غرفة الأخبار – نورث برس
تكررت نداءات الإدارة الذاتية للدول التي لديها رعايا من تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” لسحبهم من سوريا، في مناطق شمال وشرقي سوريا، حيث يتواجد الآلاف منهم في المخيمات والسجون.
وتعتبر الإدارة الذاتية السجون التي تحوي عناصر التنظيم “قنبلة موقوتة” لا سيما في ظل التهديدات التركية التي طالت مراكز الاحتجاز ومحيطها، فضلاً عن نشاط خلايا “داعش” الذي يحاول استهداف السجون كما حصل في سجن الصناعة بالحسكة مطلع عام 2022.
كما قضية العناصر الأجانب تعتبر من أكثر القضايا الأمنية والحقوقية تعقيداً في الحرب السورية المستمرة منذ أكثر من 13 عاماً.
هروب من المسؤولية
يقول مانيش راي وهو محلل جيوسياسي، لنورث برس، إن الدول الغربية قامت “بتردد” بإعادة بعض رعاياها الذين انضموا إلى “داعش” إلى بلدانهم الأصلية، “الآن يواجه العديد من هؤلاء العائدين محاكمة في بلدانهم، حيث تحظر قوانين العديد من البلدان المشاركة في أي نزاع مسلح في الخارج أو الانضمام إلى منظمات محظورة”.
ويضيف: “بمجرد عودتهم إلى بلدانهم، يتعين على جميع العائدين أن يخضعوا للاستجواب، ثم يتم إجراء تحقيق حول دورهم في الصراع وما إذا كانت النتائج الأولية تشير إلى تورطهم في الإرهاب بأي شكل من الأشكال، بعد ذلك، يتم تقديمهم للمحاكمة”.
“لكن حتى الآن لم يحقق تقدم كبير في هذه المحاكمات، مما أدى إلى تسجيل نسبة قليلة جداً من الأحكام القضائية، يرجع ذلك إلى أن الجهات التحقيقية تواجه صعوبة بالغة في جمع الأدلة من المناطق التي ارتُكِبت فيها هذه الجرائم”، بحسب راي.
ومنذ الأيام الأولى لانتهاء معركة الباغوز، ناشدت الإدارة الذاتية وطالبت المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته في إيجاد حلول لملف عناصر “داعش” المحتجزين لديها، وطرحت مبادرات من أجل تشكيل محكمة دولية أو تحمل طابعاً دولياً، بما يتوفر لديها من أدلة تُدين العناصر.
وبحسب راي أن معظم هؤلاء يشكلون تهديداً أمنياً كبيراً عند عودتهم، لذا تقوم الجهات الأمنية في بلدانهم بمراقبتهم بشكل صارم.
ويبلغ عدد المحتجزين لدى الإدارة الذاتية نحو 10 آلاف عنصراً للتنظيم، بالإضافة لوجود عشرات الآلاف من أفراد أسرهم، أغلبهم من الأطفال والنساء يقيمون في مخيمات شمال وشرق سوريا.
ويشرح الباحث أسباب اعتراضات المجتمع الدولي الرئيسية على هذه المحاكمات، ومنها “افتقار” الإدارة الذاتية للقدرات والموارد اللازمة للامتثال بالكامل للمعايير الدولية في مثل هذه المحاكمات، بالإضافة إلى أن الإدارة الذاتية هي كيان غير معترف به دوليًا وتفتقر إلى الشرعية لإجراء المحاكمات.
دعم واجب
يعتقد الباحث أن هذه المخاوف، التي تأتي بشكل أساسي من الدول الغربية، لا تستند إلى أسس قوية، إذا قدم المجتمع الدولي يد المساعدة للإدارة الذاتية، فإنه يمكن إنشاء محكمة دولية تتمتع بالموارد الكافية لبدء المحاكمات وتحظى بالشرعية الدولية في شمال شرقي سوريا.
ويضيف أنه من الطبيعي أن يكون لدى السلطات القضائية في المكان الذي ارتكبت فيه الجريمة الحق في محاكمة المشتبه بهم وتقديمهم للمحاكمة، ثم إذا ثبتت إدانتهم، فإنها تصدر الحكم بالإدانة.
ويشدد: “لكن كما اقترحت سابقاً، تفتقر وكالات التحقيق في هذه البلدان إلى الموارد اللازمة لجمع الأدلة من الأرض، وبسبب نقص الأدلة، لن يكون هناك أو سيكون هناك عدد قليل جدًا من الإدانات، يمكن القول بحق أن المجتمع الدولي ليس لديه خطة ملموسة لتحقيق العدالة”.
ودعت الإدارة الذاتية في بيانها التحالف الدولي لمحاربة “الإرهاب”، والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية المعنية، والمنظمات المحلية، للانخراط بشكل إيجابي والتواجد وتقديم الدعم خلال جميع مراحل المحاكمات.
