الخروج المفاجئ للولايات المتحدة من سوريا سيكون لمصلحة إيران وداعش

بقلم: مانيش راي

جاء في مقال نشرته “فورين بوليسي” الأميركية بأن الولايات المتحدة تخطط بجدية لإنهاء وجودها العسكري في سوريا. ونقلت المجلة عن مصادر رفيعة المستوى في وزارتي الدفاع والخارجية الأميركيتين أن البيت الأبيض لم يعد يريد الحفاظ على مهمة يعتبرها غير ضرورية، وأن هناك مناقشات داخلية تجري لتحديد الأمور اللوجستية وتوقيت الانسحاب. حيث يتواجد حالياً حوالي 900 جندي أميركي في شمال شرق سوريا وجنوب شرقها في مهمة تهدف إلى منع عودة تنظيم الدولة الإسلامية.

تتمركز معظم القوات الأميركية في المناطق التي يسيطر عليها حليفها الرئيسي قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شمال شرق سوريا كمحافظتي الحسكة والرقة. بالإضافة لقاعدة التنف الواقعة بمنطقة نائية بالقرب من حدود سوريا مع الأردن والعراق منذ العام 2016 حيث اتفقت واشنطن مع موسكو على تواجد قواتها في هذه القاعدة وهي جزء من منطقة خفض التصعيد التي تبلغ مساحتها 55 كيلومتراً، حيث تسير القوات الأمريكية دوريات مشتركة مع فصائل سورية.

يُجادل منذ مدة طويلة أنه يتم إرهاق الشعب الأميركي بسبب الحرب في سوريا بشكل متزايد، وهناك ضغط كبير على إدارة بايدن للانسحاب من سوريا. بالإضافة إلى ذلك، تسعى إيران إلى توسيع الصراع المستمر بين إسرائيل وحماس في غزة من خلال استهداف مصالح الولايات المتحدة في المنطقة. أصبحت القوات والقواعد الأميركية في سوريا هدفاً للميليشيات الموالية لإيران، وظلال الحرب الأوسع بين الولايات المتحدة وإيران يجعل وجودهم أكثر خطورة.

مع ذلك، يجب على السياسيين الأمريكيين أن يضعوا بالحسبان جميع النتائج الممكنة لانسحاب القوات الأميركية من سوريا. حيث سيكون أبرز المستفيدين من الانسحاب الكلي هم إيران وتنظيم الدولة الإسلامية.

فقد أقحمت إيران نفسها في الصراع السوري من خلال تقديم نفسها وما يُعرف بمحور المقاومة كضامن أمان إضافي وداعم رئيسي للنظام السوري.

إن السيناريوهات المحتملة لما قد يتبع انسحاب الولايات المتحدة تقدم مجموعة متنوعة من الفرص لإيران لتوسيع نفوذها ليس فقط في سوريا بل أيضاً في المنطقة بشكل عام. انسحاب الولايات المتحدة المتسرع تلاه انهيار سريع للحكومة الموالية للغرب في أفغانستان، مما أدى إلى فوضى كبيرة في البلاد. وبالمثل، فإن الخروج المفاجئ للولايات المتحدة من سوريا سيؤدي حتماً إلى خلق نوع من الفوضى وخاصة في شمال شرق سوريا.

يعتبر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) من المستفيدين الرئيسيين من الفوضى في شمال شرق سوريا. كما تشير الأحداث الاخيرة حيث يستغل التنظيم أي فوضى تحدث. ويجب أن نتذكر أن “قسد” لا تزال تحتجز الآلاف من عناصر داعش وعائلاتهم في معسكرات الاعتقال. وإذا كانت قوات قسد مشغولة بالقتال من أجل البقاء بعد خروج الولايات المتحدة من سوريا، فسيقدم الانسحاب فرصة ذهبية لداعش لمهاجمة هذه المعسكرات وتحرير عناصرها الأكثر تطرفاً، وسيشجع ذلك عدداً كبيراً من عناصر داعش للتمرد المستمر داخل سوريا وخارجها، وقد يشير إلى عودة ديناميكية للتنظيم.

على الرغم من وجود قوة أميركية صغيرة جداً تبلغ تسعمائة جندي، إلا أن الولايات المتحدة لا تزال تلعب دوراً حاسماً في مكافحة الإرهاب. تُستخدم قاعدة التنف الأميركية بشكل أساسي وليس حصري لجمع المعلومات الاستخباراتية ومكافحة الإرهاب، فضلاً عن وقف عمليات تهريب الأسلحة. إذا تم سحب الوجود الأمريكي من قاعدة التنف، سيتطلب تنفيذ الولايات المتحدة عملياتها ضد داعش إما الحصول على إذن من الحكومتين الروسية والسورية، أو ستعرّض الولايات المتحدة للخطر من صواريخ الأرض-جو أو الحرب على أرض الواقع من قبل نظام الأسد وربما من قبل القوات الروسية أو الإيرانية.

في النهاية، سيؤدي الانسحاب العسكري الأميركي إلى خلق فراغ أمني على الحدود بين سوريا والعراق، ومن المرجح أن يتم سد هذا الفراغ من قبل الميليشيات المدعومة من إيران أو داعش.

أما حليف واشنطن الأكثر ولاءً في سوريا فهو قسد، حيث تشمل مصالحهم المشتركة القضاء الكامل على داعش، وجعل الشرق الأوسط مكاناً آمناً للديمقراطية وتعزيز تمكين المرأة والحفاظ على حقول النفط والغاز. قوات قسد ليست مثالية، ولكنها بالتأكيد تقاتل من أجل بناء مجتمع متعدد الأعراق وعلماني وديمقراطي في المنطقة التي تسيطر عليها والتي تُعرف رسمياً بالإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.

 تلعب واشنطن دوراً حيوياً في ضمان استمرار التجربة الديمقراطية لقوات سوريا الديمقراطية في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا. يجب أن تكون هذه التجربة نقطة مرجعية لنجاح الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط المليئة بالفوضى وعدم الاستقرار. سيُعتبر خروج أميركا من سوريا تخلياً عن شركائها الكرد، وسيكون ضربة قوية لمهمة مكافحة الإرهاب وسيشكك بمصداقية الولايات المتحدة، وسيُظهر كذلك صورة سلبية للولايات المتحدة بالنسبة لحلفائها الرئيسيين في المنطقة، وتدريجياً  لشركاء الولايات المتحدة المقربين، حيث سيجدون أنه لا يمكن الوثوق بالأمريكيين كحلفاء لفترة طويلة الأمد.

من الأفضل بالنسبة لصناع القرار السياسي الأميركي الاحتفاظ بقوة صغيرة على الأقل في سوريا، مما يسمح بجمع معلومات استخباراتية متواضعة ويمكن أن تكون كنقطة تصعيد إذا قررت القيادة الأميركية إعادة القوات إلى سوريا.

الآراء المعبر عنها في هذه المقالة هي آراء الكتّاب ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر وآراء وكالة نورث برس.