المرأة الكردية في السينما.. تحديات لم تمنع وصول أعمالهن للعالمية
أفين يوسف – القامشلي
كانت عائلة نجبير تتساءل حول قصة الفيلم والدور المسند لابنتهم، ويسألونها عن كادر العمل وأماكن التصوير، وكانوا يخفون موضوع مشاركتها في التمثيل السينمائي، وعند غيابها يخبرون الناس بأنها تخضع لتدريب مغلق أو أنها سافرت بداعي عملها كإعلامية.
“كنت أتألم من هذه التصرفات لأنني لا أفعل شيئاً معيباً”، تقول “نجبير غانم” (27 عاماً) من مدينة القامشلي.
أما شفين خليل وهي أيضاً من مدينة القامشلي تروي لنورث برس قصة دخولها عالم التمثيل قائلةً: “أمثل منذ الصغر في المسرح، مشاركتي في السينما كانت تجربة عظيمة بالنسبة لي”.
وتتذكر خليل “كنت متوترة ومتحمسة جداً للعمل في مجال التمثيل السينمائي، ورغم قلقي وخوفي، كان الوقوف أمام الكاميرا يمنحني شعوراً مختلفاً وجميلاً”.
وتشير ذات الـ 21 عاماً إلى أن المصاعب التي تواجه الفتيات، “كان لابد أن أبدأ من عائلتي، وبالفعل قمت بإقناعهم بحلمي بالتمثيل”.
الصورة النمطية وصلت للسينما
وواجهت كلٍ من “نجبير” و”شفين” وفتيات أُخريات تحديات اجتماعية ابتداء بالعادات والتقاليد ووصولاً إلى الصورة النمطية المترسخة في المجتمع.
وبدأت المرأة الكردية في شمال شرقي سوريا، العمل في السينما منذ عام 2016 من خلال مؤسسة “كومين فيلم روج آفا” التي عملت على كسر الحواجز والنمطية حول عمل النساء في السينما.
وتشير الإدارية ناديا درويش في المؤسسة، إلى أنهم واجهوا صعوبة في البداية من ناحية استقطاب الفتيات والنساء لمجال التمثيل السينمائي.
وتعزي ذلك لكون المجتمع بشكل عام خلال متابعته للأفلام العربية والأجنبية أخذ نظرة سلبية حول العمل السينمائي ويراه “عملاً معيباً، خاصة فيما يتعلق بالجانب الجنسي والجسدي للمرأة”.
وتوضح لنورث برس، “استطعنا تغيير نظرة المجتمع من خلال التصوير في المنازل والشوارع، ومن خلال استخدام الملابس الفلكلورية للمنطقة، والقصص التي تتناول واقع هذا المجتمع وقضاياه”.
أما صافيناز عفدكي وهي كاتبة ومخرجة سينمائية تخرجت من جامعة ديار بكر التركية عام 2015، ترى أن التحدي الأبرز الذي تواجهه المرأة في السينما هو “الصورة النمطية المترسخة على أن السينما هي ساحة للرجال فقط”.
لا تعتقد “عفدكي” أن هناك اختلاف بين التحديات التي تواجهها المرأة في السينما عن التي تواجهها في أي مجال آخر، وتعتبرها متشابهة لأنها تشمل العادات المجتمعية والعائلية والواقع المعاش والوضع الاقتصادي إضافة إلى قلة الوعي.
وتضيف لنورث برس، “مع تغير الواقع والانفتاح الذي رافق الحرب السورية، تغير أيضاً واقع السينما، وعملية انخراط المرأة في هذا المجال”.
ثمة صعوبات إضافية
لم تكن الصعوبة الوحيدة تتعلق بالمجتمع والصورة السائدة حول عمل النساء في السينما بل كان هنالك تحديات وصعوبات تواجه فريق العمل أثناء التصوير.
وتوضح “غانم” بأن الصعوبات كانت “متعلقة بالناحية الأمنية”، مشيرةً إلى “القصف المتكرر” على المنطقة.
وكان الفريق يجد صعوبة في الخروج لمناطق التصوير خاصة حينما كانوا يمثلون أدواراً “تقتضي ارتداء الزي العسكري أو حمل السلاح”. بحسب “غانم”
أما المخرجة “عفدكي” تشير إلى أن النساء واجهن تحديات أخرى لأن “العمل السينمائي يحتاج إلى الكثير من الطاقة والعمل لساعات طويلة والابتعاد عن الحياة الاجتماعية والعائلية لفترات طويلة”.
وتضيف: “المرأة لم تخض بعد تجربة العمل في بعض الأقسام المتعلقة بالسينما كالتصوير السينمائي والإخراج وهندسة الصوت وغيرها على مستوى الشرق الأوسط بشكل عام”.
وعلى الرغم من نجاح الفتيات بأداء أدوارهن إلا أن المخرجة تشدد على أن المنطقة تحتاج إلى أكاديميات لتعليم التمثيل كونه يعتمد على حركة الجسد والإيحاءات البصرية.
ما هو “كومين فيلم روج آفا”؟
تأسس “كومين فيلم روج آفا” عام 2015 ، وعمل بداية على تدريب الراغبين/ات بدخول عالم السينما إن كان في مجال التمثيل أو التصوير أو الإخراج، ومن ثم بدأ الكومين بتصوير الأفلام الوثائقية والمسلسلات والأفلام السينمائية.
وأنتج كومين فيلم روج آفا ثلاثة أفلام سينمائية هي (Ji bo Azadî – Heval kekê min – Kobanê – Berbû) وشاركت تلك الأفلام في الكثير من المهرجانات على مستوى الشرق الأوسط والعالم، وحصلت على الجوائز أيضاً.
وكان أول عمل قامت “عفدكي” بإخراجه وكتابة السيناريو بعد عودتها إلى مسقط رأسها سري كانيه/ رأس العين هو فيلم “MAL” (البيت)، وتم تصويره في مدينة الرقة عام 2018، ويروي قصص الأطفال في زمن الحرب.
وعام 2020 عملت المخرجة الكردية على كتابة سيناريو وإخراج فيلم “BERBU” (موكب الزفاف)، وتدور أحداثه حول قصة ثلاث فتيات تزامن موعد زفافهن مع التهديدات التركية باجتياح مدينة سري كانيه/رأس العين، وتم تصوير الفيلم في مدينة ديريك.
وشارك الفيلمان في عدة مهرجانات مثل مهرجان ( SHORT SHORTS ) في اليابان، ومهرجان (فالينسيا) للأفلام، ومهرجان (المرأة للأفلام السينمائية) في مدينة ليشبونا بالبرتغال، ومهرجانات أخرى عالمية وكردستانية.
وحصل فيلم بربو (موكب الزفاف) على جائزة (nos Olhares) لأفلام المرأة في البرتغال، وجائزة مسابقة ترافيسياس TRAVESSIAS-ISCTE)).
تقول ناديا درويش الإدارية في كومين فيلم روج آفا لنورث برس، إن الهدف من إنتاج الأفلام هو ليس الحصول على الجوائز فقط، وإنما “إيصال قصصنا إلى العالم”.