أحكام ناقصة
يقول فابريس بالانش، أستاذ محاضر في جامعة ليون الفرنسية وخبير في شؤون الشرق الأوسط، إنه في فرنسا، يقضي جميع البالغين فترة سجن لمدة لا تقل عن خمس سنوات حيث يسمح القانون الجديد بفرض عقوبات سجن على أي شخص انضم إلى “داعش” أو أي مجموعة “إرهابية” أخرى، حتى لو ادعوا أنهم كانوا في سوريا لأعمال إنسانية.
ويتم وضع الأطفال مع “أسر تبني” أو مؤسسات متخصصة، “نظرًا لاعتبارنا أنه يجب عزلهم عن بيئتهم الأصلية لمحو الافكار المتطرفة لديهم”، بحسب بالانش.
ويضيف لنورث برس، أن معظم البالغين تتم محاكمتهم بعد مغادرة سوريا، كما يُمكن للنساء تبرئة أنفسهن إذا استطعن إثبات أنهن وصلن إلى سوريا رغماً عن إرادتهن بواسطة أزواجهن.
ويشير إلى وجود القليل من الدراسات حول إعادة اندماج الأفراد العائدين السابقين من عناصر “داعش” إلى الحياة المدنية، وذلك لأن الغالبية العظمى ما زالت في السجن، أما الذين خرجوا فهم تحت مراقبة الشرطة، “حتى الآن، لم نشهد أي حالات تكرار عنف، ولكن نعلم أنهم قد يلعبون دور التقية (إخفاء النوايا والمعتقد خوفاً) لسنوات عديدة قبل أن يعودوا للقيام بها مرة أخرى”.
المعضلة
ذكر بالانش أن “عمليات إزالة التطرف من الأذهان غير فعالة، بما في ذلك الأطفال، وقال لي شخص يعمل في هذا المجال إن المراقبة النفسية كانت غير كافية جدًا وأن الأطفال لا يزالون يؤمنون بأيديولوجية داعش أما بالنسبة للبالغين، فلدينا بعض الذين يعبرون علنًا عن ندمهم، ولكن هنالك آخرين يحتفظون سرًا بالحنين لالتزامهم الإرهابي”.
أما عن عدم دعم المجتمع الدولي لمحاكمة الإدارة الذاتية لعناصر “داعش” الأجانب، يقول بالانش: إن “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا ليست معترفة بها رسميًا كدولة أو منطقة ذاتية الحكم من قبل الأمم المتحدة، لا تزال المنطقة تنتمي إلى سوريا بقيادة بشار الأسد، وسوف تتولى السلطات القضائية السورية هذه المهمة إذا ما تم عقد هذه المحاكمة”.
ويقول الباحث لزكين إبراهيم لنورث برس، إن “الأسباب الرئيسية لعدم محاكمة عناصر التنظيم حتى الآن، بسبب وجود الآلاف منهم من الأجانب، وهؤلاء يحتاجون لقرار الدولي، وخاصة من المحكمة الجنائية الدولية، وهي المخولة بمحاكمتهم”.
نقص الدلائل
يشير بالانش الخبير في شؤون الشرق الأوسط إلى معضلة نقص الأدلة لدى النظام القضائي الأوربي والتي تحول دون إدانة هؤلاء العناصر.
وبسبب عدم وجود أدلة في النظام القضائي الفرنسي، وهي لا تستطيع القدوم والتحقيق في سوريا أيضًا، “يعرف داعش كل هذا، ولهذا السبب يطلب أولئك القادمون من غرب أوروبا أن يتم إعادتهم ومحاكمتهم في بلدهم” بحسب بالانش.
ويضيف: “من ناحية أخرى، فإن القادمين من روسيا أو الدول العربية لا يستعجلون بالعودة، لأن العدالة أكثر سرعة في تلك الدول، ولكن في الغرب، نكون أكثر تساهلًا، حيث يحق للإرهابيين فرصة ثانية، وحتى ثالثة، وما إلى ذلك، هناك العديد من جمعيات حقوق الإنسان هنا للدفاع عنهم. هذا هو ما ليس منطقيًا”، بحسب بالانش.
وعن موقف المجتمع الدولي، يقول: “لا يمكننا استخدام مصطلح المجتمع الدولي بالمعنى المعتاد، نحن نعيش مرة أخرى في حالة حرب باردة بين الغرب والمحور الأوراسي، حيث تكون العدالة أكثر صرامة في روسيا حيث يحكم على إرهابيي داعش بالإعدام أو السجن المؤبد في ظروف مروعة”.
لكن، في غرب أوروبا والولايات المتحدة، والتي تعد دولاً ديمقراطية، تحترم العدالة القانون حيث تكون الأحكام أخف، ولهذا السبب، وبحسب ما يرى بالانش، تفضل فرنسا ودول غربية أخرى أن يبقى عناصر في السجون في سوريا.