السريان في الجزيرة السورية.. عادات دينية واجتماعية قيد الفقدان
أفين علو – القامشلي
على مائدة الطعام تجلس فهيمة قدسو بمفردها تقريباً فأبناءها هاجروا إلى أوروبا “ليُغيِّبوا العادات والتقاليد ولون الثقافة السريانية في مدينة الدرباسية غربي القامشلي، حتى على المائدة”، حسبما تقول.
أما كميل إيلو، وهو من سكان مدينة عامودا فقد اعتاد على أن يتجول منذ أكثر من عشرين سنة داخل كنيسة مار إلياس في المدينة ثم يغلق بابها ويعود إلى منزله القريب من الكنيسة.
ولا يزال “إيلو”، محافظاً على الطقوس والتقاليد القديمة، لكنه يقول لنورث برس: “الصغار في السن لا يلتزمون بها كثيراً، فهم من جيل الحرب ولا نستطيع إجبارهم بالقوة, ولذلك نخاف أن لا يلتزموا بعادات آبائنا وأجدادنا”.
ورغم خلو مقاعد الكنائس في منطقة الجزيرة من السريان، إلا أنها تمارس ثقافتها ومعتقداتها المرتبطة بدينها في الأعياد والاحتفالات.
كنائس رمزية
تلعب الكنائس، رغم هجرة أبنائها إلى خارج سوريا، دورها في الحفاظ على العادات والتقاليد ومن خلالها تحاول حماية طقوس وأعراف المكون السرياني.
وكانت الصلاة في الكنائس تقام كل يوم، ولكن اليوم وبحسب “إيلو”، “لا يوجد كاهن في كنيسة عامودا لنقص عدد المكون، ويزورون الكنيسة في نهار الأحد فقط، وهو ما سيؤدي لنسيان هذه الطقوس”.
يقول الكاهن ميخائيل يعقوب: “هجرة أبنائنا إلى الخارج وخاصة إلى الغرب، أثرت على ممارسة الطقوس. ولكن لم يؤثر في الجوهر, ومع ذلك ظهر التأثير على الكم؛ لأنه كان هناك كم كبير من المؤمنين ولكن الآن مقاعد الكنسية شبه فارغة”.
مخاوف وتحديات
وفي التسعينيات، نزح العديد من المكون السرياني من عامودا واستقروا في القامشلي والحسكة، وانتقلوا فيما بعد إلى أوروبا مع بدء الأزمة السورية، وهذا أثر كثيراً على معرفة العادات والتقاليد.
ويصف عبد الأحد حنا، من الدرباسية، هجرة العائلات المسيحية، بـ”الخطر”، ويقول: “أصبحنا من الأقليات ولم يبق شيء من هذه العادات”.
ويستدرك: “لكن قبل 30 أو أربعين سنة، كنا نجتمع مع الكهنة ونمارس طقوسنا كما يجب”.
وبهدف حماية ثقافة وعادات الشعوب، عقدت منظمات المجتمع المدني ومؤسسات الإدارة الذاتية العديد من الندوات في العام الماضي بعنوان: “الحفاظ على العادات”. وأظهرت نتائجها بأنه يمكن تعزيزها وحمايتها عن طريق الممارسة وعقد جلسات حوارية للتعرف أكثر عليها وعدم نسيان ثقافة المكونات.
يقول ممثل المكون السرياني في العلاقات الخارجية، روبيل بحو، لنورث برس: “مع وجود الهجرة الكبيرة لشعبنا، الكنائس بقيت بشكلها الرمزي وما زالت تحافظ على تجميع شعبنا إلى درجة ما”.
ويشدد “بحو” على أنه مع استمرار الهجرة “لا يمكن توقع بقاء الشعب السرياني في المنطقة إذا لم تكن هناك مساعدة ودعم لإصدار قوانين تستطيع الحفاظ على وجود المكون الذي تم قمعه على يد العثمانيين في القرن الماضي”.
ونهاية العام الماضي، أصدرت الإدارة الذاتية عقداً اجتماعيًا جديداً، نص في بعض مواده على حماية الثقافة وحقوق كل مكون، وحماية واجبات وحقوق جميع الشعوب.
وخصت المادة (17) من العقد الاجتماعي، الشعب السرياني – الأشوري، في ضمان حقوقه الاقتصادية والسياسية والثقافية، ومنع أي تغير ديمغرافي في المنطقة وترسيخ مبدأ الديمقراطية التوافقية “التي تمثل شعبنا في الإدارة”، بحسب “بحو”.