عائلة في الحسكة تستذكر حريقاً أودى بحياة معيلها مع عشرات المسجونين

سامر ياسين – نورث برس

يتحلق الأطفال في منزل ببلدة تل تمر بريف الحسكة، شمال شرقي سوريا، حول جدتهم التي تحمل صورة زوجها الراحل في ذكرى حريق سجن الحسكة قبل أكثر من ثلاثة عقود.

ولم يرَ الأحفاد جدهم إلا في الصور، وبإمكان الأم إخبارهم أنه توفي في سجن للحكومة السورية، بينما يبدو سرد التفاصيل المؤلمة غير مناسب لأعمار الأطفال.

وقضى في الحريق  الذي اندلع في سجن الحسكة في 23 من آذار/ مارس 1993 أكثر من 60 محتجزاً بتهم متباينة، تتراوح ما بين السياسية والجنائية وتجارة المخدرات وحتى المخالفات البسيطة.

أحد ضحايا حريق السجن كان محمد حج عارف محمد من مواليد العام ١٩٦٠، له ثمانية أولاد وكان يعمل في العتالة، وما زالت عائلته تسكن في حي تل أحمر ببلدة تل تمر.

“دون جثمان”

وتكتفي مهدية كوتي (63 عاماً) مع بعض أبنائها وأحفادها باستذكار زوجها في منزلها عن طريق استعادة الذكريات وتصفح الصور دون أن يزوروا القبر الذي لم يتأكدوا من وجود جثمان عميد أسرتهم فيه.

تقول، لنورث برس، إن الحريق حدث بعد ثلاثة أشهر وثلاثة أيام من احتجاز زوجها بسبب تقرير عن شرائه “دخان مهرّب” رغم أن عمله كان في العتالة.

لكن السلطات التي أعلمتها بوفاته في السجن لم تسلّمها جثمانه، وأخبر عنصر شرطة العائلة أنهم دفنوا الجثمان في قرية “عب الناقة” شرق تل تمر دون تقديم أي وثائق او تأكيدات على ذلك.

تضيف كوتي: ” عندما زارنا عناصر الشرطة يوم الحادثة أخبرونا أن الجثمان تم نقله لسري كانيه / رأس العين بالخطأ وستجري إعادته، لكنهم قالوا فيما بعد إنهم كانوا يخشون ردود فعل العائلة وقتها، فقرروا دفنه ثم إعلامنا”.

ولا تملك المرأة مشاعر تجاه القبر المشار إليه رغم زيارته سابقاً، تتذكر أيضاً أنها شاهدت زوجها في الحلم يخبرها أن القبر ليس له، ما زاد من شكوكها.

وكافحت مهدية كوتي بعدها لإعالة أبنائها، فعملت في بيع الدجاج والمواد الغذائية لتؤمن احتياجات العيش، ما تسبب لها بمعاناة صحية في الحركة والتنقل رغم أنها في الستينات من عمرها.

وتبدو المرأة راضية عما أنجزته، فابنها الأصغر الذي كان يبلغ شهراً من العمر وقت الحادثة، تجاوز الآن الثلاثين وله أربعة أطفال.

أدلة غائبة

يقول الابن محمد، الذي تمت تسميته على اسم والده، إنه يحاول الآن أن يكون قريباً من أطفاله متفهّماً لطلباتهم واحتياجاتهم، بعد أن عانى من غياب والده في طفولته.

ويضيف: “ليس والدي فقط من قضى في السجن، من المؤكد أن هناك الكثير من الآباء، وربما ابناء وحيدون لعائلاتهم”.

ولم تكشف الحكومة السورية الأسباب الحقيقية للحريق وتفاصيله، وجاء في تقرير أرسلته شرطة الحسكة آنذاك إلى وزارة الداخلية في دمشق أن مدمني مخدرات في المهاجع تسببوا بالحريق.

وقامت السلطات في 24 أيار/ مايو بتنفيذ حكم الإعدام بحق خمسة معتقلين اتهمتهم بافتعال الحريق، لكن ذوي الضحايا والناجين من الحريق تداولوا خبر الحادثة كمخطط مفتعل من قبل الأجهزة الأمنية وإدارة السجن.

و بلغ عدد ضحايا حريق سجن الحسكة مع من أعدمتهم السلطات بعد تحميلهم المسؤولية 72 شخصاً.

ونقل بعض الناجين أن إدارة السجن وزعت مادة الكاز على السجناء بكميات كبيرة بعد فترة من قطعها عنهم، وتم رش الجدران بمواد قابلة للاشتعال على أنها مبيدات حشرية.

وجرى دفن غالبية الضحايا في قبور مجهزة مسبقاً من جانب الأجهزة الأمنية، ودون تسليم رسمي للجثامين.

ويتهم محمد، وعائلات الضحايا الآخرين، الحكومة السورية بافتعال الحادثة وإخفاء الأدلة التي تدينها، والسماح للجناة الحقيقيين بالإفلات من العقاب، لتبقى القصة تاريخاً لأحد السجون السورية التي ظهرت ملفات الانتهاكات فيها قبل وبعد العام 2011.

تحرير: حكيم احمد