منذ الهجوم الذي قامت به حركة حماس ضد إسرائيل في 7 أكتوبر والحملة العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، ارتفعت حدة التوترات والعداءات في الشرق الأوسط إلى أقصى حد. ومع تلك الأزمة الإقليمية المعقدة التي تتجلى، فإنه ليس من المستغرب أن تعيد إدارة بايدن النظر في أولوياتها العسكرية في المنطقة.
ومع ذلك ينبغي أن يكون مصدر قلق كبير لأن ذلك قد يشمل انسحاباً كاملاً للقوات الأميركية من سوريا. وعلى الرغم من عدم اتخاذ قرار نهائي بالانسحاب، أكدت أربعة مصادر داخل وزارتي الدفاع والخارجية أن البيت الأبيض لم يعد مهتماً بالاستمرار في مهمة يرونها غير ضرورية. وتجري الآن مناقشات داخلية نشطة لتحديد كيفية وموعد انسحاب القوات الأميركية.
على الرغم من التأثير المأساوي الذي سيكون للانسحاب على النفوذ الأميركي والحلفاء في أزمة سوريا غير المحلولة والمتفاقمة بشدة، فإنه سيكون أيضاً هدية لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”. ورغم ضعفه بشكل كبير إلا أن المجموعة في الواقع جاهزة للانتعاش في سوريا إذا أتيحت لها الفرصة للقيام بذلك.
في العراق أيضاً، تقريباً اندثر تنظيم الدولة الإسلامية حتى وصل إلى حد يتمثل في تنفيذ متوسط تسع هجمات في الشهر في عام 2023، بانخفاض من حوالي 850 هجوم في الشهر في عام 2014.
ولكن الوضع في سوريا المجاورة أكثر تعقيداً بوجود نحو 900 جندي على الأرض، تلعب الولايات المتحدة دوراً حاسماً في احتواء وتقويض تمرد تنظيم “داعش” المستمر في شمال شرقي سوريا، بالتعاون مع شركائها المحليين قوات سوريا الديمقراطية.
ومع ذلك لا يزال الخطر قائماً. في وقت مبكر من صباح 16 يناير، شُن هجوم بالصواريخ من قبل تنظيم “داعش” على سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية ويحتجز فيه ما يصل إلى 5000 سجين من التنظيم، مما أدى إلى محاولة جماعية للهروب. وعلى الرغم من أن تلك العملية تم إفشالها في النهاية، إلا أن وجود القوات الأميركية يلعب أيضاً دوراً حيوياً في استقرار المنطقة التي يتم فيها احتجاز حوالي 10,000 مقاتل من التنظيم المدربين على المعارك في ما لا يقل عن 20 سجناً مؤقتاً وحوالي 50,000 امرأة وطفل مرتبطين بهم يتم احتجازهم في مخيمات مؤمنة.
بينما تمكنت القوات الأميركية وشركاؤها في قوات سوريا الديمقراطية من السيطرة على تعافي تنظيم الدولة الإسلامية في شمال شرقي سوريا، إلا أن الوضع في الغرب يثير مخاوف أكبر، على الجانب الآخر من نهر الفرات حيث يسيطر النظام السوري.
في هذه الصحراء الشاسعة يشهد التنظيم تعافٍ بطيء ولكن منهجي، حيث يستغل الاستهتار الحكومي وعجزها عن مواجهة تمرد متحرك في الصحراء. خلال السنوات القليلة الماضية نجحت المجموعة الإرهابية أيضاً في إعادة تأسيس وجود تشغيلي في درعا التي يسيطر عليها النظام في جنوب سوريا، وقد قامت بتوسيع نطاق وتعقيد عملياتها في جميع أنحاء الصحراء الوسطى، حيث استولت مؤقتاً على أراضٍ مأهولة واحتجزت مرافق الغاز ومارست ضغوطًا كبيرة حول بلدة تدعى تدمر في قلب سوريا.
في شرق ووسط سوريا، عاد شبح “داعش”، لقد أعاد التنظيم إعادة تأسيس عملية ابتزاز معقدة، حيث تستخلص ما يسمى بـ الضرائب من الأطباء وأصحاب المتاجر والمزارعين وسائقي الشاحنات. في بعض الحالات يتم إصدار إيصالات تحمل علامة تنظيم الدولة الإسلامية، وعند الحاجة يتم إرسال تهديدات إلى الهواتف المحمولة والأقارب.
في حين كان معظم هذه الأنشطة في البداية تركّز على المناطق الريفية في سوريا، فإنها الآن تشمل المناطق الحضرية وفي العديد من المناطق الريفية، يتم التعرف على تنظيم الدولة الإسلامية بشكل متزايد كسلطة مظللة. قد لا تحظى هذه الأنشطة الأقل وضوحاً بتلفت الأنظار في وسائل الإعلام ولكنها تشكل المكونات الأساسية لتمرد إرهابي متماسك وعميق الجذور.
على مدى السنوات العديدة الماضية قام تنظيم “داعش” عمداً بإخفاء مستوى نشاطه في سوريا، واختار بشكل متسق عدم ادعاء المسؤولية عن الهجمات التي كان ينفذها. ومع ذلك، تزامناً مع الحرب الإسرائيلية ضد حماس في غزة، بدأ التنظيم للمرة الأولى في الكشف عن مدى تعافيه في سوريا ليتمكن الجميع من رؤيته. يزدهر تنظيم الدولة الإسلامية في الفوضى وعدم اليقين، ولا ينقص هذا الأمر في الشرق الأوسط هذه الأيام.
كتبه تشارلز ليستر لمجلة فورين بوليسي الأميركية وترجمته نورث برس