عاصمة “الياسمين” تعج بالمشردين والمتسولين

ليلى الغريب ـ دمشق

يكرر العبارة ذاتها، تلك العبارة التي كانت تصيب الروح في البداية، ولكن بعد فترة أصبح المارة لا يلتفتون إليها، وهو يقول لهم “والله جوعان”.

شاب طويل أسمر تظهر في وجهه تقاسيم قاسية، يفترش ركناً إلى جانب جمعية المبرة في مزة جبل، بدمشق، مضى على تواجده في هذا المكان سنوات، في الصيف والشتاء يفترش الأرض مع عدة حرامات متسخة ومهترئة.

في كل مكان

وإلى جانبه في الحديقة المقابلة لنفس المنطقة يتمركز شاب آخر، يقول لنورث برس، إنه جرب أن يعمل في أكثر من مكان، لكنه لم يتمكن من الانضباط في العمل، وينتهي الأمر دائماً بعودته إلى مكانه في الحديقة التي أصبحت بيته، حيث ينام على مقعد فيها، ويترك أغراضه في النهار على ذاك المقعد عندما يذهب ليجد ما يأكله.

ينتشر المشردون والمتسولون في كل ركن من حارات وشوارع دمشق. ولكن المفاجأة هي ازدياد أعدادهم  في المناطق التي يرتادها الأغنياء مثل الحمرا المالكي وباب توما وغيرها، ظناً منهم أن هنالك من يستطيع مساعدتهم.

محمد علي، اسم مستعار لأحد القادمين من فرنسا بعد غياب طويل قال لنورث برس، إن أكثر ما لفته هو زيادة أعداد المتسولين والمشردين في كل مكان من العاصمة العريقة دمشق، وأن أعداد المشردين يكاد يغير اسم مدينة الياسمين.

ولفت إلى أن هذا يوحي بمدى الحاجة والفاقة التي يعيشها الناس، في دمشق.

وأشار إلى أنه يجلس كل صباح في كافتيريا على الشارع المجاور لحديقة المدفع في دمشق، وأنه خلال الساعة  التي يقضيها في ذاك المكان يقف أمامه أكثر من ٦ أشخاص يومياً من نساء وأحداث ورجال كلهم يطلبون المساعدة، أو يبيعون مواد كالعلكة ويانصيب من نوع جديد، ويتوسلون المارة لشرائها، كمن يتوسل لتعطيه المال.

بلا تعاطف

لم يعد  للمتسولين أو المقيمين في الشوارع ذاك الشكل النمطي الذي اعتادته الناس عنهم، فيمكن أن تجد سيدة لا يوحي شكلها بأنها ممن أصبحوا في عداد المتسولين تجلس في ركن تعتقد أنها تنتظر أحداً، “ولكن عندما تحدثك تكتشف أنها تطلب، فهنالك من يأخذون ركنا من الشارع يطلبون بصوت خافت، والله محتاجة”، بحسب “علي”.

تقول السيدة  سحر العلي لنورث برس، إنها ذهبت للفرن لتعود بخبز طري لأولادها، وفي طريق عودتها من الفرن استوقفتها سيدة ثلاثينية، “اعتقدت أنها تريد أي شيء إلا الطلب الذي طلبته مني، عندما وقفت لأسمعها، واكتشفت أنها تطلب رغيف خبز بعدما جلست في مكان يبعد عن الفرن بعض الشيء لتخبرني أنها لا مخصصات لها من الفرن لهذا اليوم”.

تضيف “العلي” أنها لو استجابت في ذاك اليوم مع كل الطلبات التي يريد أصحابها رغيف خبز لوصلت بحصة لا تكفي لأبنائها.

في الليل يصبح للأماكن العامة إشغالات مختلفة، ففي الأماكن القريبة من مستشفى الأطفال بدمشق مثلاً يفترش الأهل الذين اصطحبوا أبناءهم إلى المستشفى خاصة من المحافظات الشرقية الحديقة المجاورة لهم، يستخدمون أغطية اصطحبوها معهم لهذه الغاية.

أما في الحديقة التي تجاور جسر الرئيس فتوجد أسر متمركزة في الحديقة، بعضهم يشغل أبناءه في التسول نهاراً، ويعودون للنوم فيها ليلاً، وذلك بعد ارتفاع أسعار الإيجارات بشكل لا طاقة لكثير من الأسر بها.

لا يهتمون

مع الفقر الذي طال أكثر من 95% من السوريين حسب الاحصاءات المتداولة في سوريا، فإن التعاطف مع المحتاجين أصبح أقل بكثير، إذ إنه يمكن لأي شخص متتبع أن يجد كيف أن العشرات يمرون دون أن يلتفتوا للمشردين والطالبين، سواء بسبب كثرة أعدادهم، أو عدم إمكانية المساعدة فالأمر سيان.

يقول الخبير الاقتصادي سامر زهيري، إن القوة الشرائية تراجعت منذ بداية الحرب وحتى الآن أكثر من 200 ضعف، وأنهم رغم عدم وجود إحصاءات حقيقية لعدد السكان في سوريا، ولكن اللجنة الدولية للصليب الأحمر أعلنت أن أكثر من 15 مليون شخص في سوريا يعيشون تحت خط الفقر، ويحتاجون إلى مساعدات إنسانية.

وكان مكتب مكافحة التسول في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل قد بين أن نسب التشرد زادت ثلاثة أضعاف في الأعوام العشرة الأخيرة، وأن الوزارة تعمل على مشروع للحد من هذه الظاهرة، ورعاية الحالة النفسية والاجتماعية للمشردين.

وأن عدد القاطنين في دار الكسوة لرعاية المشردين، بلغ 225 شخصا، وتمت معالجة 623 حالة في الدار منذ بداية العام الجاري.

تحرير: تيسير محمد