الشعر الكردي في سوريا .. انتقاد المحتوى وإصرار على الهوية
أفين يوسف – نورث برس
ينتقد متابعون لأمسيات ومهرجانات الشعر الكردي في القامشلي تدني القيمة الفنية والمحتوى المقدم في نشاطات الأعوام الأخيرة، بينما يرى آخرون أن من الضروري المحافظة على ما تبقّى منها لأهميتها لا سيما كمنبر متاح للجيل الجديد.
وتقيم خمس اتحادات للكتاب والمثقفين في الجزيرة أمسيات شعرية، غالباً ما تكون جماعية أو جزءاً من مهرجان أو فعالية ثقافية، كما أن بعضها خصص جوائز أدبية باسمها أو اسم شعراء كرد راحلين.
وشهدت المنطقة تصاعداً في الأنشطة الأدبية والشعرية منذ العام 2011، إذ بات الشاعر يعتلي المنابر علناً في الجزيرة وكوباني وعفرين، كما تمكن جمهور واسع من حضور تلك الفعاليات.
لكن مشاركات الشعراء وأعداد الحضور انحسرت تدريجياً في هذه الأنشطة والمناسبات، وسط استمرار الانتقادات التي تركز غالباً على المحتوى المقدم.
استسهال وضعف
يقول الباحث واللغوي الكردي، دحام عبد الفتاح، إن الهدف المرتجى من هذه المهرجانات والأمسيات سيبقى هو تطوير الشعر الكردي، “لكن الشعر الكردي فيما مضى أفضل حالاً، حين كان الشعراء يتّبعون النمط الكلاسيكي للقصيدة”.
ويرى أن الشاعر كان يهتم سابقاً باللغة وينتقي كلماته وقافيته وصوره الشعرية، ويخشى التعرض للانتقاد من الجمهور، لكن الشعراء الحاليين يكتبون ما يخطر لهم دون الالتزام بأي مقاييس، بما فيها الكتابات التي يوحي شكلها الخارجي بأنها قصيدة كلاسيكية.
وأدى انتشار استخدام مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت لاستسهال الكتابة الشعرية بالكردية، كما تأثر البعض بالأنماط الشعرية للغات الأخرى، بحسب عبد الفتاح.
ولفت الباحث إلى ضعف المشاركين في المهرجانات حتى في مهارات إلقاء الشعر الذي يُعتبر عنصراً هاماً لجذب المتلقي.
ولإلقاء الشعر الكردي أهمية خاصة بين الكرد بسبب منع الحكومات المتعاقبة في سوريا الكتابة والنشر باللغة الكردية، ما جعل إطلالة غالبية الشعراء على الجمهور مقتصرة على منابر المناسبات والأنشطة التي كان الاحتفاء بها يتم بسرية أو في غرف مغلقة.
تفاؤل رغم التحديات
ويعدّ “مهرجان الشعر الكردي في سوريا” أقدم فعالية شعرية دورية مستمرة حتى الآن، إذ أقيمت النسخة الثامنة والعشرين منه بالقامشلي في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.
دلدار آشتي، شاعر شارك في المهرجان بنسخته الأولى واستمر حاضراً كمشارك وضمن اللجنة التحضيرية في غالبية الأعوام.
يذكر الشاعر أسماء لامعة شاركت في المهرجان مثل تيريج وكلش ويوسف برازي وصالح حيدو، كما يتذكر إقامته بسرية تامة خلال ظروف بالغة الصعوبة، لا سيما بعد أحداث العام 2004 إذ أصبحت المزارع والحظائر والغرف المغلقة ملجأ لتجنب قمع السلطات.
ويرى “آشتي” أن الظروف الحالية من عدم الاستقرار وهجرة بعض الشعراء والحالة العامة الاقتصادية والنفسية، تحديات جديدة أمام استمرار المهرجان.
لكنه يبدو متفائلاً بزوال قمع اللغة الكردية والأفكار المخالفة للسلطة، بالإضافة لدور افتتاح مدارس وجامعات باللغة الكردية.
ويضيف لنورث برس: ” علينا الاهتمام بالجيل الشاب الذي يُعوّل عليه مستقبل اللغة والأدب والثقافة الكردية، وأن يكون باب المشاركة في النشاطات والمهرجانات مفتوحاً أمامهم”.
نتاجات لم تنضج
ويبدو رأي الشاعرة شف حسن قريباً من اللغوي دحام عبد الفتاح، رغم كتابتها الشعر الحديث، فعدد الإصدارات الشعرية في ازدياد رغم أن “الأقلام لا ترتقي لمستوى الفرص التي أتيحت لها”.
وأعادت شف سبب استقالتها من اللجنة الخاصة بمهرجان الشعر الكردي في نسخته الأخيرة، إلى قراءة قصائد تم رفضها من جانب لجنة التقييم.
فهي ترى ان غياب النقد والتقييم يجعل المكتبة الكردية تزدحم بكتب “المستوى المطلوب”.
ويقول الأستاذ في قسم الأدب الكردي بجامعة روجآفا، برزو محمود، إن الشعر بالدرجة الأولى نتاج موهبة، ومن ثم دراسة وخصوبة في الخيال وحب للجمال.
ويضيف أن ” التعبير الفني في شعر روجآفا عموماً لم ينضج بعد” ليرتقي للتأثير في عواطف وأفكار المتلقي.
ويرى برزو أهمية كبيرة للشعر الكردي في روجآفا وفي كردستان بشكل عام، فهو يمثل رحلة البحث عن الهوية والوجود.