واقع صحي متخبط في إدلب وارتفاع أسعار الأدوية زاد من معاناة المرضى

إدلب ـ نورث برس

 

يعيش القطاع الطبي والصحي في منطقة إدلب شمالي سوريا، حالة من التخبط، على صعيد ارتفاع تعرفة المعاينات الطبية والأدوية التي وصلت لمستويات تفوق قدرة المرضى على دفعها، الأمر الذي زاد من حجم المعاناة في ظل الظروف الاقتصادية المتردية للسكان في تلك المنطقة، وسط غياب واضح للمنظمات الإغاثية وخاصة التركية عن دعم هذا القطاع المتهاوي.

 

وكان من أبرز ما يدل على حالة التخبط تلك إصدار "نقابة أطباء إدلب"، الخميس الماضي، قراراً حددت بموجبه تعرفة المعاينات الطبية بـ"الدولار"، الأمر الذي لاقى ردود فعل غاضبة حتى من بعض الأطباء في الشمال السوري، معلنين عن رفضهم وعدم قبولهم لهذا القرار لأنه لا يتناسب مع قدرة المرضى وظروفهم المعيشية الصعبة، ما دفع بـ"نقابة الأطباء" لسحب القرار وإلغائه عقب ساعات قليلة من صدوره.

 

وكان القرار قد حدد تسعيرة المعاينة الطبية بالنسبة للطبيب العام ما بين (2 إلى 6 دولار) أو ما يعادلها من العملات النقدية، وبالنسبة للطبيب الاختصاصي ما بين (3 إلى 8 دولار) أو ما يعادلها من العملات النقدية.

 

وأضاف القرار أنه يحق للطبيب اختيار قيمة الكشف الطبي حسب ما يراه مناسباً، وذلك ضمن حدود التسعيرة المتفق عليها، يضاف إليها قيمة الإجراءات التشخيصية حسب كل اختصاص.

 

وتعليقاً على ذلك قال "أيمن صطيف" وهو طبيب في أحد المشافي ببلدة "أرمناز" بريف إدلب لـ"نورث برس"، إنه "لا يتوفر أي معلومات عن أسس تحديد التسعيرة ولا حتى بالقرار، وغالبية الأطباء تفاجأوا به".

 

وأضاف، "أعتقد أن التسعيرة مرتفعة نوعاً ما بالنسبة لدخل الأغلبية في المنطقة، وأيضاً توجد فئة من الأطباء يعتمدون تسعيرة رخيصة ومناسبة لدخل الناس الفقراء، وهذه التسعيرة الجديدة غير منطقية وستؤثر سلباً على المواطنين الذي هم في الغالبية فقراء ونازحون".

 

ولم يكن هناك تعرفة محددة للمعاينات، قبل صدور القرار، "كل طبيب له تسعيرة مختلفة، لكن متوسط التسعيرات كانت تتراوح بين /1.5/ و/2/ دولار"، بحسب "صطيف".

 

عدم الالتزام

 

وأشار إلى أنه ولحظة صدور القرار المفاجئ، أعلن جميع الأطباء في الشمال السوري عدم التزامهم بقرار النقابة أو العمل به، وطالبوا المعنيين بالعدول عن القرار، "لأن القرار متخبط وغير مدروس".

 

وقال "أيمن السيد" وهو مسؤول عن أحد المراكز الطبية في منطقة إدلب لـ "نورث برس"، إن "هذا القرار شكل حالة من الامتعاض بشكل كبير جداً بين الناس في الشمال السوري لأن أغلب السكان يذهبون إلى الأطباء الاختصاصيين، وهذه مصيبة جديدة تفاجئوا بها في ظل ظروفهم المعيشية السيئة".

 

وأضاف أن "الطبيب في حال أخذ الحد الأعلى من رسم المعاينة /8/ دولار بحدود /18400/ ليرة سورية معاينة، فهذه كارثة بحد ذاتها خاصة إذا تم تطبيق قانون قيصر فإن الليرة السورية ستنهار، لذلك القرار غير منطقي وغير مقبول في هذه الفترة الاقتصادية السيئة على السكان".

