وسام الأبازيد – درعا
يفتح موسى خليل كل أحد، باب كنيسة سيدة البشارة ذات الحجر البازلتي في مدينة درعا، جنوبي سوريا، بالرغم من أن المئات من المصلين كانوا يملؤون مقاعدها في السابق، لكنها اليوم باتت شبه خالية.
مرتدياً ثوباً أسود، يؤكد المطران خليل، لنورث برس، أن “مئات العائلات المسيحية كانت تعيش في مدينة درعا قبل بدء الحرب، لكن الآن تراجعت أعدادهم”.
ويشير إلى أن مسيحي درعا لا يزالون يواصلون إقامة طقوسهم الدينية والاحتفالية ويعيشون في بيئة ترحيبية بين المسلمين.
ويضيف: “الكنيسة لم تتوقف أبداً عن إقامة الصلوات، حتى عندما وجدت نفسها محاصرة بين الأطراف المتحاربة”.
طوال سنوات الحرب السورية، انخفض عدد المسيحيون بشكل ملحوظ، لكن على عكس المدن السورية، كانت درعا تشهد أدنى معدل للهجرة.
يعتقد المطران أن السبب وراء ذلك هو أن معظم فصائل المعارضة في درعا من السكان المحليين، مما يجعل المجتمع أكثر أماناً في مواجهة العنف الطائفي.
كانت كنيسة سيدة البشارة للروم الأرثوذكس تقع على خط التماس بين قوات الحكومة السورية وفصائل المعارضة المسلحة اللتان تقاسمتا السيطرة على مدينة درعا. ولم تسلم من شظايا وقذائف طالتها إلا أنها واصلت رغم ذلك إحياء الأعياد.
وسيطرت القوات الحكومية في صيف عام 2018 على كامل المدينة إثر عملية عسكرية واتفاقات تسوية وإجلاء لفصائل المعارضة بوساطة روسية.

المسيحيون في درعا
واجه المسيحيون في سوريا بشكل عام وفي درعا على وجه الخصوص العديد من التحديات في السنوات الأخيرة، بما في ذلك الصعوبات الاقتصادية وطول سنوات الحرب، مما أدى إلى انخفاض أعدادها.
يقول عفيف صوايا وهو أسقف أبرشية في بلدة الخباب شمالي درعا، إن المسيحيين في درعا متناثرون في عدة قرى وبلدات داخل المدينة، وتشمل هذه القرى قرى تسيا، سمج، وسماقية في الجزء الشرقي من المدينة، بالإضافة إلى مناطق أخرى مثل غسم، وراخام، وشرايا، بالإضافة إلى مدينة إزرع وبلدة المصمية.
بالإضافة إلى ذلك، هناك وجود مسيحي بارز في الجزء الشمالي من درعا، بما في ذلك قرى الخباب، وباسر، وتبنا، ومثابين، وشقرا، ونمار.
ومع ذلك، فإن النسبة المئوية الدقيقة لأولئك الذين لا يزالون في محافظة درعا غير واضحة. حيث يُقدر أن حوالي 35% من الجالية المسيحية قد هاجروا، وفقاً لصوايا.
ويشير لنورث برس إلى أن الغالبية العظمى من الشبان غادروا لتجنب الخدمة العسكرية والتعامل مع قوات الحكومة، كما سعوا للهروب من الظروف الأمنية الصعبة.
ويضيف: لا شك في أن هذا التغيير الاجتماعي سيكون له تأثير طويل الأمد على البلاد التي شهدت العديد من التحولات السكانية منذ 13 عاماً على عمر الحرب السورية.
المسيحيون والاحتجاجات السورية
في بداية الأحداث السورية، حاولت الحكومة تسليح المسيحيين وتشجيعهم على الانضمام إلى قوات الأمن، لكن العديد من المسيحيين في درعا فضلوا إرسال الشبان إلى الخارج “بدلاً من الموت”، وفقاً لـ صوايا.
ويضيف الأسقف “عُرف المسيحيون بأنهم موالون للحكومة لكن العديد من المسيحيين في درعا دعموا الاحتجاجات وشاركوا بنشاط فيها”.
ويشير أن كنسية سيدة البشارة “خبأت 30 شاباً، خلال الأحداث التي وقعت في الأربعاء الدامي عام 2011”.
“عندما حاولت قوات الأمن تفتيش الكنيسة، قاوم المسيحيون ضدهم، رافضين السماح لهم بالدخول”. يتذكر الأسقف.
وفي بعض المناطق المسيحية في درعا، مثل قرى الخباب وباسر، تجنب السكان الانضمام للقتال مع الأطراف المتحاربة، أي لم ينضموا الاحتجاجات و لم يدعموا حكومة دمشق.
وشاركت العائلات المسيحية في إخفاء العديد من الشبان في منازلها معرضة حياتها للخطر لحماية المحتجين من الاعتقال.
ويشير أسقف أبرشية بلدة الخباب أن الحكومة السورية حاولت تلفيق تهم بأن فصائل المعارضة تستهدف المسيحيين، “وقد هرب سكان قرية الخربا من منازلهم بعد نشر الإشاعات بأن الجيش الحر سيقتل المسيحيين حينما يدخلون القرية”.
ويؤكد الأسقف لم يتم تنفيذ هجمات ضد المسيحيين في درعا، سواء من قبل الحكومة أو من قبل الجماعات المسلحة”.
ويختم حديثه “نحن شعب متحد ومتماسك، نحن نشترك في العادات والتقاليد والأغاني والاحتفالات واللهجة والزي الشعبي والمأكولات الشعبية المشتركة”.