قتل الأجنّة.. الفقر يتقاطع مع الإجهاض في سوريا

نور حيدر ـ دمشق

رغم حبها للأطفال، إلا أن رهف الخالدي، من ريف دمشق، اتخذت قراراً في عدم الإنجاب مجدداً.

ولدى “الخالدي”، طفلين، “لا أستطيع أن أوفر لهما حياة كريمة. لذلك لم أعد أرغب في أن ينمو أي شيء في داخلي لمدة ثانية واحدة”.

وبسبب وضعها المادي والصحي، فهي تشدد على عدم رغبتها في الإنجاب، “حتى لو حصل حمل، فسألجأ للإجهاض”.

فعندما يتعلق الأمر بالإجهاض، فإن سوريا هي واحدة من أكثر الدول حظرًا لهذا النوع من العمليات في العالم. ولا يسمح القانون السوري بالإجهاض لأي سبب من الأسباب، ولا يسمح للناجيات من الاغتصاب أو السفاح بممارسة حقهن في إنهاء الحمل غير المرغوب فيه أو ذاك الناتج عن الاغتصاب.

في هذا الإطار، يتمثل الاستثناء الوحيد في القانون السوري في ميثاق أخلاقيات الأطباء الذي أقسموا عليه، حيث يقوم بعضهم بإجراء عملية الإجهاض في حالة وجود تهديد لحياة الأم أو صحتها.

تقييد خطير

ترى شيرين (محامية في دمشق) أن الأحكام القانونية تشكل تقييدًا خطيرًا لحق المرأة في الحصول على الإجهاض الآمن في كثير من الحالات، وانتهاكًا خطيرًا لرغبتها في الإنجاب.

وتشير الطبيبة النسائية آلاء محمود، إلى أن حالة من كل ثلاث حالات لنساء يرغبن بإجهاض الجنين ترد إلى عيادتها بشكل يومي، وذلك لأسباب متعددة منها “تكاليف العملية والأدوية والتحاليل التي تحتاجها المرأة أثناء فترة الحمل”.

ويمر أحياناً شهر كامل دون أن تأتي لعيادة “محمود”، حالة ولادة، بعد أن كانت تجري عملية كل يومين على الأقل.

ولفتت الطبيبة إلى وجود تباين كبير في تكاليف الولادات القيصرية التي “تبدأ من مليون ليرة سورية لتصل إلى ستة ملايين ليرة، أما بشأن تكاليف الولادة الطبيعية، فتتراوح بحسب الطبيبة من 600 ألف لتصل إلى مليوني ليرة سورية”.

وشددت في حديث لنورث بر س، على أن “بعض الأطباء يرفضون رفضاً قاطعاً إجراء عملية ولادة طبيعية للحامل بغض النظر عن حالتها، لكون أجرة الولادة الطبيعية بالكاد تفي حقها”.

وحسب القانون السوري، يواجه الطبيب الذي يجري عملية الإجهاض عقوبة السجن لمدة تتراوح بين ثلاث سنوات إلى 15 سنة، وهو ما لا يترك للنساء خيارًا إلا أن يتوجهن إلى أطباء سريين ومبالغٍ في أسعارهم أو اللجوء إلى أساليب محلية للإجهاض غير الآمن.

نقص في البيانات

وعلى الرغم من قسوة فكرة قتل الجنين، إلا أن العقوبة تطبق عادة في حالة وفاة المرأة نتيجة مضاعفات الإجهاض.

إن جعل الإجهاض غير قانوني لا يمنع حدوثه؛ كما أنه لا يؤدي إلا إلى إجبار النساء على اللجوء إلى إجراءات سرية وغير آمنة.

وهناك نقص في البيانات الدقيقة المتعلقة بالإجهاض في سوريا. ومع ذلك، أظهرت دراسة  أجريت على 1300 امرأة، أن ثلثهن حاولن إنهاء الحمل. وشملت العينة النساء المتزوجات وغير المتزوجات.

ووجدت دراسة أخرى في ريف دمشق، أن 41 % من النساء في منطقة ريفية واحدة تعرضن للإجهاض مرة واحدة على الأقل، وأن 25% تعرضن لأكثر من مرة.

وفعل اثنان وتسعون بالمائة منهن ذلك دون مساعدة من أخصائي طبي، وبدلاً من ذلك طلبن المساعدة من قابلة تقليدية، أو أحد الأقارب أو ممارس تقليدي، وفقًا لتقرير صدر عام 2022 عن منظمة العمل النسوي.

وبناءً على توصية من طبيبها، خضعت جميلة عفيفي، (22 عاماً)، تقيم في دمشق، إلى إجهاض دوائي، وكانت في أسبوعها السابع من الحمل.

أوصت “عفيفي”، على الحبوب التي حددها الطبيب من لبنان، لأنها نادرة في سوريا،  ثم أخذت إجازة مرضية من عملها قبل البدء بالعلاج.

تقول لنورث برس: “شعرت بألم كبير. بدأت أتقيأ عندما أخذت الحبوب، وذلك بعد ساعتين من تناولها، ثم انتهى الحمل”.

وتضيف: “بقيت مريضة لمدة أسبوعين بعد ذلك. كنت قلقة بشأن المضاعفات وأن بعض البقايا قد تظل بالداخل للأسبوع الأول”.

معدل الاستشفاء لعلاج المضاعفات المرتبطة بالإجهاض مرتفع في دمشق، حيث يبلغ حوالي 15 حالة دخول لكل 1000 امرأة تتراوح أعمارهن بين 15 و44 عامًا، حسب طبيب (عضو في نقابة الأطباء) رفض التصريح عن اسمه.

فيما قال موظف في مشفى التوليد بدمشق، إن غالبية النساء اللاتي يقمن بمثل هذا النوع من العمليات “يبدو عليهن الفقر والعوز، ويقدمن على هذه الخطوة بسرية تامة، ما قد يشكل ضغطا كبيرا عليهن وعلى الطبيب في آن معًا”.

وتخضع المرأة للتخدير العام، “ويخشى على البعض منهن أن يموتوا دون أن يخبروا أحداً بما قد مروا به”، بحسب الموظف.

تحرير: تيسير محمد