلاجئين في البلدان المجاورة اعتماداً على المساعدة المستمرة من المانحين الدوليين. تشير التقديرات إلى مقتل نصف مليون شخص خلال الحرب الأهلية وفقدان 150 ألف آخرين لم يعرف مصيرهم حتى يومنا هذا.
فقدت الليرة السورية أكثر من 90 بالمئة من قيمتها، وصل التضخم إلى مستويات قياسية وكل ما تبقى من الإنتاج المحلي يعاني من نقص الاستثمار ومشاكل عديدة تؤدي إلى انخفاض الإنتاج، وهذا خلق تحد هائل للمجتمع الدولي لمنع الأزمة الاقتصادية من أن تؤدي إلى تصاعد جديد في العنف في جميع أنحاء البلد وحتى في المنطقة بشكلها الأوسع.
لقد ثبت أن التسوية السياسية لإنهاء الصراع بعيدة المنال نتيجة عدم اتخاذ إجراءات حاسمة ضد نظام وحشي ارتكب العديد من الفظائع ضد شعبه في محاولة للبقاء في السلطة.
ولا تزال تعرقل أعمال العنف المستمرة عملية إعادة الإعمار بالغة الأهمية. من المفترض أن يتم توزيع المساعدات الدولية على أساس الاحتياجات والتناسب ولكن يتم استغلالها من قبل النظام. ساهم عدم وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتضررة في شمال سوريا التي لا تزال تحت سيطرة قوات المعارضة أو المناطق التي تحكمها الإدارة الكردية المتمتعة بالحكم الذاتي في انعدام الأمن الغذائي الحاد وتفشي الأمراض القابلة للعلاج بين السكان المتضررين.
لا يوجد بلد آمن للعودة
يواصل السوريون الذين ما زالوا قادرين على القيام بذلك البحث عن طرق لمغادرة البلاد، مما أدى إلى هجرة غير مسبوقة لذوي الكفاءات الذين قد يساهمون في الآفاق الاقتصادية المستقبلية للبلاد، عبر رحلات مروعة عبر المنطقة في محاولة للوصول إلى بر الأمان. اعترف منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل في مؤتمر بروكسل بأن الوضع الإنساني في سوريا لم يتحسن وحذر من محاولات الاتحاد الأوروبي لتشجيع اللاجئين على العودة “الطوعية” إلى سوريا التي لا تزال غير آمنة لهم.
لا يزال الاتحاد الأوروبي أكبر مانح للمساعدات الإنسانية لسوريا، لكن الدول المجاورة لها، مثل لبنان والأردن، تُركت في الغالب لتحمل المهمة الهائلة المتمثلة في استضافة أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين بأنفسهم. وصلت الأموال الموعودة من دول أخرى للمساعدة في تخفيف هذا الضغط بشكل نادر جداً. ولم يتم تعويض خفض الميزانية للعام الماضي من قبل برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة بالكامل من قبل الاتحاد الأوروبي والمانحين الآخرين.
مع استمرار الصراع واجهت سوريا والمجتمع الدولي العديد من التحديات المتعلقة بالصراع، بما في ذلك حرب بالوكالة متعددة الأوجه، وعدد غير مسبوق من اللاجئين الذين غمروا المنطقة وتوجهوا نحو الاتحاد الأوروبي، وإقامة دولة إرهابية عابرة للحدود ومن ثم هزيمتها الأولية، وفرض أقسى العقوبات على أي دولة في التاريخ الحديث. ومع ذلك، لا يزال الاتحاد الأوروبي يفشل في الاعتراف بالمخاطر التي تملكها دول أخرى مثل إيران وروسيا في مساعدة نظام الأسد على البقاء.
ولم يتمكن حتى الزلزال الذي دمر مجتمعات في جميع أنحاء تركيا وسوريا في أوائل عام 2023 من تجديد الجهود الدولية لدعم الشعب السوري في وقت شدتهم. استمرت المساعدات الدولية في التدفق إلى تركيا ولكن تم توزيع جزء بسيط فقط من ذلك على المناطق المتضررة في سوريا. مرة أخرى أدت “المطالب المتعارضة” إلى استبعاد الشعب السوري لوحده.
لا يوجد حل سياسي في الأفق
أكدت الخطابات التي ألقاها العديد من الممثلين الحاضرين في مؤتمر بروكسل على أهمية الالتزام بالتعهدات المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 2254 في عام 2015.
لكنهم فشلوا في الاعتراف بأنه لم يتم بذل أي جهد حقيقي لسنوات فيما يتعلق الأمر بإلزام جميع الأطراف بوقف دائم لإطلاق النار، والعمل من أجل انتقال سياسي بقيادة سورية، ومحاربة تنظيم الدولة الإسلامية التي تعود لنشاطها، وتقديم دعم حقيقي من أجل تقديم عناصر هذه الجماعة إلى العدالة من خلال محكمة قانونية دولية، أو تقديم مساعدة وخبرة مستمرة على نطاق كاف على أرض الواقع.
كان تقاعسنا تحذيراً مبكراً لأن الغرب والاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص إما كانوا غير قادرين أو غير راغبين في العمل كحامل لواء المعايير والقيم التي ندعي أننا نعتز بها، مما أدى إلى استفادة الخصوم الجيوسياسيين من ذلك من خلال ملء الفراغ الذي رفضنا ملئه بالسياسات الشاملة والتمويل والعمل.
وما زلنا نتهرب من هذه القيم وما يرتبط بها من مسؤوليات ولا نتعامل مع المشاكل إلا عندما تقترب في النهاية من حدودنا، وتبدأ بشكل كامل في موقع دفاعي ومع بروز أزمة زمنية كبيرة للحصول على أطر سياسية حقيقية من خلال تحويل عملية التشريع التي تتركها مفتوحة للسياسة والاستغلال دون رادع من قبل قادة الاتحاد الأوروبي الانتهازيين. ومن الأمثلة على ذلك اتفاقيات الاتحاد الأوروبي الأخيرة مع مصر ولبنان لمساعدتهما على إدارة الهجرة على الرغم من مخاوف حقوق الإنسان.
إن ذكر الممثل الأعلى بوريل للحاجة إلى النظر بطريقة عملية إلى الحلول المحتملة للأزمة السورية أدى إلى الشعور بالخوف، لأن الأمر كان غامضاً عن عمد ويجسد حالة التردد عندما يتعلق الأمر بنهج الاتحاد الأوروبي المشترك لهذه الأزمة وغيرها من الأزمات المستمرة. لذلك لا يمكننا أن نتفاجأ بأن شركاءنا الدوليين سيستمرون في الإصغاء إلى القوى العظمى الأخرى، بينما نخاطر نحن لنكون أكثر عزلة تدريجياً.