 

ووصل سعر صرف الدولار اليوم السبت، في إدلب إلى /2300/ ليرة سورية للمبيع، مقابل /2290/ ليرة سورية للشراء.

 

وأوضح أنهم يطالبون بالاكتفاء بالحد الأدنى المكتوب من الكشفية، خاصة مع ارتفاع سعر الدواء /100/%، "يجب ألا نحمل الناس أكثر من طاقتهم".

 

غلاء وفقدان الأدوية

 

ولا يقتصر الأمر على مسألة تعرفة المعاينات الطبية التي تثقل كاهل المدنيين في الشمال السوري، يل يضاف إلى تلك المعاناة غلاء أسعار الأدوية وفقدان كثير منها.

 

وقال الطبيب "وائل الإدلبي" العامل في أحد المراكز الطبية ببلدة "حارم" في الشمال السوري لـ "نورث برس"، إن "هناك نقصاً حاداً بكل أصناف الأدوية سواء القادمة من تركيا أومن مناطق النظام السوري، بسبب إغلاق المعابر البرية مع مناطق النظام وإغلاق تركيا لمنافذها البرية مع الشمال السوري بسبب إجراءات كورونا، ما أدى إلى انخفاض نسبة الأدوية الداخلة للشمال وبالتالي ارتفاع أسعارها".

 

وأوضح "الإدلبي" أن أسعار الأدوية ارتفعت بنسبة تتراوح بين /100/ و/800/ %، فعلى سبيل المثال ارتفع سعر شراب السيتامول من (200 ليرة إلى 900 ليرة سورية)، وشراب البروفين من (600 ليرة إلى 1400 ليرة سورية)، وزيلوريك (لعلاج مرض النقرس) من (300 إلى 1300)، ويونكرون (لمرضى السكري) من (600 إلى 1700)، وجنكوراز (لتقوية الأعصاب والجهاز العصبي) من (1200 إلى 2500 ليرة)، وكالسيفور (لعلاج نقص الفيتامينات بالجسم) من (500 إلى 2000 ليرة سورية).

 

ووسط كل تلك الظروف يلاحظ غياب الجانب التركي ومنظماته الإغاثية عن مد يد العون للعاملين في القطاع الطبي أو حتى للمرضى، وفتح المنافذ البرية لإدخال الأدوية اللازمة، حسب ما ذكرت مصادر محلية.

 

السياسة الطبية

 

وفي هذا الصدد قال الناشط الإغاثي "فادي المعراوي" والذي يقطن في إحدى قرى الريف الإدلبي لـ "نورث برس"، إن "السياسة الطبية التركية في إدلب متأخرة، لو كانت تركيا جادة في دعم منطقة إدلب لدعمت الخدمات والقطاع الصحي قبل كل شيء".

 

وقال أيضاً، "من الجيد أن يكون سوق إدلب مكاناً لتصريف الأدوية التركية والأجهزة الطبية بعيداً عن جشع التجار، ولكن قد يكون هناك ضغوط روسية على تركيا تمنعها من دعم إدلب صحياً بشكل علني، الأتراك يقع عليهم مسؤولية الحفاظ على أمان إدلب ودعمها خدمياً وصحياً فيما إذا كانوا يريدون حقيقة مصلحة أهلها".

 

وبحسب فريق "منسقو استجابة سوريا" العامل في الشمال السوري، تؤوي منطقة إدلب لوحدها نحو أربعة ملايين مدني يعانون من ظروف اقتصادية متردية، فضلاً عن وجود آلاف النازحين القاطنين في مخيمات عشوائية تفتقر لأدنى مقومات الحياة الإنسانية، وسط تجاهل المنظمات الإغاثية وخاصة التركية لكثير من الاحتياجات.

 

ويأتي هذا في وقت تواصل فيه تركيا إرسال تعزيزات عسكرية إلى المنطقة، بينما تلفت مصادر محلية الانتباه إلى أنه من الأولى "إرسال المساعدات الطبية والغذائية قبل العسكرية للمرضى والمحتاجين".